في الواقعية والتفكير الرشيد (4)
في حساب الربح والخسارة لدى العدو
تكلمنا من قبل عن معيار حجم التضحية وكون الاختلال فيه بين الشعوب المحتلة والمستعمرين طبيعياً بالنظر لعدم تكافؤ القوى.
ما نقصده بحساب الربح والخسارة هنا هو الطريقة التي يحسب بها كل طرف خسائره وأرباحه وكيف تؤثر عملية الحساب هذه على قراراته ومواقفه وإدارته للمعركة وهي الطريقة الصحيحة لتقدير الموقف في أي صراع، فخسائر العدو قد تكون كبيرة ولكن السؤال الصحيح هو حول قدرته على تحمل هذه الخسائر وتأثيرها في قراره ووسائله للتغلب عليها ونفس الأمر ينطبق علينا.
من جهة العدو كل خسارة تقع علينا في حجم الدمار وعدد الضحايا هي سلاح ذو حدين فهي مكاسب له لجهة جعل قرار المواجهة عندنا والاستمرار فيها أثقل وأصعب فحجم الخسائر المتوقع له تأثير كبير عند تقدير المكاسب التي تجرها المواجهة، إلى جانب أن حجم الدمار الهائل يجعل قيادة المقاومة مضطرة لوضع ضرورة إعادة الإعمار على أجندة مرحلة ما بعد الحرب وهذا يلزمها بتقديم تنازلات مقابل ذلك، وهذا يعتبر جزءاً من بناء قوة الردع الإسرائيلية في مواجهة الفلسطينيين.
الوجه الآخر هو في حجم الكراهية والانكشاف الذي ستعاني منه إسرائيل لمدة طويلة أمام الرأي العام العالمي بالإضافة إلى التبعات القانونية لسلوكها الإجرامي، وهي تبذل جهوداً كبيرة في تمويه صورة العدوان معتمدة على انحياز العالم الغربي سياسياً وإعلامياً لإسرائيل كما إنها ستبذل لاحقاً جهداً كبيراً لترميم صورتها يستدعي تحويل هذه الساحة إلى ساحة مواجهة أخرى من جانبنا.
وفي سبيل منع تفاقم هذه الحالة تعمل إسرائيل على تخفيض حجم مشاهد القتل والدمار وتصوير الوضع للرأي العام العالمي كأن المعركة قد انتهت من جانبها، مع أنها لم تنته فعلاً.
في جانب الخسائر في القتلى والجرحى تعاني إسرائيل من صدمة ولكنها تدرك أن مثل هذه المواجهة المتطاولة تحتمل وجود الضحايا ما لم يرتفع عدد الضحايا إلى مستوى لا يمكن تحمله، هذا الجانب يستدعي تكتيكات تقود إلى تقليص عدد الضحايا بتقليص المواجهة المباشرة وهذا ما فعلته إسرائيل بتراجعها عن الاجتياح البري، وستبذل كل ما يمكنها لتقليل عدد قتلاها.
في جانب تآكل قدرة الردع تعتبر نتائج هذه الحرب مفصلية في تحديد مستوى الضرر الذي أصاب قوة الردع الإسرائيلية، ولذلك تحاول بكل الوسائل منع المقاومة الفلسطينية من تحقيق إنجازات حقيقية من هذه الحرب، وبالذات رفع الحصار بشكل حقيقي عن قطاع غزة من دون تنازلات حقيقية من جانب المقاومة فيما يخص سيطرتها وتسليحها، ولذلك فإن أي تنازلات في هذا المجال ستكون شكلية أو مشروطة بما يحقق أهداف إسرائيل في تقليص سيطرة المقاومة على القطاع، وقدراتها في تطوير تسليحها وقوتها من نوع عودة السلطة والإشراف الدولي والتواجد الدولي.
إن قبول إسرائيل بمطالب المقاومة دون التنازلات التي أشرنا إليه سابقاً سيشكل ضربة لا يمكن إصلاحها لقوة الردع الإسرائيلية وهو ما تسعى بكل ثمن لتجنبه.
على مستوى الأمن الداخلي للمدنيين وتأثير الصواريخ على استقرار الحياة المدنية وانتظامها تراهن إسرائيل على تقلص قدرة المقاومة على إطلاق الصواريخ، كما تراهن على تخفيض مستوى الاشتباك ليصبح ممكن التحمل مراهنة على عامل الوقت من خلال صنع معادلة أن الفلسطينيين في وضع ضيق شديد مقارنة بتقليص الأضرار في الجانب الإسرائيلي، وفي هذه الحالة تعيد إسرائيل صيغة الضربة بمائة ضربة التي مارستها سابقاً لإجبار المقاومة الفلسطينية على المحافظة على مستوى متدن من المواجهة يتيح لها الاستفادة من تأثير عامل الوقت على الجبهة الفلسطينية الداخلية.
إن المعركة لم تنته والمطلوب من المقاومة الفلسطينية تفكيك قدرة إسرائيل على تجنب الخسائر الكبيرة وتخفيض مستوى المواجهة واستغلال عامل الوقت فهذه هي عناصر المعادلة التي تحاول إسرائيل من خلالها هزيمتنا في هذه المعركة، لتخضع في النهاية لمطالبنا بأقل قدر من التنازلات من جانبنا وليتحقق النصر.