Menu
07:13طقس فلسطين: إنخفاضات متتالية على درجات الحرارة
21:22تفاصيل جديدة عن منفّذ هجوم نيس بفرنسا
21:20الأوقاف بغزة تغلق مسجدين في محافظتي غزة ورفح
21:19حماس تُعلن تضامنها مع تركيا بعد الزلزال الذي تعرضت له مدينة "إزمير"
18:37وفاة شاب غرقًا في خانيونس
18:26حشد تطالب شركة جوال بتخفيض أسعار الخدمات للمشتركين
18:11زلزال قوي يضرب ولاية إزمير التركية
18:10الحركة الإسلامية بالقدس تدعو لإحياء الفجر العظيم ورفض أوامر الهدم
18:07اشتية: على أوروبا ملء الفراغ الذي تركته أميركا بتحيزها لإسرائيل
18:00بالصور: حماس تدعو للانضمام إلى حملة مقاطعة البضائع الفرنسية
17:58خلافات لبنانية إسرائيلية بشأن ترسيم الحدود البحرية
17:57لا إصابات في صفوف الجالية الفلسطينية بتركيا جراء زلزال إزمير
17:55إصابة شاب بالرصاص المعدني والعشرات بالاختناق في مسيرة كفر قدوم الأسبوعية
17:54الاحتلال يعتدي على المواطنين قرب باب العامود
17:53وفاة شاب غرقا في بحر خانيونس

تعرف علي مدينة حيفا

مدينة حيفا
أ- الموقع الجغرافي:

حيفا مدينة ساحلية في الطرف الشمالي للسهل الساحلي الفلسطيني* ومياه على البحر المتوسط. وهي ذات موقع جغرافي هام. فالمدينة نقطة التقاء البحر المتوسط بكل من السهل وجبل الكرمل. وقد جعلها البحر أكبر الموانىء في فلسطين، في حين جعلها السهل منطقة زراعية منتجة لجميع محاصيل البحر المتوسط. وأما جبل الكرمل* فاكتسبها منظراً بديعاً ومناخاً معتدلاً. وقد أعطت هذه المزايا الطبيعية الموقع بعداً اقتصادياً هاماً وبعداً عسكرياً أيضاً. وما الأطماع الاستعمارية التي تعرضت لها المدينة عبر العصور التاريخية، بدأ بالغزو الصليبي وانتهاء بالهجمة الصهيونية، إلا تأكيد خطورة هذا البعد العسكري.
ظل موقع حيفا هاماً في معظم الأوقات، فهي وجه فلسطين البحري ومنفذها الرئيس إلى العالم الخارجي. وتنعم بظهر غني في المناطق الشمالية لفلسطين، وفي الأردن والعراق، بالإضافة إلى المنطقة الجنوبية السورية. ولا شك في أن وقوعها على خليج بحري عميق جعل منها مرفأ محمياً طبيعياً يصلح لرسو السفن الكبيرة. ويعد سهل مرج ابن عامر، وهو الظهر المباشر لميناء حيفا، حلقة وصل طبيعية بين الميناء وظهيره البعيد، لأنه يرتبط بالمياه بفتحة طبيعية يجري عبرها وادي نهر المقطع في طريقه إلى مصبه في خليج حيفا البحري. ويمكن القول إن حيفا انتقلت من أوائل هذا القرن من قرية متواضعة لصيادي الأسماك إلى مرفأ بحري للسفن. وقد زادت أهميتها عندما وسعت حكومة الانتداب البريطاني عام 1929 الميناء وأقامت المنشآت الضخمة فيه وجهزته بكل الوسائل الحديثة. وبحلول عام 1933 الذي افتتح فيه ميناء حيفا الحديث أصبحت حيفا الشريان الحيوي لفلسطين والأردن وسورية والعراق وإيران وغيرها من الأقطار الآسيوية. وفي ذلك العام افتتح مدير شركة بترول العراق أنبوب الزيت الذي يصل آبار النفط في كركوك بمستودعاته في حيفا حيث يتم تكريره وتصديره إلى الخارج.
وقد ارتبطت حيفا بظهيرها القريب والبعيد بشبكة من الطرق المعبدة* والسكك الحديدية. ففي عام 1905 افتتح الفرع الغربي للخط الحديدي الحجازي رسمياً في حيفا، وهي الفرع الذي يصل بين حيفا والعفولة وبيسان* وسمخ* ودرعا. وهناك طريق معبدة تسير بمحاذاة الخط الحديدي متجهة شرقاً عبر سهل مرج ابن عامر وسهل بيسان إلى وادي الأردن، ومن ثم إلى الأردن وسورية والعراق. وتتفرع من هذه الطريق طرق أخرى تؤدي إلى كل من الناصرة* شمالاً، وجنين* ونابلس* ورام الله* والقدس* والخليل* جنوباً.
وفي عام 1919 وصل خط سكة حديد القنطرة – غزة – اللد إلى حيفا ومنها إلى بيروت. وهناك طريق معبدة تسير بمحاذاة هذا الخط. وبذلك أصبحت حيفا ترتبط بمصر عن طريق السهل الساحلي الفلسطيني وسيناء، وتتصل بلبنان عبر سهل عكا* بطريق معبدة وخط سكة حديد يمران من عكا وبيروت في طريقهما إلى طرابلس الشام. وفي حيفا مطار جوي يربط المدينة بالمطارات الداخلية الأخرى في فلسطين وبالعالم الخارجي.
ب- الوضع التضاريسي:

