شكلت محاولة الانقلاب الفاشلة نقطة فاصلة في التاريخ التركي الحديث، وسيكون لها تداعيات وانعكاسات على مستقبل تركيا، بل ومستقبل المنطقة ككل، وسنحاول استشراف طبيعة التغيرات السياسية في تركيا.
أولا، على الصعيد الداخلي سيقوم أردوغان، ومؤسسة الحكم في تركيا، بإجراء عملية جراحية لتنظيف الالتهاب الذي كان في مؤسسات الدولة، ورغم أن عملية الجرح والتنظيف ستكون قاسية وموجعة؛ إلا أنه بعد ذلك سيحاول علاج الجرح وتخفيف الآلام التي نتجت عن الجرح، وأتوقع ألا تأخذ هذه الخطوات وقتًا طويلاً.
ثانيًا،على الصعيد الخارجي
1. في الانقلابات العسكرية يجري في العادة وضع بعض الدول في الصورة لأخذ موافقتها، وأعتقد أنه تم أخذ موافقة الإدارة الأمريكية أو أطراف في الإدارة مثل المخابرات الأمريكية، أو على الأقل وضعها في صورة الانقلاب، وهذا سيكون له انعكاسات كبيرة على مستقبل علاقة تركيا مع أمريكا.
2. كانت ردود أفعال الدول الأوروبية عادية ومعقولة، ولا أعتقد أنها كانت في صورة الانقلاب، ولم تؤيده رغم إطلاق بعض التحذيرات لتركيا للالتزام بمعايير حقوق الإنسان، فهذه أمور عادية ومستوعبة، وأعتقد أن أردوغان سيحاول الالتزام بمعايير حقوق الإنسان.
3. الرسائل القادمة من روسيا تظهر أن روسيا رفضت الانقلاب بشدة، وأيدت أردوغان بشدة، رغم وجود خلاف معه، وهذا ناتج من خوف روسيا من وجود نظام عسكري مرتبط عضويًّا بأمريكا على حدودها الجنوبية.
4. بالنسبة لإيران فقد أيدت بعض وسائل الإعلام وبعض المحسوبين عليها في البداية الانقلاب، وهذا ناجم عن الخلاف السياسي مع أردوغان والذي ولّد مشاعر كراهية تجاهه، ولكن مؤسسات الدولة أدركت خطورة الانقلاب على إيران ومصالحها، لذلك إيران كدولة ومؤسسات حكم رفضت الانقلاب بشدة وأيدت أردوغان رغم الخلاف معه.
5. العالم العربي في أغلبه وقف مع الانقلاب، أو وقف موقف المتفرج باستثناء قطر التي رفضت الانقلاب منذ البداية.
بعد الانتهاء من ترتيب الوضع الداخلي في تركيا، والذي لن يأخذ كثيرًا من الوقت، فمؤسسات الحكم الآن في يد أردوغان وهو لديه من الخبرة للقيام بهذا الترتيب، ستبدأ إعادة تقييم سياسة تركيا وتحالفاتها الخارجية، وسيكون أردوغان ملزمًا بأخذ مواقف صعبة ضد أمريكا، وهذا سيلزمه الاقتراب من روسيا وإيران، وإلى حدٍّ ما أوروبا، وهذا سيستلزم منه محاولة إيجاد حلول وتسويات للكثير من الملفات العالقة في المنطقة، ومنها الملفان السوري والعراقي، لذلك ستشهد المنطقة في المرحلة القادمة حراكًا قويًّا لإعادة تشكيل المنطقة والتحالفات فيها.