Menu
20:00جيش الاحتلال ينهي مناورات واسعة تحاكي حربًا متعددة الجبهات
19:57"الأوقاف" بغزة تقرر إغلاق 4 مساجد بمحافظتي الوسطى والشمال
19:55إدخال المنحة القطرية لقطاع غزة عبر حاجز "ايرز"
19:54السعودية تسمح بقدوم المعتمرين من الخارج بدءا من الأحد
19:50قيادي بـ"الديمقراطية" يتساءل: ماذا بعد جولات الحوار الأخيرة؟.. وإلى أين؟
19:49نتنياهو يعلق على قرار بيع الولايات المتحدة 50 مقاتلة "إف 35" للإمارات
19:48اسرائيل تبعث رسالة للرئيس عباس عبر ايطاليا.. إليك تفاصيلها
19:46رئيس الوزراء: سنرفع نسبة صرف الرواتب خلال الاشهر المقبلة.. وهذا ما طلبناه من البنوك بشأن الخصومات
12:19محكمة الاحتلال ترفض الإفراج عن الأخرس
12:13المالكي : دعوة الرئيس بمثابة المحاولة الاخيرة لإثبات التزامنا بالسلام
12:10الاردن يعيد فتح المعابر مع فلسطين بعد اغلاق استمر لأشهر
12:07الخارطة الوبائية لـ"كورونا" بالقطاع
12:05"إسرائيل": التطبيع مع السودان ضربة لحماس وايران
12:02"اسرائيل " علينا الاستعداد لما بعد ترامب
12:01الاحتلال يقتحم البيرة ويخطر بإخلاء مقر مركزية الإسعاف والطوارئ
أ‌. عبدالله العقاد

الرجل الذي زاد شكي في يقيني..!

بقلم/ أ‌. عبدالله العقاد

عديدة هي المرات التي دعيت لحضور لقاءات تجمعنا مع السيد أوليفر عبر مؤسسة بيت الحكمة، وغالباً ما كنت أتلقى دعوة الحضور والتأكيد عليها من صديقي د. أحمد يوسف رئيس المؤسسة.

في أول لقاء التقيت بالسيد أوليفر كان مع مجموعة محدودة من المهتمين، والذين كانوا منتقين بعناية ليعبروا عن كل ألوان الطيف الفلسطيني من قادة فكر وصناع رأي، غير أني أدركت اللقاء في آخره لسبب طرأ أخرني عن الموعد، ولم أجد في نفسي تأسفاً على هذا التأخر الطارئ؛ لأني لست متشجع للاستماع لأجنبي والأمر أكثر نفوراً بالنسبة لي عندما يكون الأجنبي بريطاني..!

ولعل هذا النفور وعدم الارتياح لازمني مذ كنت طفلاً لم أبلغ الحلم، وقد سمعت أمتي تكرر في أكثر من مناسبة عبارة "الانكليز عدو خبيث ذو وجهين"، أثارت هذه العبارة استغرابي؛ فاستفسرتها عن معناها؛ فأجابتني بأنهم الانكليز وإن بدوا لنا محبين إلا إنهم أعداء، قد يعطونا حلو الكلام، ولكنهم يمكرون بنا، فهم أساس نكبتنا، وأمي سيدة طيبة، حال الأم الفلسطينية التي عاشت ألم النكبة، وقد شهدت الهجرة وهي طفلة صغيرة، حين هُجّرت مع أسرتها من (روبين) قضاء مدينة يافا في رحلة قاسية حتى انتهى بهم المقام في مزرعة أبو سليم بمدينة دير البلح، شارع البركة، قبل أن يسلموا بيوتاً في مخيم خان يونس، وقد بقيت أسرتها دائمة المعاداة مع الاحتلال؛ إذ كان شقيقها الأكبر (أحمد) فدائياً، لهذا تعرض بيتهم للمداهمات المتكررة من الاحتلال في بعد احتلال ٥٦، وكذلك بعد عدوان ٦٧..

وهذا ما ترك مركب في نفسي أني أكره الأجانب الغربيين، ولا أتقبل لهم قولاً، وقد تعزز هذا أكثر عندما اعتنيت صغيراً بقراءة تاريخ الصراع في فلسطين، وقد تأكد لي أن بلادنا قد احتلت فعلاً ليس بعد التهجير القسري، بل منذ دخلها الجيش الانجليزي المستعمر في ديسمبر ١٩١٧، وقد جعلنا وعداً، وهو لا يملكنا؛ ليمنح أرضنا وطناً لمن لا يستحقها، وأنجز وعده الظالم (وعد بلفور)، للموعود الباغي (الحركة الصهيونية) بقوة قهره وبطشه، وبأدوات رخيصة تعينه.

ومن الطريف أن أذكر موقف بريطانيا، إذ كانت تانسو تشلر رئيسة وزرائها، من إعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر ١٩٨٨، وكنت أتابع أخبارنا السياسية وأحداث الانتفاضة، وأنا حديث سن، لم أتجاوز ١٤عاماً، وكانت هيئة الإذاعة البريطانية هي مفضلتي في ذلك، وكانت تأتي بنشرة موجزة وأخرى مفصلة على رأس كل ساعة، تابعت الدول التي سارعت بالاعتراف بالدولة الفلسطينية الموعودة، ولا سيما الدول الكبرى منها روسيا والصين والهند، ولم تعترف أمريكا وبريطانيا لكنّ الأخيرة كانت قد عبرت عن رفضها الإعلان بعبارة خبيثة لتبقي الباب موارباً، وهي (أن هذا الإعلان سابق لأوانه) وهذا أعاد إلى ذهني مقولة أمي سالفة الذكر.

