اعادت العملية العسكرية الاسرائيلية في بيرزيت الى الاذهان عمليات الاحتلال قبيل مجيء السلطة الفلسطينية ، حيث كانت وحدات معززة تحاصر مطلوبا في منزل ، وخلال دقائق تقوم بقصف المنزل على رأس من فيه . ولكثرة تكرار تلك العمليات ، كنا كصحفيين لا ننام الليل ولا اطراف النهار ، لمعرفة المنزل الذي تمت محاصرته ومعرفة المطلوب الذي لجأ اليه .
كان الزمن زمن اشتباك ، وكان حصار المنازل وقصفها على رؤوس من فيها ، لا يقتصر على فصيل دون آخر ، وكانت اسرائيل تبرر قصفها المنازل عن بعد ان المطارد يشكل خطرا حقيقيا على جنودها لتزنره بأحزمة ناسفة ، ولم يكن بالامكان ايفاد اي جهات محايدة للتحقيق في صدق تلك الروايات .
اليوم ، وبعد عشرين سنة من توقيع اتفاقيات السلام ، تعيدنا عملية هدم منزل عائلة وشحة ، وقتل ابنها معتز ابن الخامسة والعشرين ربيعا ، الى تلك السنوات التي خلت ، لنتوقف عند بعض المقاربات على بعدها ، من ان بير زيت مدينة تحت ادارة السلطة ، وان قرار اقتحامها يتم جهارا نهارا ، وان هدم المنزل تم بالجرافة العسكرية ، التي توقفت قليلا عن عملها خلال العشرين سنة الماضية ، مفسحة المجال لشقيقتها الاستيطانية التي كاد لسانها يطول كل الاراضي الفلسطينية ، ما يؤكد ان قرار هدم منزل عائلة الوشحة قد تم اتخاذه في مكتب نتنياهو او على الاقل مكتب وزير دفاعه . لكن من الواضح ايضا ان القرار لم يقتصر عل هدم المنزل ، بل على هدم احد اعمدته ، وهو معتز ، وبهذا لن تستطيع السلطة تعويض العائلة عن احد افرادها كما ستفعل بتعويضها عن المنزل .
العملية النكراء في بير زيت ، وهي تأتي كمسمار آخر في نعش السلام المزعوم والمفاوضات العبثية الفاشلة ، وهي تعيد الى اذهاننا السنوات الخوالي ، تعيد اذهاننا الى الاكاذيب التي روجت عن السلام الكاذب ، وان العشرين سنة التي اعقبته ، خلفت من الضحايا اضعاف اضعاف ما خلفته العشرين سنة التي سبقت هذا السلام . تعيد اذهاننا الى انتفاضة النفق وانتفاضة الاقصى ، والمجازر الوحشية التي ارتكبت في جنين ونابلس وجباليا والشاطيء والشيخ رضوان والخليل ورام الله ، واخيرا الحروب التدميرية على غزة التي طالت البشر والحجر على حد سواء .
لكن الذي لا تعرفه اسرائيل ولا تفهمه بعمق ، انها ، الجرافة ، التي مدت لسانها لتهدم منزل عائلة وشحة ، قد طالت العديد من منازل الشعب الفلسطيني ، واصبح اسم "وشحة" و"معتز" يتردد على لسان الناس ككلمة سر شاع استخدامها ، بل ان صورته ذات السحنة السمراء والابتسامة الصافية ، اصبحت غلافا للعديد من صفحات التواصل الاجتماعي ، والنضالي .