رغم أني كنت دائماً انتقد انطلاقات الفصائل، وأبتعد عن المشاركة فيها بشكل عام، لأنها كانت تحمل دلائل وانطباعات تُكرّس "الأنا الفصائلية"، وعنوان للتجاذبات والاصطفاف الحزبي داخل الشارع الفلسطيني، وتؤدي إلى اختلالات تحرف الرؤية وتشتت حماس أصحاب الهمة والطاقات، وتمنح الفصيل الأولوية لانطلاقته وكأنها "الفتح المبين" على حساب المناسبات الوطنية والدينية الأخرى.
كما أن الصرف المهول على الانطلاقات يدفع الناس المأزومين في أرزاقهم ومستقبل أولادهم، للتساؤل في وجع وحسرة: ألسنا أحق بهذه الأموال للتفريج عما أصابنا من كُرب الحياة الدنيا وهموم المعيشة الضنكى؟!
اليوم، أجد نفسي مضطراً للقول: إن احتفالية حركة فتح بانطلاقتها الـ 48 مطلع الشهر القادم هي تعبير عن عودة الوئام والتفاهم بين الأخوة في حركتي فتح وحماس، وهي عنوانٌ – ولو معنوي - عن تحقيق المصالحة، كما أنها تعتبر مؤشراً لقرب نهاية الانقسام.
كم أنا سعيد لهذه الاحتفاليات التي أقامتها حركة حماس في العديد من مدن الضفة الغربية، ومشاركة بعض قيادات فتح فيها، وكم أشعر بنشوة الفرح لرؤية أعلام حماس ترفرف - بحرية - في رام الله ونابلس والخليل وقلقيلية كتحدٍ يُغيظ المحتل الغاصب.. وكم شدتني تلك الطلّة البهية للعديد من قيادات الحركة الإسلامية وهي تتحدث بقوة واعتداد عالٍ بالنفس أمام جماهيرها الغفيرة والتي احتشدت بالألاف، تطوي صفحة الخوف والخلاف، وتُعلي روح التآخي والإيلاف.
لاشك أن الأريحية في الحراك الجماهيري لقيادات وكوادر حركة حماس يعكس روح التصافي والتآخي في ارتباطاتنا المجتمعية، وهي ارهاصات لما هو قادم من شراكة وطنية على مستوى علاقاتنا السياسية.
أتمنى لحركة فتح في قطاع غزة أن تنال كل ما تطلبه لاحتفالية ناجحة في انطلاقتها الـ48، وأن يعود شريان الحياة السياسية والنضالية في النبض من جديد.. إننا نعتز بوحدة صفنا الوطني، وعودة كل الكوادر لتأخذ مكانتها في مشروع التحرير والعودة.
إننا نتطلع لكتائب شهداء الأقصى أن تعود للميدان، وأن يصطف مقاتليها إلى جانب إخوانهم في كتائب القسام وسرايا القدس وكافة فصائل العمل المقاوم.
إننا مطالبون بتهيئة الظروف للجميع لتقديم كل ما عنده من أدوات المقاومة والسياسة للتصدي لآلة الحرب الإسرائيلية وماكينة الدعاية الصهيونية.
إن حركة حماس لديها الكثير من أوراق الضغط على إسرائيل عبر ما تمتلكه من وسائل الردع داخلياً، وحشد جماهير الربيع العربي ونظمه السياسية خارجياً، واعتقد أن لحركة فتح من العلاقات الإقليمية والدولية ما يسمح لها هي الأخرى بمباشرة الفعل الذي يوجع إسرائيل ويُذهب ريحها في المحافل الأممية.
لتفرح حركة فتح ومعها الوطن بانطلاقتها الـ 48، لكي نمضي معاً في اتمام ما تم التوقيع عليه في القاهرة من توافقات وطنية تُفضي - بنا جميعاً - إلى انتخابات تشريعية ورئاسية، وأيضاً للمجلس الوطني الفلسطيني على قاعدة الشراكة السياسية التي تؤسس لتوافق وطني حول رؤيتنا الاستراتيجية لمرحلة التحديات القادمة.
أتمنى لإخواننا في حركة فتح أن يحجبوا شعاع الشمس بزحفهم للاحتفال بيوم انطلاقتهم، لأن هذا فخر لنا بأن حركة فتح ما تزال على عافيتها، وأنها عائدة بقوة لتأخذ دورها المشارك في قيادة المشروع الوطني الفلسطيني، بعد أن انتهت حالة "نزغ الشيطان" وجاءت لحظة "الفتح بين الإخوان".
أتمنى لحركة فتح في يوم انطلاقاتها تعزيز مساحات الرؤية والكلمة الطيبة للتعجيل بالمصالحة وانهاء الانقسام، وخطوة حكيمة على طريق وحدة الهدف والبرنامج السياسي.
أتمنى للإخوة في حركة فتح أن نشهد معاً احتفالية حضارية لا يعكر صفوها كدر من لا يريدون للشمل أن يجتمع أو للبناء أن يكتمل.
أتمنى لشباب هذه الحركة الوطنية وهم يعبرون عن فرحتهم بانطلاقتهم أن يدركوا أن هذا اليوم ليس لإظهار الكثرة العددية والتباهي بشعارات الحزب والقبيلة، بقدر ما هو يومٌ لتظهير التعافي والتصالح والوحدة بين أبناء الوطن الواحد.
أتمنى لإخواني وأحبتي في قيادة حركة فتح، وخاصة في قطاع غزة، أن يكونوا معالم هداية وترشيد سياسي لهذا الجيل من شباب الحركة، والتي نعتز بمسيرتها النضالية، وانجازاتها في تجسيد هويتنا الوطنية والحفاظ على حيوية القضية في المحافل الدولية.
وختاما؛ً لإخوتي ومهجة القلب في قيادة حركة حماس، أتمنى عليكم سرعة التوصل إلى تفاهمات مع الإخوة في حركة فتح حول مكان إقامة احتفالية الانطلاقة، مع وضع كافة المعايير والضوابط والتفاهمات مع الإخوة في حركة فتح، والتي تمنع حدوث أية اختلالات أمنية يمكن أن تسيء لعلاقة الثقة والتآخي التي تكبر بيننا يوماً بعد يوم.
إننا نريد للاحتفالية أن تكون عنواناً لعظمة هذا الشعب بعد انتصاره العسكري والسياسي، وأن نستعيد فضاءنا الوجداني في قلوب أبناء أمتنا العربية والإسلامية، والتي شارك الألاف منهم حركة حماس احتفالات انطلاقتها الخامسة والعشرين.
أكرر مناشدتي لإخواني جميعاً في فتح وحماس بسرعة التفاهم والاتفاق، وادعو الله أن يفتح بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين.