ثمة ظاهرة غريبة فيما يخص الانتخابات التونسية، وهي نوع من الفرح الخفي الذي أصاب جميع الأطراف بفوز "نداء تونس" في الانتخابات وبالأحرى خسارة النهضة لها، وهذا ينسحب على حركة النهضة نفسها والتي تزعم أنها خططت للحصول على هذه النسبة وأنها لا تريد تكرار تجربة مصر.
وهو أمر من أغرب ما يمكن أن تسمعه في الفضاء السياسي في أي مكان، فما حدث في تونس هو هزيمة الثورة التونسية وعودة العهد القديم، فالهزيمة لم تقتصر على النهضة بل على كل أطراف الترويكا الحاكمة وكل قوى الثورة التونسية فنتائج هذه الأحزاب أخرجتها عملياً من دائرة التأثير السياسي.
يعبر نموذج الثورة التونسية عن الأزمة العميقة التي يعاني منها التيار الإسلامي وعن عجزه عن المحافظة على الإنجازات التي حققتها الثورات التي جاءت به إلى الحكم، ومهما عزونا الأسباب إلى التدخل الخارجي فنحن أمام مشهد متكرر مع كل النماذج التي أفرزها الربيع العربي:
- عجز عن استرداد الدولة من القوى الاستبدادية الفاسدة التي قامت الثورات ضدها وبمعنى أدق عدم القدرة على استكمال الثورة.
- عجز عن المحافظة على وحدة وحشد الجماهير الموالية للثورة والاعتماد على الجمهور الحزبي.
- عجز عن التمسك بزمام المبادرة السياسية والإعلامية، حيث استطاعت القوى المضادة للثورة تهميش قدرة الحركات الإسلامية على السيطرة وإغراقها بسيل جارف من التشويه الإعلامي والسياسي.
- الاستعداد للوصول إلى صفقات حل وسط مع القوى الاستبدادية الفاسدة التي قامت الثورات ضدها.
ورغم أن "النهضة" حافظت على جدول أعمال خال من القضايا الفرعية الجدلية ذات البعد الأيديولوجي والتي وقع غيرها فيها، ورغم تنازلاتها المتكررة فإن الأرجح هو أن المرحلة القادمة هي مرحلة تصفية ما تبقى من نفوذها السياسي.
هذا السلوك هو الذي قاد إلى الشعور الغريب بالرضا الذي أصاب الجميع مع فوز نداء تونس، فكأن فوز قوى الثورة كان تحدياً لا تستطيع هذه القوى مواجهته.
لقد انتهت ثورة تونس أيها السادة.
عظم الله أجركم.