Menu
13:03بالأسماء.. كشف جديد للتنسيقات المصرية للسفر عبر معبر رفح غدًا
12:53الصحة تصدر تعليمات لاعادة فتح صالات الافراح
12:40هنية يوعز لقيادات حماس: المرحلة تتطلب تكثيفاً للجهود لإنهاء الانقسام
12:37اجتماع لممثلي الدول العربية المضيفة للاجئين مع مفوض عام الأونروا لبحث الأزمة المالية
12:36الخضري: مرشحا الرئاسة الأمريكية تكتيكات متباينة.. والهدف واحد استمرار دعم إسرائيل
12:31وزارة الصحة : 8 وفيات و633 اصابة جديدة بفيروس كورونا
12:29الرئاسة الفلسطينية تدين العمل الارهابي الذي وقع في النمسا
12:28امير قطر يؤكد وقوفه الى جانب الحق الفلسطيني
11:46بحر يحمّل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة الأسرى
11:25القانوع: ارتفاع عدد المصابين بكورونا في "جلبوع" ينذر بكارثة حقيقية
11:22الاحتلال يجرف أرضا في بيت حنينا ويهدم بركسا للخيول بجبل المكبر
11:20الحكومة تكشف مستجدات جديدة حول الأزمة المالية التي تعصف بها
11:19الطاقة بغزة تعلن عن فرص للاستثمار في توليد وتوزيع الطاقة البديلة
10:34الصحة بغزة: تسجيل 3 حالات وفاة و 229 إصابة جديدة بفيروس كورونا خلال الـ 24 ساعة الماضية
10:26مستوطنون يُقدمون على زراعة أشجار ببلدة الساوية بنابلس

داعش والصهيونية: لماذا تنشران الفظائع؟..ناجح شاهين

كان عدد رجال العصابات الصهيونية عشية اصطناع الدولة العبرية لا يزيد على خمسين ألفاً جاءوا من كل حدب وصوب من قارات الدنيا الست، مروا بسلاسة عبر الحواجز كلها حتى وصلوا إلى فلسطين. وتلقوا التدريب العسكري من الجيش الإنجليزي وغيره. ولكنهم مع ذلك كانوا أضعف بطبيعة الحال من أن يقيموا دولة من فراغ، لكن وجود الفراغ في الجانب العربي والفلسطيني كان شيئاً لا يصدقه العقل. لقد جمع العرب عدداً من القوى بجيوشهم السبعة لا يزيد على عدد أفراد العصابات الصهيونية، وكانوا أقل تدريباً وتسليحاً من عدوهم، فوقع "حادث" أشبه بالأسطورة يسمح لمحمود درويش أن يقول لاحقاً: "قم اقرأ سورة العائد، وحث السير، على وطن فقدناه بحادث سير."
يبلغ عدد رجال عصابات داعش ثلاثين ألفاً على أبعد تقدير، جاءوا من قارات الدنيا كلها، واجتازوا حواجز وعقبات لا مثيل لها، وتلقوا تدريبات عسكرية من المخابرات الأمريكية والتركية مع تمويل خليجي واسع، ودعم من الدول الحدودية خصوصاً تركيا والأردن. وهكذا تمكن داعش من السيطرة على مساحة تزيد على مساحة فلسطين بخمسة أضعاف. هل يمكن لنا أن نتخيل أن ثلاثين ألف مقاتل في العراق وسوريا معاً يتمكنون من تحقيق ما حققوه إلا في ظل غياب الدولة؟ بلغة مباشرة: هل كان داعش أو غيره يقدر أن ينال مقدار قيراط من أرض العراق لو كان جيش العراق الذي بني في عهد صدام حسين ما يزال على قيد الحياة؟ لقد هيئ المسرح بعناية لداعش وغيرها.
لا يمكن أبداً لأي ساذج أن يفترض أن حضور المسلحين داخل أراضي الهلال الخصيب يمكن أن يحدث لو لم يكن جزءاً من مشروع كوني يقوده البلد المهيمن في العالم بمشاركة من يدور في فلكه من دول في أوروبا والإقليم العربي مضافاً إليه عضو "الناتو" المشبوه بهويته الإسلامية تركيا صاحبة الاتجاهات "العثمانية".