يتفاوت منسوب الأرض داخل المدينة من جهة لأخرى. فهو يراوح بين 50 و546م فوق سطح البحر. وتتكون حيفا من أراض سهلية منبسطة إلى جانب الأراضي المرتفعة لجبل الكرمل. وهذا الجبل امتداد طبيعي لجبال نابلس* نحو الشمال الغربي يتوغل في البحر المتوسط على شكل بروز أراضي مرتفع. وقد نتج عن امتداد خط الصدع بمحاذاة أقدامه الشمالية والشرقية ارتفاع الجبل إلى أكثر من 500م فوق سطح البحر، وهبوط الأرض على طول خط الصدع مكونة ما يعرف بخليج عكا.
ويجري في منطقة حيفا الأدنى لنهر المقطع الذي يستمد بعض مياهه من السفوح الشرقية لجبل الكرمل ويصب في خليج عكا على مسافة 4 كم من المدينة. وتشتمل معظم الأراضي السهلية الساحلية على تكوينات رملية حديثة في الجهة الغربية، وعلى سهول فيضية من المارن (تراب تكثر فيه العناصر الكلسية والصلصالية) والحصى الرملي في الجهة الشرقية. ويتكون معظم جبل الكرمل من الحجر الكلسي إلى جانب بعض التكوينات الرملية. وتنتمي التكوينات السطحية لمدينة حيفا وما حولها إلى الحقبة الجيولوجية الرابعة.
ج- المناخ* والمياه:

