Menu
12:19محكمة الاحتلال ترفض الإفراج عن الأخرس
12:13المالكي : دعوة الرئيس بمثابة المحاولة الاخيرة لإثبات التزامنا بالسلام
12:10الاردن يعيد فتح المعابر مع فلسطين بعد اغلاق استمر لأشهر
12:07الخارطة الوبائية لـ"كورونا" بالقطاع
12:05"إسرائيل": التطبيع مع السودان ضربة لحماس وايران
12:02"اسرائيل " علينا الاستعداد لما بعد ترامب
12:01الاحتلال يقتحم البيرة ويخطر بإخلاء مقر مركزية الإسعاف والطوارئ
11:59"الاقتصاد" بغزة تجتمع بأصحاب شركات مستوردي فرش الغاز
11:51«الديمقراطية»: سيقف قادة الاحتلال خلف قضبان العدالة الدولية
11:51الوعى الاستثنائى فى فكر  د.فتحى الشقاقى
11:47قيادي بحماس يتحدث عن "أهمية رسالة السنوار لرموز المجتمع"
11:45مستوطنون يقتحمون قبر يوسف بنابلس
11:40مقتل سيدة ورجل بالرصاص في باقة الغربية واللد
11:28الإمارات تسرق "خمر الجولان" السوري وتنصر "إسرائيل" ضد BDS
11:26صحيفة: تفاهمات بين القاهرة وحماس حول آلية جديدة لعمل معبر رفح

أنيس النقاش يكتب : من استراتيجية بلاد الشام إلى الكونفدرالية المشرقية

تمرّ المنطقة بحالة تفكك، فبعد سقوط القبضة الاستبدادية للنظام في العراق، على أثر الغزو الأميركي، شهدنا ولادة دولة منقسمة دينياً ومذهبياً وقومياً. والعملية الديموقراطية السياسية في العراق لا يمكن أن تحجب حقيقة ما يجري من عنف طائفي ومذهبي وعرقي وقومي، مع بقاء الاحتمالات مفتوحة على جغرافية تقسيمية، ستقع إذا لم يعكس مجرى الاحداث المزيد من التفتيت وظهور حاد لمطالب الهويات الفرعية نحو اتجاه معاكس لعملية توحيدية جامعة لمصالح الجميع تحت هوية جامعة.

في سوريا المشهد ليس أقل خطورة، بل يقارب الفاجعة العراقية وبسرعة قصوى. أصبح من الحديث عن ثورة في هذا البلد بعد أن توضحت حقائق مجريات الأمور باهتاً. البلد يتفكك طائفياً ومذهبياً، مع ظهور للمشهد الكردي القومي المختلف، والمنفتح على احتمالات الضم والفرز كافة مع أكراد المنطقة.

العنف ينتقل إلى لبنان، على وقع ما يجري في دول الجوار، الاتهامات والمواقف الحادة تدور حول تموضع القوى اللبنانية في صراع المحاور الإقليمية. معسكر يسمّيه الصراع مع محور المقاومة في المنطقة، تديره الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها الإقليميون. والطرف الآخر الذي لا ينكر هذا الصراع وتحالفه مع مَن يقوده، الا أنه يضع اصطفافه تحت شعارات واهية من قبل التصدي للمشروع الصفوي الإيراني، من دون أن يتكرّم ولو لمرة واحدة بتوصيف أهداف هذا المشروع، وطبيعة مقاصده النهائية، اللهم إلا إذا كان هذا الاسم المعطى لهذا المشروع، هو اسم خجول لاسم آخر لا يريد أن يسمّيه بالمشروع الشيعي. لأنه لو كان قد سمّاه بهذه التسمية، لاستوجبت عليه مهمات أخرى ولفرض عليه خطاب آخر.

إذا كان سيل الدماء وحدة العنف والاستقطاب في المشرق، يمنعون الرؤية الواضحة لحقيقة ديناميكية ومؤثرات الاحداث الحقيقية، فإن نظرة لما يجري في شمال افريقيا والمغرب العربي حتى الساحل، قد تعطينا صورة أوضح وأسهل لطريقة علمية في فهم الأمور ومجرياتها.

فمع غياب الانقسام السني الشيعي في تلك البلدان، نلحظ بروز الهويــة القبلــية والعــشائرية والجهــوية التي تلــعــب دوراً أســاسياً في ليبيا، أو في سيناء وفي النوبة في مصر ما بعد الثورة، ودوراً للطوارق والأمازيغ في المغرب العربي ومالي، كل ذلك على حساب الهويات الجامعة التي كانت تجمع كل هذه المكونات تحت حكم الاستبداد.

