أصبح من الواضح أن هناك مُخطط يُحاك ضد موظفي السلطة الوطنية الفلسطينية ، هذا المُخطط الذي يتم الإعداد له منذ عام 2007م ، وعلى ما يبدوا أنه قابل للتنفيذ قريباً ، خاصة ونحن نتابع شهرياً قضية التلاعب بمصير عشرات الآلاف من الموظفين ، الذين ينتظرون نهاية الشهر بفارغ الصبر لاستلام رواتبهم ، هذه الرواتب التي أصبحت طريقاً لإذلال وإهانة الناس .. طريقاً لتركيع الموظف وجعله عبارة عن متسول ، بإمكانه القبول بأي شيئ .. نصل الراتب أو ربع الراتب ، المهم أنه يُريد أن يؤمن احتياجات أطفاله .
عندما تم إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994م ، كان أبناء قطاع غزة هم النواة الأولى لبنائها ، في ظل رفض تام من قبل أبناء الضفة الفلسطينية للعمل آنذاك في الأجهزة ألمنية أو المؤسسات ، وكنا نجد صعوبة في تجنيد الشباب في الضفة إلا من رحم ربي من أبناء المخيمات والقرى ، مما اضطر السلطة الوطنية في حينه إلى الاستعانة بأبناء غزة للعمل هناك ، هؤلاء الأبطال الذين ذاقوا مرارة التفرقة العنصرية ، وتم أهانتهم في مراكز الشرطة ، لدرجة وصلت إلى إطلاق شعارات لا للاحتلال الغزاوي .
كُل هذه الأحداث تجعلنا نستذكرها اليوم ، لتكون عبرة للبعض ، هؤلاء الذين يريدون قطع رواتب غزة ، لكنهم ينتظرون الحجة ، فمنهم من قالها دون خجل علناً ، ومنهم من قالها في الكواليس ، ومنهم من يحاول أن يقولها بمزيد من التصريحات اليومية عن الرواتب دون اختصاصه ، وهذه كلها مقدمات على ما يبدوا لقطع الرواتب في ظل وضع سياسي صعب تعيشه السلطة الوطنية وستعيشه أكثر بعد أن تتقدم بمشروع الدولة في الأمم المتحدة بعد الانتخابات الأمريكية .
وللدلالة على أن رواتب الموظفين هي ألعوبة بيد السلطة الوطنية الفلسطينية ممثلة بالرئاسة والحكومة ، فإن التصريحات بشأنها تتضارب شهرياً ، ويكون الصراع الإعلامي هو حليف الموظفين ، فيتبرع الوزير مجدلاني بالحديث عن صرف الرواتب في موعد أقصاه الأسبوع الحالي ، ثم تقوم وزارة المالية بالنفي ، ولا تقوم الناطقة بإسم الحكومة بأي تعليق ، في إشارة إلى أنها قمة الترهل وعدم الانضباط الوظيفي ، فمن خول وزير العمل الحديث عن الرواتب ، وما شأنه في ذلك ، أم أن الموظفين هم السلعة الرخيصة لتجارة الوزراء الذين لا عمل لهم سوى التصريحات الإعلامية .
الوزير مجدلاني يضع نفسه دائماً في موضع الإحراج ، ففي كُل شهر يتبرع للحديث عن الرواتب ، وفي كُل مرة يكون تصريحه منافي للحقيقة ، لكن على ما يبدوا أن إصراره على تكرار ذلك يأتي من رغبته في تولي موقع وزير الإعلام إلى جانب حقيبة العمل ، أو أنه يُريد أن يُرسل رسالة مفادها أنه في قمة اتخذا القرار بالسلطة الوطنية وفي مجلس الوزراء .
علينا الكف عن هذا العبث ، وعلينا الانضباط الأخلاقي والوظيفي ، ولتتركوا الموظفين وشأنهم يا معالي الوزير ، فحتى لو صرفت الرواتب في موعدها أو لم تصرف ، فمثالكم من الوزراء تخطوا التفكير في ذلك منذ عام 1995م ، عندما كون معظمكم الثروات من أموال الشعب الفلسطيني ، وقام أكثركم ببناء المشاريع القصور والعمارات ، والراتب آخر تفكيركم .
لقد آن الأوان لكي نكون أكثر أخلاقاً ، فشعبنا سئم كُل الوزراء ، وسئم السلطة بكافة مؤسساتها ، لأن المواطن يُريد سلطة تكون معينه له ، لا أن تكون عبئاً عليه .. يريد سلطة حقيقية تقول الكلمة مرة واحدة ، لا سلطة تتعامل معه كمتسول ينتظر الشفقة منها كُل نهاية شهر ، ويكفينا شعارات كذابة ورنانة عن الشفافية والديمقراطية والحُكم الرشيد ، فشعبنا يُريد قبل كُل شيئ مقومات الحياة ، ومن ثم يفكر في مقومات البناء والإبداع والتنمية والحكم الرشيد .