إغلاق معبر الفلسطينيين وقطع الطرق
د. محمد عبد اللطيف
لو أن من اختطفوا جنودنا السبعة كانوا من أهل غزة لما جاز قانونيًا ولا أخلاقيًا أن نعاقب الشعب الفلسطيني كله بإغلاق معبر رفح، لأن العقاب الجماعي جريمة يُعاقب عليها القانون الدولي، فضلًا عن أنها تتنافى مع العدل الذي جاء به الإسلام الحنيف.. فقد قرر الله عز وجل في القرآن الكريم أن "كل نفس بما كسبت رهينة " وأنه "لا تزر وازرة وزر أخرى".. وكما أن سياسة العقاب الجماعي مرفوضة في تعاملنا مع أهلنا في سيناء؛ فإنها مرفوضة أيضًا في تعاملنا مع أهلنا في غزة. لكننا للأسف رأينا عددًا من الجنود- رغم إعلان المتحدث العسكري المصري بأن قطاع غزة لا علاقة له بهذه الجريمة- يقومون بإغلاق معبر رفح في وجه إخوتنا الفلسطينيين، دون مبالاة بمعاناة الطلاب والمسافرين والمرضى الذين ظلوا على مدى ستة أيام رهينة لجرم لم يرتكبوه، كما ظلوا ضحية لإعلام فاسد دأبت عناصره منذ العهد البائد على تحميل أهل غزة كل المصائب التي تحدث في سيناء، بل في مصر كلها.
لقد ظل هذا الإعلام ينقل خبر إغلاق المعبر على أنه موقف إنساني نبيل يعبر عن تعاطف أصحابه مع الجنود المختطفين، دون أن يشير إلى المآسي التي نتجت عن هذا الإغلاق، ودون أن يندد بمعاناة آلاف الفلسطينيين التي نجمت عنه.. وكأن التعبير عن تعاطفك مع سبعة من أبناء وطنك لا يكون إلا بمعاقبة جماعية للآلاف من أصحاب الأعذار والحاجات.
ومع تقديرنا للظرف النفسي الذي مرت به عائلات الجنود المختطَفين، إلا أن اعتصام بعضهم مع من قاموا بإغلاق المعبر يعدُّ مشاركة في هذه المخالفة القانونية الجسيمة، وتكريسًا لظاهرة العقاب الجماعي التي بدأت تتفشى في المجتمع المصري، خصوصًا ظاهرة قطع الطرق في كل بؤرة تحدث فيها حالة غضب مبرر أو غير مبرر.
لقد أصبح قطع الطرق وسيلة من وسائل الاحتجاج على شائعة خطف فتاة، أو حادثة سير، أو انقطاع الكهرباء، أو نقص الوقود، أو غيرها من المشاكل، وكأننا نواجه المشكلة بخلق مشكلة أكبر منها، أو نحتج على جريمة فردية بارتكاب جرائم جماعية تتمثل في تشويه صورة مصر أمام زائريها، وفي الإضرار بالاقتصاد الوطني، فضلًا عن حجز آلاف الناس على الطرق لساعات طويلة، وفيهم كبير السن المعذور، أو المريض الذي يحتاج أن يصل إلى المستشفى، أو المسافر الذي يريد أن يدرك طائرته قبل إقلاعها، أو الطالب الذي يسعى للوصول إلى جامعته قبل بدء الامتحان.
إن تفهمنا لمشاعر الجنود الذين قاموا بإغلاق معبر رفح لا يعني ترك مساءلتهم وفقًا لقانون وتقاليد المؤسسة التي ينتسبون إليها، إذ لا يمكن أن نترك انتظام العمل في مؤسسات الدولة ومرافقها لعواطف البعض، أو لأهواء ونزوات البعض الآخر .
وإذا كان بعض الإعلاميين يستقبلون حالات قطع الطرق في مصر بنَفَسٍ تشجيعي يحرض على استمرارها وتفاقمها، فهذا لا يعني أن يتمادى معظم رجال المؤسسة الأمنية في عدم التصدي لهذه الظاهرة، وأن يبقى قادتها في مكاتبهم المكيفة بينما يئن آلاف المصريين على الطرق لساعات طويلة وهم تحت رحمة مجموعة من البلطجية أو الفوضويين.
إننا نحتاج إلى تضافر كل القوى للتصدي لهذه الظاهرة، كما نحتاج إلى تفعيل قانون العقوبات الذي ينص على المعاقبة بالسجن المشدد لكل من يقطع الطرق، أو يعرض سلامة وسائل النقل العامة للخطر أو يعطل سيرها.
لقد ولَّت بلا رجعة تلك الحقبة الكئيبة التي يُهان فيها أهل غزة على معبر رفح، ولن تقبل مروءة الشعب المصري ونخوته ــ تحت أي ذريعة ــ أن يعاد إغلاق معبر الفلسطينيين، أو أن يتم قطع طريق من طرق المصريين.
وكيل كلية القرآن الكريم ــ جامعة الأزهر