من دون الوقوع فــي فــخ المفاضلــة بين الاستـبداد والحرية المصحوبة بالفوضى التي تــؤدي إلى الدمــار الذاتــي، نستطيع أن نقول علمياً، أن الانســان الذي يحمــل هويــات متعــددة في وقــت واحد، يجد أن هوياته تتقــدم الواحــدة على الأخــرى في الــزمان والمكان بعلة احساسه، بأن هذه الهوية أو تلك، تلبي طموحاته ومصالحه، فيبدأ بالتماهي من خلال هذه الهوية مع أقرانه، ويبدأ بالتمايز مع مَن يخالفونه فيها، إلى أن ينتقل إلى الصراع السياسي ومن ثم الصراع العنفي، لأنه يطمح لتحقيق أهداف ومصالح هذه الهوية.

يظنّ البعض، من الذين يتصدّون للدفاع حقاً عن مصالح الأمة، ان الحفاظ على العصبية الجامعة لفئة ما، مع التزامها حق الدفاع هذا، هو خير وسيلة لحماية المشروع المقاوم. العلم يقول إن العصبية مهما كانت إيجابية تخلق ضدها، وبالتالي تزيد من حدة الصراعات المذهبية والعرقية. المقاومة الجزائرية التي جمعت العرب والبربر ضد الاستعمار الفرنسي أصيبت بنكسة الصراع القومي العربي البربري عندما لم يراعَ هذا المكون بإعادة صياغة الهوية الجزائرية. المسألة ليست في المسائل الدينية والمذهبية فقط، بل هي مرتبطة بالمكوّنات العرقية والقومية في كل حيّز جغرافي سياسي مشترك. هذا هو حال الأكراد، مع تغاضي القوميين العرب والبعثيين عن هويتهم من خلال إظهارهم للمكوّن العربي في هوية بعض الأقطار ونفي المكوّن الكردي فيها.

في ليبيا مع وجود دين واحد ومذهب واحد وقومــية واحــدة باستثناء الطوارق، فإن الهويات القبلــية والجهــوية ارتفــعت إلى أعلى مستوى عنفي تشهــده هذه البــلاد بين مكــونات الشــعب الواحد. كل ذلك بسبب غياب المشروع الجامع الذي يضمن مصالح الجميع ولا يترك مجالاً للخوف من المستقبل عند مكوّن ما، بل يستبدل ذلك بالأمن والأمل للجميع من خلال الخطاب الجامع والموحّد.

لقد ثبت بما لا يقبل الشك، تاريخياً، وعلمياً على صعيد علم الاجتماع، وعلوم الاقتصاد، وما يطرح من منظومات سياسية واقتصادية وأمنية في العالم، على ان مستقبل الإنسانية يتجه إيجابياً كلما اتسع نطاق حدود الهويات السياسية الجامعة واتسع نطاق الجغرافيا السياسية الموحّدة والموارد الطبيعية والبشرية. وان العكس صحيح، فكلما انكفأت الجامعات الى هوياتها الفرعية والى جغرافيا محدودة الموارد الطبيعية والبشرية تعرّضت لتحديات الانقسام والانحدار.

المشروع الجامع يجب أن ينطلق من استراتيجية بلاد الشام، وقد اخترنا له هذا الاسم لأسباب عدة:

أولاً، يجب أن يتصدى للمشروع الصهيوني الذي هو مشروع احتلال استيطاني، له أبعاد استعمارية وامبريالية دولية من خلال امتداده عبر تاريخيته من الاستعمار القديم إلى الاستعمار الجديد المتمثل بالهيمنة الأميركية، مما يجعل من الصراع مع هذا المشروع بداية التحرر من الهيمنة الخارجية وبناء المصالح المستقلة والهوية الإقليمية الحرة.

كما أن الصراع مع هذا المشروع العنصري الذي يُصرّ ليس فقط على الاستيطان وطرد الآخر بل على الاعتراف به كدولة عنصرية دينية متفوقة في ممارساتها على بقية مكونات الدولة ومتسلطة على بقية دول وشعوب الجوار.

من هنا تأتي أهمية مقاومة هذا العدو على صعيد أبناء بلاد الشام الذين يجب أن ينتقلوا من مستوى التنسيق إلى مستوى المأسسة الجامعة، كي لا يبقى مجال للاختراق السياسي والتعبيرات الفئوية التي يمكن أن تضرب هذه القوى بعضها ببعض.

كما ان اتساع جبهة الصراع وسقوط خطوط حدود «سايكس بيكو» نتيجة لانتقال القوى المتصارعة عبر الحدود واتساع جبهة المقاومة، قهراً، إلى الحدود السورية مع العدو الصهيوني، يحتم رسم مثل هذه الاستراتيجية المقاومة على صعيد الإقليم الجامع في الجغرافيا والإطار الجامع في المأسسة.

