Menu
12:19محكمة الاحتلال ترفض الإفراج عن الأخرس
12:13المالكي : دعوة الرئيس بمثابة المحاولة الاخيرة لإثبات التزامنا بالسلام
12:10الاردن يعيد فتح المعابر مع فلسطين بعد اغلاق استمر لأشهر
12:07الخارطة الوبائية لـ"كورونا" بالقطاع
12:05"إسرائيل": التطبيع مع السودان ضربة لحماس وايران
12:02"اسرائيل " علينا الاستعداد لما بعد ترامب
12:01الاحتلال يقتحم البيرة ويخطر بإخلاء مقر مركزية الإسعاف والطوارئ
11:59"الاقتصاد" بغزة تجتمع بأصحاب شركات مستوردي فرش الغاز
11:51«الديمقراطية»: سيقف قادة الاحتلال خلف قضبان العدالة الدولية
11:51الوعى الاستثنائى فى فكر  د.فتحى الشقاقى
11:47قيادي بحماس يتحدث عن "أهمية رسالة السنوار لرموز المجتمع"
11:45مستوطنون يقتحمون قبر يوسف بنابلس
11:40مقتل سيدة ورجل بالرصاص في باقة الغربية واللد
11:28الإمارات تسرق "خمر الجولان" السوري وتنصر "إسرائيل" ضد BDS
11:26صحيفة: تفاهمات بين القاهرة وحماس حول آلية جديدة لعمل معبر رفح

عن نهرٍ في الصحراء، اسمه معتز..خضر سلامة

“إلى معتز وشحة”



قاتل معتز وشحة العالم لست ساعات، واستراح في الساعة السابعة، فوق مجده.

ست ساعات، بدون كاميرات عالمية، بدون “سيلفي” نضالي من ورق، بدون صفحات فيسبوك، بدون مكبّرات صوت، بدون زيارة أميركية واحدة، ولا مكرمة ملكية، ولا شيك نفطي، ولا فتوى من الشيخ، ست ساعات، لم يحضر أي مبعوث دوليّ، وحيداً أمام العالم، لا يوجد ما هو أنقى من هذه الصورة: انسانٌ كامل البشرية، واحد، بندقية واحدة، عشرات المخازن، ومئات الجنود الأعداء في الخارج… الوحدة مرعبة أحياناً، لكنها على الأقل، واضحة، كان معتز وشحة وحده أمام عدوه، لا مسؤول في منظمة التحرير يحاضر به عن الممكن والمستحيل، لا قياديٌ منتفعٌ يدعوه لضبط النفس، لا أصدقاء يناقشونه في اختيار وقت المعركة، ولا مثقفون يشرحون له انسانية قاتله، لا فضائيات تعرض دمه لاستطلاع رأي، أو تقسمه بين ضيفين ليسلّيا الجمهور.

كان معتز وشحة، لست ساعات، في عز ظهيرة الفكرة، في كامل وضوحها: لا حسابات دولية ولا تحالفات اقليمية ولا انقسامات محليّة ولا حساسيات طائفية، الخيار كان بين اثنين، بين دبابة عدوّ قديم، وبين منزلُ يحبّه، في أرضٍ يقدّسها، في وطنٍ لا تجوز فيه التسوية.
معتز وشحة، وحيداً، و”خلفه عارُ العرب”.



معتز وشحة، هو البطاقة الحمراء التي تُرفع في وجه نجم الكرة المشهور، واسرائيل هي النجم: لسنوات، كانت ترتاح فوق طاولة الانقسام، وتشد غطاء التقاتل فوقها لتدفأ، لسنوات، لم تخطئ بارودة عربية واحدة صدر أختها، فلم تنخدش دبابات اسرائيل، إلى أن جاء معتز: هو واحة تقفز في زمن القحط كما يقفز أرنب من قبعة الساحر، ليبحث عن غابته، يحمل نهراً صغيراً، ليجدد ثقتنا بالماء، وينام درويش قرير العين، يحمل نخلة واحدة، كي يحفظ سلالة العرب من الانقراض، فيرتاح مظفر في أنفاسه الأخيرة، معتز هو البطاقة الحمراء التي تُحرج شهرة نجوم العالم، وتُفرج عن خوف لاعبي الفريق الآخر من تسريحة شعر المشهورين، فيستعيد الكوكب بعض توازنه، بين من يملك القدرة، ومن يملك الحلم فقط.



لذا أكتب عن معتز، أخاف أن نطويه كما نطوي كل فكرة سريعة في هذا الاستهلاك البشع اليومي للقضايا، منذ دخلنا في الشاشة ووقعنا أسراها، صارت بيانات حقوق الانسان، وأخبار المجازر، والأبطال الطارئون على قصص ذلنا اليومي، والشعوب المنسية خلف الكواليس، بعد انشغال العالم بشعوب جديدة تملك حظ الكاميرا، صار كل ذلك، وجبة سريعة، نتناولها بحديث سريع، بتعليق خفيف على المعدة والعقل، ونلتهي من بعدها بقضية انسانية أخرى… أصبحنا نستهلك كل شيء، حتى الانسان.



كثيرون يعرفون محمد الدرّة، الطفل الفلسطيني الذي علق خلف والده والاسرائيليون يتسلون بهما بالرصاص، ولكن، قلائل سيعرفون معتز وشحة، الفلسطيني الذي قاتل الجيش الاسرائيلي لست ساعات دون أن يستسلم، حتى قُتل، وأقول قُتل لا استشهد، كي لا ننزع عن المسرح صفة الجريمة، كثيرون ينسون في زحمة المشاعر، أن يبقوا على صفة الاسرائيلي القاتل، الفارق بين مشهد محمد الدرة ومشهد معتز، أن في المشهد الأول، صورة الضحية، صحيح، نحن ضحية هذه الآلة الهمجية العسكرية، ولكن في المشهد الثاني، صورة أخرى، صورة الضحية نفسها، حين تصبح نداً: رجل يهجم الجيش الأفضل في المنطقة، على بيته، فيقاتله لست ساعات، يوقف جنود اسرائيل وعتادها ودباباتها وأقمارها الاصطناعية وماكنات الاعلانات خلفها وشاشات العرب التي تدعمها وأقلام المثقفين التي تدير غسيلها الإعلامي، يوقف كل ذلك، ليقاتل قبل أن يُقتل: تستعيد الضحية في مشهد محمد الدرة توازنها، وتعدّل قليلاً من المشهد السابق، كبرتُ الآن، لا أختبئ خلف أبي، ولا خلف أبو مازن نفسه، أختبأ خلف حقّي أن أكون ندّاً.



الأمر ليس مفاضلة، للاسمين وقعهما، وصفتهما، فنحن الضحية اليومية، صحيح، كما الدرّة، ولكننا أيضاً، القادرون على أن نكون أنداداً، كما معتز، وهذا إخبارٌ قضائي ضد وعينا: أين أصبحنا في السقوط الأخلاقي لوعينا السياسي؟ قبل سنوات، كنا نخاف أن يكبر أطفالنا، ولا يعرفون الأبطال في قصص الماضي الجميل، واليوم، صرنا نخاف على أنفسنا، أن يشيخ وقتنا وعصرنا وتكبر لغتنا في العمر، ولا ننتبه لأبطالٍ عابرين في زمن الانهيار الكبير..

“معتز، لعل الشاعر كان يقصدك: أنتَ أنت، ما تبقى من بلاد في يدينا..”