مارست الصهيونية الإرهاب على أوسع نطاق ممكن، بما في ذلك المذابح هنا وهناك في فلسطين. ولكن الصدى الذي تركته المذابح كان أهم بكثير من المذابح نفسها. وليس سراً أن العصابات الصهيونية دارت في القرى صبيحة اليوم التالي لمذبحة دير ياسين لتعلن في القبائل أن مذبحة واغتصاباً وأشياء رهيبة قد وقعت في دير ياسين، وأن مصير القرى الأخرى هو الشيء نفسه. كان المقصود بداهة هو دفع الناس إلى الهرب. ذاكرة شيوخنا و"حجاتنا" مليئة بالأساطير المريعة عن القتل والاغتصاب. ولا بد أن معظمهم ومعظمهن لم ير بأم العين شيئاً من ذلك، لكن الفكرة المرعبة فعلت فعلها وأدت الغرض المقصود منها.
عندما كانت مهمة إبادة السكان ودفعهم بعيداً نحو الغرب في أوجها، قام البيض بعمليات سلخ الجمجمة للأشخاص الأحياء من مواطني البلاد الأصليين، ولا بد أن عدد حالات سلخ الجمجمة كان أقل بكثير مما انتشر في أوساط الناس ليخلق أسطورة مريعة تسهل للبيض الانتصار السريع وبتكلفة محدودة. في عقود قليلة وقبل انتصاف القرن التاسع عشر كان أكثر من تسعة أعشار الولايات المتحدة قد أصبح "نظيفاً" من أية شوائب هندية حمراء.
أما قرننا الحالي فقد شهد في عقده الأخير قيام الولايات المتحدة بجلب مئات الآلاف من الخنازير والأفاعي والتماسيح إلى العراق بغرض إرهاب السكان في مناطق معينة ودفعهم إلى الهجرة. ولا بد أن أهم من يجب إزاحتهم من المشهد هم المسيحيون الذين تم حذفهم من السودان بالتقسيم، وتتم إزاحتهم من سوريا والعراق بغرض تنظيف المنطقة من أي عنصر يمنع وجوده التشدق الكامل بفكرة "صراع الحضارات". بعد أن يخلو المشهد من المسيحي الذي يعود وجوده هنا إلى زمن سحيق، يصبح الكلام عن صراع بين حضارة إسلامية وأخرى مسيحية أمراً سائغاً في نظر الجمهور.
سبق للولايات المتحدة أن وزعت عمداً الصور المريعة للوحشية الأسطورية لما كان يجري في "أبواغريب" وغيره من المعتقلات. لا فائدة أصلاً من إرهاب الدولة وغيره من أشكال الإرهاب إن لم يصل صداه بالصوت والصورة إلى أعماق الجمهور لكي يقوم بتحقيق الرسائل المنشودة من الفعل الإرهابي. من نافلة القول إن نسبة الوحشية إلى المسلمين أفضل بكثير، لأنها تعطي رسالة التدخل التحضيرية للمستعمر أهميتها وجدواها. وربما يصل الأمر بالجمهور المحلي في الأردن أو مصر ..الخ إلى تمني التدخل الأمريكي الذي يمارس التظاهر بالضعف والحيرة في مواجهة داعش بحيث يدفع الأمر بالجمهور إلى الدعاء إلى الله بأن تتعافى الإدارة الأمريكية من حالة السلبية والضعف التي تعاني منها. يعرف أي مبتدئ في علوم السياسة أن هذه استراتيجية لها اسمها في الإنجليزية: إنها underdog strategy
الولايات المتحدة تحارب منذ بعض الوقت حربها التي بدأتها في العام 1990 ولكن بأموال العرب وأرواح أبنائهم "الدواعش" خصوصاً من يمتلكون أدوات الدخول "الحر" والفعال إلى وسائل الإعلام الجمعية بأنواعها، لكن هذا لا يمنع من أن تعود الولايات إلى الاستعمار المباشر عندما يصبح الأمر سائغاً سياسيا.
دمرت الولايات المتحدة كهرباء العراق ومجاريه ونظم الطاقة فيه، وقامت غارات طائرات التحالف التابعة لها بتدمير ما تبقى من بنية تحتية في سوريا مما لم تنجح عصابات "الثوار" في تدميره.
