حفظنا أسماء قادة فلسطينيين (عن ظهر قلب) عبر مسيرة الثورة الفلسطينية، حيث أصبحت هذه الأسماء موروثا فلسطينيا لا يمكن التخلي عنه، وهذا أمر طبيعي في تاريخ المجتمعات البشرية، ولكن اللافت في المجتمع الفلسطيني، هو أن القائد يصبح رمزاً ثم وريثاً فردياً وحصريا لمكانه، لا يتنازل عنه ولا يسمح لأحد أن ينازعه ملكيته القيادية.
كل هذا نابع من الوضع غير طبيعي للمجتمع الفلسطينية، في ظل الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث تكمن الفكرة الموروثة في أن الأولوية لمقاومة الاحتلال، فانعكست الفكرة على المجتمع الفلسطينية في المخيمات وخارجها، فأصبح المسؤول المحلي (العسكري أو المدني أو المؤسساتي) هو (وريث العرش) لا يتنازل عن عرشه أو صلاحياته لأحد، و يعادي أي شخص يحاول المساس بسلطته أو بمورثه الأزلي .
تفاقمت فكرة (القائد) فامتدت للجميع ابتداء من رأس الهرم إلى القاعدة، حيث أصبحت مرضاً نرجسياً لا يمكن الشفاء منه أبداً، وبما أن الرمز الأزلي هو صاحب السلطة الأوحد (بحسب موقعه)، وبما أن عمر القائد وتاريخه سمح له بالاستحواذ على مكانه فقد انعدمت أي فرصة للشباب الفلسطيني بالحصول على أي امتيازات أو صلاحيات في الفصائل والقوى الفلسطينية وأيضا في المؤسسات الرسمية بكل أنواعها.
في ظل ثورة التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي التي أدت لتغير نظرة المجتمعات للإعلام وللحريات مما أدى لتغيرات جذرية في المجتمعات العربية الأخرى، وجد الشاب الفلسطيني نفسه متأخراً عن أخيه العربي، فوضعه الاجتماعي والسياسي لا يسمح له بثورة على الرموز الأزلية، كما حدث ويحدث وسيحدث في المجتمعات العربية بسبب احتكار المكان واحتكار السلطة، فعبر الشاب الفلسطيني عن نفسه من خلال تجمعات شبابية سريعاً ما وجدت لنفسها مكاناً واحتراماً في المجتمع بسبب تركيز هذه التجمعات الشبابية على الشؤون الاجتماعية والحياتية اليومية للفلسطيني خاصة حين يقطن مخيمات يعاني فيها الفرد من الحرمان والبؤس في ظل قوانين جائرة تحرمه من أبسط حقوقه الإنسانية والمدنية والاجتماعية والسياسية .
اختلفت تسميات التجمعات الشبابية الفلسطينية في الداخل أو الشتات، حيث وجد الشباب أنفسهم من خلال عملهم الاجتماعي و المدني، و لكن بقيت فكرة القائد موجودة في العمل الشبابي، فكان لا بد للشباب من جناح ينتمون إليه ظاهرياً أو باطنياً، لتأمين الدعم المادي أو السياسي لنشاطاتهم إلا في بعض الحالات الضيقة .
الشباب هم طليعة المجتمعات وذخيرة الوطن، فلا بد من إيجاد آليات وطنية فلسطينية لترسيخ حضورهم الوطني إن كان في المجال الاجتماعي أو السياسي، كما تفعل بعض الفصائل، بإشراك الشباب في العمل المدني من خلال الطلاب أو المؤسسات الشبابية، أو عبر (كوتة) شبابية توصلهم للجان المركزية في الفصائل، ليستطيع الشباب إثبات حضورهم السياسي أيضاً .
الشباب بعملهم المجتمعي يحاولون إيجاد أنفسهم والاضطلاع بدورهم الوطني، وبهذا يدقون ناقوس الخطر، فمن خلال دراسة التطور الطبيعي للمجتمعات يمكن التنبؤ بأن الشباب الفلسطيني لن يقف عند العمل المجتمعي بل سيطالب بحقه في العمل السياسي وعدم الاكتفاء ببقائه صفا ثانيا أو ثالثا أو ذراعا لقيادات أثرية في المجتمع من دون أن يشارك في صنع القرار فيه، فعاجلا أو آجلا سيقلب الكرسي على جليسها.
و من كل ما سبق يجب على القائد (كل حسب موقعه) استيعاب الشباب واشراكهم في العمل الوطني، الاجتماعي منه و السياسي أيضاً، قبل أن يصبح الشباب طاقه هدامة ترفض كل الواقع الموجود برموزه، وترفض كل القيادات الأزلية، لتثور من أجل حقها في الريادة المجتمعية والسياسية بعيدا عن قاعدة إما أن تمر من تحت الجناح أو يرفع في وجهك السلاح.