تعرفت على الشهيد عصام البطش ( أبا محمد ) عام 1995م ، هذا الإنسان الخلوق والملتزم دينياً ، كونه من عائلة كريمة ، عرفته فتحاوياً حقيقياً ، عنيداً أحياناً ، لكنه طيب القلب ، تجده كالأطفال عند يرى مشهد مُحزن ، وتجده كالرجال وهو كذلك في المواقف التي تحتاج كُل وقفة رجولية .
عصام صاحب البيت المضياف ، الذي لن يتركك أبداً عندما تزوره أن تخرج من بيته قبل أن تتناول طعام الغذاء ، أو العشاء أحياناً ، فقد اكتسب هذه العادة من أسلافه وأبناء عائلته ، عرفت عصام بأنه فقير المال ، لكنه غني بالقناعة ، فلم يكن يسعى للمال يوماً ، ولم يكن من الذين يعرفون الادخار أو حرمان الذات أو العائلة من أجل أن يكون لديه رصيد مالي .
عصام البطش لمن لا يعرفه ، هو قمة في التواضع ، سريع الابتسامة لكنه أيضاً حازم عندما يغضب ، فهو مشاكس بطبعه ، ويجادل لمحاولة إقناعك بوجهة نظره بصورة غير طبيعية ، كان يحب مداعبة الأصحاب ، وأحياناً كثيرة كان يهوى نظام المؤامرة وصياغة المواقف على أصدقائنا ، لكنه لم يعرف للخيانة أو اللؤم طريق ، فهو سجين في سن صغير ، وتربى على الإخلاص والوفاء .
عرفت أبا محمد مخلصاً لفلسطين ، محباً للنضال والكفاح ، فلم يبخل على فلسطين بأي جهد ، سواءاً بعمله في بناء أجهزة السلطة الوطنية ضمن الأوائل من الرجال ، أو العطاء من خلال حركة فتح وكتائب شهداء الأقصى التي تم تشكيلها بعد اندلاع انتفاضة الأقصى ، حيث كان على تواصل مع رفاق درب جهاد العمارين والرجال الذين حملوا البندقية من أجل قضية الشهداء والأسرى والمشردين .
كنت اختلف مع عصام في مواضيع محددة ، أهمها أنه طيب القلب ، لا يهوى نظام تخوين الآخر ، فهو يعتقد أن كُل الناس طيبين ، وكلهم مناضلين ، وهذه طباع تنم عن طيبة قلبه ، لكنها في العمل التنظيمي والأمني لا تجوز ، فلا يمكن أن يكون أي أحد في كتائب الأقصى ، فهناك عناصر يجب أن تتوفر ، ومقومات يجب أن يتم الارتكاز عليها ، وهذه كانت إحدى نصائحي له ، بأنه أعطى الثقة لبعض الأشخاص الذين لا يمتون لحركة فتح بصلة وجعل منهم أسماء ومواقع ومسميات .
لم يكن موعد عصام مع الشهادة شيئ غريب ، فهو من عائلة مناضلة ، قدمت الشهداء ، والأسرى ، والمشاركة في الفعاليات النضالية شيئ يسرى في العروق لديهم ، فلم يكن عصام ممن يهوى ترك السلاح ، أو ترك العمل النضالي والكفاحي ، برغم أنه من أبناء حركة فتح ، إلا أنه آمن بأن المشاركة النضالية والكفاحية مع الفصائل الأخرى شيئ ايجابي ، ولا يمكن أن توقفه أي حواجز أو قرارات ، فكانت له العديد من العلاقات التنظيمية مع الفصائل المقاومة ، وكان يعمل معهم بشكل تنسيقي أثناء الإجتياحات لمناطق القطاع ، وكانت حرب عام 2008م ، نقطة مركزية في تطور الأداء التنظيمي والعسكري لدى المجموعات التي يرأسها الأخ الشهيد عصام رحمه الله .
في مثل هذا اليوم رحل عنا عصام البطش ، رحل مع نجل عزيزي وصديقي علاء البطش ( أبو صبحي ) ذلك الرجل الذي أقول عنه بأنه صاحب الخُلق الرفيع ، وصاحب المواقف الرجولية ، الرجل الملتزم والمعطاء ... رحل عنا عصام وترك لنا الوصية ، بأنه لا تنازل عن حقنا في الدفاع عن أنفسنا ، لا خيانة للسلاح الذي حمله أبو عمار ، وسقط من أجله العمارين ، ولازال آلاف أسرانا يدفعون من أجله أجمل سنوات عمرهم ، لأننا بصراحة أمام عدو لا يحترم إلا القوة والتعامل بندية .
رحم الله أخينا الشهيد أبو محمد ، وكُل الشهداء الأطهار الأبرار ، الذين كان رحيلهم صدمة حقيقة ، لكنها سنة الحياة ، بأن يسلم جيل الأجيال القادمة ، حتى يتم استكمال مشروع التحرر الكامل وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، هذه الدولة التي تحتاج للدماء وللعرق ، كما أنها تحتاج إلى كُل جهد سياسي دبلوماسي ونضالي حتى تتحقق بإذنه تعالى .