ليست داعش انطلاقاً من هذا وغيره من أبدع فكرة الترويج للرعب بأقصى الأساليب وأقساها. ولا بد أن الأفلام التي تقوم داعش بإعدادها ضمن أعلى المستويات التقنية هي أفلام من صناعة أجنبية. ولسنا بغافلين عن واقعة أن الكثير من "الدواعش" خبراء في الإعلام ويتحدثون الإنجليزية بطلاقة، بل إن بعضهم لا يتحدث إلا الإنجليزية على وجه الحصر. وذلك لا يجب أن يدهشنا؛ أصلاً لا يمكن لأحد أن يستعمل أدوات التكنولوجيا الخاضعة للهيمنة الأمريكية الكاملة بدون مباركة الولايات المتحدة. هل يمكن لحزب الله مثلاً أن يتمتع بحرية الحركة والنشر والانتشار المتاحة لداعش؟ هل يجهل أحد أن الطائرات كانت وما تزال تلقي العتاد وغيره لداعش في شمال العراق؟ وهل يجهل أحد أن سفارة الولايات المتحدة في بغداد هي قاعدة انطلاق الإرهاب في المنطقة؟ أليست النصرة وأخواتها على بعد أمتار قليلة من دولة العصابات الصهيونية؟ هل يتخيل أحد أن هذه القوى تشكل أي خطر على الدولة العبرية؟
 لا جرم أن داعش والنصرة والإرهاب كله سيلفظ أنفاسه في أيام إن لم يكن ساعات لو فكر في الالتفات ثانية نحو "إسرائيل". بالعكس هذا الإرهاب جزء لا يتجزأ من الخطة الكونية الأمريكية للحرب على المقاومة، وأصحاب المشروع الآخر في العالم وعلى رأسهم روسيا وإيران وحفنة من الدول هنا وهناك.
هناك حلف كوني تديره الولايات المتحدة بغرض الدفاع عن موقعها المهيمن في العالم الذي يتعرض لشيء من التحدي منذ ثلاثة عقود، وفي هذا السياق علينا أن نقرأ الحرب على أسعار النفط التي تستهدف روسيا وإيران، والحرب على روسيا من حديقتها الخلفية أوكرانيا ومحاولة تحطيم الدولة السورية الصديقة للروس، ثم محاولة تقليم أظافر إيران واحتوائها، واستنزاف المقاومة، وليس سراً خطيراً ما أدلى به ويسلي كلاك من أن "داعش" قد خلقت من أجل القضاء على حزب الله الشوكة العنيدة في حلق الصهيونية أو استنزافه على الأقل. فذلك جزء من الحلم الأمريكي المعلن منذ العام 2005 بإنشاء شرق أوسط جديد مركزه "تل أبيب" ويدور في فلكه أقمار من الدول العربية النفطية وغير النفطية. لكن بعض البسطاء سيظل يصدق أن حرباً دينية تستهدف الإسلام ينفذها الشيعة، بينما تعمل داعش وقطر و"إسرائيل" بإشراف أمريكي مباشر على إنقاذ "الأمة" من ذلك الخطر. لا بد أن بعضاً من أطيب الناس يتناقشون في خطر الشيعة على "وجود الله" مثلما تناقشوا فيما مضى في خطر اليهود على وجود الله، بينما كانت البلاد تضيع. ما زال كلام شاعر البروة ماثلاً وراهناً:
بعد شهرٍ يلتقي كُلُّ الملوكِ بكل أَنواعِ الملوكِ من العقيدِ
إلى العميد، ليبحثوا خطر اليهود على وجودِ الله. أَمّا
الآن فالأحوال هادئة تمتماً مثلما كانت. وإن الموتَ يأتينا بكل
سلاحه الجويِّ والبريِّ والبحريِّ مليون انفجار في المدينة.

لا جرم أن البعض من ضحايا الدعاية الأمريكية التي تنفذها الجزيرة باقتدار تام سوف يرى خطر "إسرائيل" على بلادنا، أقل بكثير من خطر إيران وسوريا وحزب الله على وجود الله. ولا بد أن هؤلاء لن يجدوا غضاضة في الدفاع عن النصرة وداعش ومن لف لفها حتى عندما يتكشف التحالف وتقاطع المصالح الذي يربطها "بإسرائيل".