إن إعادة بناء الأطر المقاومة للمشــروع الصهــيوني عــلى هــذه الأسس الجامعة في بلاد الشام يجعل من هذه المنطقة نقطة استقطاب، وقيادة محورية جامعة موحدة لباقي اطراف المكونات الاجتماعية والسياسية والدينية والمذهبية والقومية حتى، خاصة إذا ما وضع مشروع المقاومة ضمن الإطار الأوسع لمشروع الكونفدرالية المشرقية.

في الواقع اليوم، فإن قوس المقاومة الذي انطلق من لبنان إلى سوريا للدفاع عن معسكر ومحور المقاومة، لن يغلق إلا على جبهة الجولان وموطن التحدي في المعركة الكبرى مع العدو الصهيوني. وبذلك فإن ما نتحدث يحتاج المأسسة والتوضيح.

لقد قدّرت لي فرصة خوض حوار في الثمانيــنيات مــن القرن الماضي مع قوى ثورية في أوروبا كانت تسعى للانفصــال عــن فرنســا واسبانيا وحتى داخل ايطاليا، وكان الصراع حينها مسلحاً وعنيفاً تحت شعارات الانفصال. وكانت حجتي بالحــكم علــى فــشل مثل هذه المشاريــع، وبرغــم تعاطــفي الثــقافي والتاريخي مع هــذه المكونات، ان مشاريع الانفصال لا مكان لها على سطح الجغرافيا السياسيــة عندمــا يكــون هنــاك مشــروع وحــدوي جــامع يتجــاوز هــذه الفئويــات الساعيــة إلى الانفصــال كــي يضــم بلدانــها مــع بلــدان اخــرى، وان حتمــية مصـلــحة الاقاليــم المكونــة للــوطــن الواحد كافة هو بالانضمام لهذا المكون الأكبر، فكيف تسعون للانفصال؟

أثبتت التجربة والحراك التاريخي ومجرى الأمور، ان الفكرة الاوروبية الجامعة لم تمنع فقط الأفكار الانفصالية من التحقق، وأدّت إلى تراجع حدة الصراع الايرلندي والكورسيكي والباسكي فقط، بل أدت إلى طموح دخول شعوب اخرى إلى هذا المكون الاوروبي لأن المصلحة كانت تقتضي ذلك.

ان منطقتنا اليوم امام خيارين لا ثـالث لهــما، أما الاستــمرار بالانتحار تحت سقف الهويات الفرعية، او السعي إلى بلورة مشروع كونفدرالي جامع، لا يدخل في صراع تغيير الحدود السياسية الحالية، بل تخفف من أهميتها وحدتها من خلال الحدود الكونفدرالية الاوسع. مشروع يراعي مصالح جميع مكونات شعوب المنطقة الاثنية والقومية والدينية والمذهبية من خلال تظهير أهمية المصالح المشتركة والفوائد الجامعة التي تعود بالخير على الجميع، وأهمية حفظ غنى التنوع الثقافي والديني والاقتصادي الذي يقوى به الجميع ولا يضعف به احد.

وعليه يكون في لبنان هدفنا الخروج من اتفاق الطائف المذهبي المقيت إلى رحاب الدولة اللاطائفية، وفي العراق البحث عن مشروع دستور جديد يعتمد اللامركزية الادارية المناطقية لا المذهبية لادارة الدولة، ومحاربة أي مشروع مستقبلي لإغراق سوريا بمثل هذه المشاريع التي تعدّ لها على اساس «مصالحة وطنية تقسم المغنم والحصص على الطوائف». علينا أن نعلن أن القومية العربية كعصبية وكمشروع سياسي ليس له مكان في حراكنا المستقبلي، بل إن العروبة هي لسان وثقافة وليست عرقاً جامعاً او سياسة تجاه القوميات الأخرى. ومن هنا تبدأ المصالحة مع القومية الكردية والتركية.

إن بلادنــا العربــية وخاصــة سوريــا والعـراق ولبــنان هــم أكــثر الدول المستفيــدة من مشــروع كــهذا. ففــيه الحــفاظ عــلى ما تبــقى من وحدة أراضيهم وفيه السلم الأهلي والقضاء على الصراعات المسلحة بين مكونات اجتماعهم، وفيه مصلحــتهم الاقتصادية أيضاً.

هويتنا «المشرقية» المختارة طوعاً هي طريقنا للحرية الحقيقية، ووحدة مواردنا البشرية والطبيعية والاقتصادية هي طريقنا نحو التقدم والارتقاء في الوجود بين الأمم. فهل من مستجيب لهذه التحديات؟