لربما سيكون وجيهاً السؤال، لماذا كل هذا المدخل؟ أو بشكل أدق، لماذا هذا المدخل من أساسه؟ ولكن جوابي على ذلك هو لتفسير حدة مداخلاتي التي كانت في كل لقاء يجمعني بالسيد أوليفر، حيث لم يغادرني التاريخ الذي يكشف لنا بشاعة ما فعلته بريطانيا بنا، ولا زال فعلها، وآثار فعلها جاثياً جاثماً علينا، حتى أني مرة قلت ليس جريمتكم أنكم جعلتم من جاءوا إلينا لاجئين من اضطهادكم (اليهود) ليكونوا كياناً معادياً لنا، وأداة طيعة لكم فحسب، بل إنكم تحرصون على إبقائهم في حالة الصراع، وتسدون كل فجوة لحسمه أو فجٍّ لحله، وهذه سياستكم التي أورثتموها لأمريكيا من بعدكم.

الغريب أن كل مداخلاتي تلك كان تلقى اهتماماً وتعليقاً عليها بالتأكيد من السيد أوليفر، وكثيراً ما كنت أرى الانزعاج بعض الحضور، ومنهم صديقي د. أحمد يوسف، حيث علق مرتين بقوله: يا أخوة لا نريد أن ننكأ جراحات التاريخ، مع حرصه أن أتداخل، إلا إني كنت أجده يتحرج، لكني في الحقيقة لا أجد حرجاً في نفسي من حدتي تلك، وأنه ليس مطلوباً أن نُسمع ما يحب الآخرون، بقدر ما يجب أن نقول ما نجده تعبيراً عن قناعاتنا، فكيف لو كانت هذه القناعات قضيتنا التي تمثل هويتنا الحقيقية؟!

لكن تفاعل السيد أوليفر وإيجابيته، وموضوعية طرحه جعلني أحرص على أن أحضر في كل لقاء أُدعى إليه يكون ضيفه، أما وقد تجلت موضوعية الرجل عندما عرض علينا تقرير عن مشكلاتنا في الضفة الفلسطينية وغزة حيث انتهى إلى أن الاحتلال يتسبب بما نسبته ٩٠% منها، وقد عقبت بقولي: بأن النسبة المتبقية ١٠% الاحتلال هو من يتحملها كذلك بطريقة غير مباشرة، فهو الذي يضغط على طرف في تعطيل المصالحة، ولو كان الانقسام سبباً لمشاكلنا، وهو كذلك، والاحتلال هو أيضاً من ضغط على القوى الكبرى، أي الرباعية لتعطل نتيجة الانتخابات البرلمانية ٢٠٠٦، فتفاجأت أن السيد أوليفر أكد ذلك، وعلق على نتيجة الانتخابات تلك، بقوله: إن وزيرة خارجية أمريكا كونداليزا رايس يومذاك كانت قد جاءت بقرار عدم التعامل مع النتائج، وأكد أنه تم الالتفاف على نتائج الانتخابات التي فازت فيها كتلة التغيير والإصلاح المدعومة من حركة حماس، ولكن هذا التنكر جاء مغلفاً بغطاء الالتزام  "بشروط الرباعية الدولية".

وبقي يقيني متجذراً أنهم سبب نكباتنا رغم ما أجده لهذا الرجل من طرح سياسي متوازن، وما ينشئه من حوار هادف وبناء، وما انتهى إليه التقرير الذي عرضه علينا من موضوعية بنسبة كبيرة، إلى أن علمت أن السيد أوليفر من أصول إيرلندية، هنا فقط بدأت أتقبله بنوع من الارتياح، غير إن هواجسنا من مقاصدهم لا تغادرنا، كيف، لا؟ ولازال دمنا ينزف بما اقترفوه بنا..!

حقاً أن تعززت ثقتي بحقي أكثر، وأن معرفتي به شكلت في إجمالها إضافة نوعية بما وجدت فيه من جلد، ومثابرة، ودقة، وقدرة على الربط، وسبر الأغوار، وحرصه على قراءة الخارطة الفكرية لمجتمعنا من الشباب، وبشكلها الفج كما هي الحقيقة قبل تعدينها، وإدخال المؤثرات عليها، حيث كنت أجده في اللقاءات الشبابية يستمع للمداخلات بعناية كبيرة، ويحرص عليها، والتي في جوهرها تكون تبادل ردود بين أطيافهم المختلفة، ولعل هذا ما ميز مؤسسة بيت الحكمة قدرتها على جمع الجميع وإعطاء المساحة المتكافئة لكل من حضر منهم، ولولا أني أشهد هذا التنوع لبيت الحكمة في كل أنشطتها، لقلت هذا لما يريده السيد أوليفر، وإن كان الأخير حريص عليه فعلاً.

وفي الأخير، ليس إلا أن أشكر بيت الحكمة الذي منحني فرصة التعرف على السيد أوليفر وصديقه المرافق له دوماً، وكلنا أمل أن تكون صوتنا، وسنداً لحقنا، وتأخذوا الفرصة لتغيروا صورتكم التي نقشتموها في صخور بلادنا، وتنسخوا مقولة أمتي بأخرى تُذهب عنا الحَزن، وتنسينا آلام النكبة بعودتنا، وتقرير مصيرنا على كامل ترابنا، فيعيش أهل فلسطين بكل أعراقهم وأديانهم وطوائفهم بسلام آمين كما كنا قبل أن تغزونا بريطانيا بجيش متعدد الجنسيات يأتمرون بأمرها.

#أرض كنعان #مقالات #مقال #مقالات فلسطينية