كان خبر استشهاده مفجعا، محزنا، حادا، وسيكون بلا شك لغيابه تأثيرا كبيرا على الحركة الوطنية الفلسطينية، لكنه لم يكن أبدا خبرا مفاجئا، أو غير متوقع، فمن يعرف زياد أبو عين، يعلم انه وهب نفسه للوطن منذ أن كان فتا يانعا وقائدا شبابيا في صفوف حركة فتح، ومن يقلب صفحات تاريخنا المعاصر على مرمى حجر من الذاكرة يعلم أن عدونا لم يفرق يوما بين قائد ومواطن، وأن سر ثورتنا يكمن بان مدادها القادة قبل الجند، ابتداءا من عبد القادر الحسيني، وعبد الرحيم محمود، والكمالين، وابو يوسف النجار، وخليل الوزير، وسعد صايل، ورمز ثورتنا ياسر عرفات، واحمد ياسين، وابو علي مصطفى، وفتحي الشقاقي وصولا اليوم الى القائد البطل المعلم زياد ابو عين .
الشهيد المعلم زياد ابو عين اليوم ينتصر على جلاديه، ويعلوا كعبه على فاشيي العصر الجدد، ويسجل أجمل النهايات المؤقتة، هي مؤقتة لان الشهداء يولدون من جديد، ويسجلون حضورهم في حضرة الوطن مع كل فجر، وفي كل موسم، زياد سيضيء معنا شجرة الميلاد المجيد في بيت لحم، وسياتي مع الربيع سنبلة قمح فلسطينية في سهل مرج ابن عامر، سيكون نوار البرتقال الاجمل في بيارات حيفا التي احب، وسيكون زيتونة مقدسية تحكي للاجيال قصة شعب وقضية.
زياد لن يشغله بعد اليوم شيئا أن يكون حاضرا في بسمة الاطفال، وفي جدائل الصبايا، ولن يخلف بعد اليوم تحية الصباح على القدس من مكانه في عليين من الانبياء والشهداء، زياد هو رصاص المقاتلين في الكرامة وعين عريك، هو ثورة الغضب، وبسمة الامل، هو عنوان جديد من عناوين الوطن المقاوم، زياد هو ملح الارض الفلسطينية ونورها ، وهو الشاهد على عنصرية المحتل، هو زهرة عباد الشمس، وحسون الجليل الذي ما غرد ابدا إلا لحنا ثوريا فلسطينيا في كل الاوقات، زياد هو الاشارة التي يفهمها الثوار، والدرس الذي نحتاجه في هذا الزمن العربي الرديئ .
كما رفض أن ينحني للعاصفة في نهاية سبعينات القرن الماضي، فملأ الدنيا ضجيجا حينما اعتقل في السجون الامريكية، فجعل من محاكمته محاكمة للمحتل، وحاصر جلاديه من زنزاته الصغيرة التي حملت رقم 1413، محركا الضمير العالمي ومنتزعا قرارت أممية تطالب بعدم تسليمه للمحتل، ومحركا قبل كل ذلك الضمير العالمي تجاه حق شعبنا بالمقاومة والحرية والاستقلال، ها هو زياد ابو عين اليوم يرفض أن يستشهد إلا كما أراد، بكامل بهائه وجماله، قمرا يضيء درب الباحثين عن الطريق، ورمزا نضاليا سيبقى في ذاكرة الاجيال الفلسطينية، تاركا ذات الضجيج الذي سيؤرق الطغاة، ويلاحقهم بعد رحيله المؤقت، فزياد الثائر والمناضل والمقاوم والمواطن الصالح، يعلم أن الموت بالنسبة للثائر محطة إجبارية تفرضها ارادة الخالق عز وجل، لكنها ليست نهاية الطريق، ولا نهاية النضال، فها هو يؤسس اليوم لمرحلة نضالية جديدة، هو بيرقها ورمزها وقائدها الاول، وها هو منذ اليوم نهجا نضاليا نقيا كنقاء سريرته .
الشهيد المعلم زياد ابو عين لم يكن يؤمن بالالقاب والمظاهر، هو ابن الوطن الحقيقي، كنت التقي به دائما في مكتب الاخ ابو جهاد العالول مع غيري من أبناء الشبيبة ، كان دائم الحماسة والحديث عن الوطن والاسرى والشهداء، فوضويته المنظمة، وعاطفته واندفاعه كان يكسر كل الحواجز بين جيلنا نحن من الشباب وبينه، كان سهل الوصول اليه، لا يؤمن بتعقيدات العلاقة بين المواطن والمسؤول، كان وزيرا برتبة مناضل، وغدا مناضلا برتبة شهيد، كان حاضرا في باب الشمس، وشاهدناه يتعرض للاعتداء في المناطير، وكان في مقدمة المتصدين لقوات الاحتلال في عين حجلة عند محاولة اخلائها ، وحينما تقلد منصب رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان استطاع أن يكون مثالا نضاليا لعلاقة القائد بالوطن والجماهير، فقد امن ان القائد هو الذي يقود الجماهير في الميدان، وان المكاتب لم تخلق للثوار، وان المكان الحقيقي للمسؤول هو ساحة الاشتباك مع المحتل .
لك الرحمة قائدنا زياد ابو عين ومنا العهد والقسم على السير على دربك حتى القدس .