يسود مدينة حيفا مناخ البحر المتوسط الحار الجاف صيفاً والدافىء الماطر شتاء. ويبلغ متوسط درجة الحرارة السنوية 20 – 21 درجة مئوية، مراوحاً بين 12 درجة مئوية شتاء و28 درجة مئوية صيفاً. ويبلغ المعدل السنوي على شاطىء البحر – يزداد خلال فصل الشتاء ويتناقص خلال فصل الصيف. وأما متوسط كمية الأمطار السنوية خلال السنوات من 1901 إلى 1940 فقد بلغ 635.4 مم. وبلغ معدل عدد أيام هطول الأمطار 31 يوماً في السنة.
تتفاوت أحياء حيفا فيما بينها بالنسبة إلى المناخ، فالأحياء المرتفعة تتميز باعتدال درجات الحرارة فيها، وارتفاع كميات الأمطار السنوية التي تهطل عليها، ولا سيما تلك الأحياء الواقعة على سفوح ومنحدرات جبل الكرمل المواجهة للرياح المطيرة. وأما الأحياء السفلى فإنها أقل اعتدالاً وأقل أمطاراً، وبخاصة تلك الأحياء الواقعة في ظل الأمطار (أي السفح الجبلي الواقع في الطرف الثاني الذي لا تمطره الرياح الممطرة). وعلى الرغم من هذا التفاوت المناخي فالمدينة عامة ذات مناخ متوسطي معتدل ذي أمطار كافية. ويؤثر هذا الوضع المناخي في الموازنة المالية للمدينة، فهي إيجابية تحقق فائضاً في كثير من شهور السنة نتيجة تفوق كميات الأمطار السنوية على قيم التبخر والنتح. في حين أن هذه الموزانة سلبية على مدار السنة، لارتفاع أرقام التبخر ووقوعها بين 800 – 900 مم مقابل 600 – 630 مم أمطار سنوية.
وينتج من الوضع المناخي توافر المياه داخل مدينة حيفا وفي إقليمها المحيط بها، إذ تكثر الينابيع على طول أقدام جبل الكرمل، وتكثر الآبار* في الأراضي المنبسطة بالقرب من الجبل. ويتميز تصريف مياه كل الينابيع والآبار بغناه وتدفقه. وأما نوع هذه المياه فجيد صالح لجميع الاستعمالات. وأهم المياه السطحية في المنطقة مياه نهر المقطع التي يبلغ تصرفيها قرابة 10 ملايين م3 سنوياً، وهي على الرغم من وجود نسبة متوسطة من الأملاح فيها تصلح لاستعمالات متعددة أيضاً.
د- النشأة والنمو:
1) التسمية: لم يرد ذكر حيفا في التوراة، ولكنها وردت في التلموذ على صورة حيفه، ومعناه الفرضة والمرفأ. كذلك وردت في الكتابات التلمودية باسم “سكيمينوس”. وكان الصليبيون يطلقون على المدينة اسم كيفا Gayphas  أحياناً، واسم سيكامينون Sycaminon  أحياناً أخرى، ويعني باليونانية شجرة التوت، ولعل المدينة سميت بذلك لكثرة شجر التوت فيها. ويرجع أن آثار سيكيمينوس واقعة في موقع تل السمك الذي يعلو البحر عند حيفا القديمة، وقد سمي بذلك لوجود كميات كبيرة من الأصناف البحرية عند قاعدته، ومنها استخرج الفينيقيون* لون الأرجوان القرمزي.
ويشير اسم بوروفيريا أو بورفيريون Porphyrapolis إلى مكان شرقي موقع حيفا الحالية، ومعنى الاسم مدينة الأرجوان.
ولم يرد اسم حيفا في مصادر الفتح العربي. وأقدم ذكر حيفا أورده الرحالة ناصر خسرو 452هـ/ 1060 م، ثم أوردها بالاسم نفسه الشريف الإدريسي 560هـ/1160م، وياقوت الحموي 626هـ/ 1228م.
2) في التاريخ القديم: سكنت منطقة حيفا منذ عصورها قبل التاريخ. وقد اكتشفت بقايا هياكل بشرية في كهوفه جبل الكرمل وبجانب طريق الناصرة عند مستعمرة “نفه شعنان”، وفي مغارة قرب عتليت*. وتعود كلها إلى العصرين الحجرين القديم والوسيط (رَ: العصور القديمة). وقد عثر في الكهوف على جماجم حيوانات وعلى رسوم منحوتة في الحجارة.
وأول من سكن منطقة حيفا في عصور التاريخ هم العرب الكنعانيون الذين عمروا المنطقة وبنوا حيفا على بعد كيلومترين جنوبي حيفا الحالية. وقد بقي من هذه المدينة القديمة بعض آثار تدل على مكانها، منها مدافن بلحف جبل الكرمل على شكل ثلاث قناطر.
وعند شواطىء حيفا نشبت معركة بين الفلسطينيين والمصريين في عهد رمسيس 1191 ق.م. امتلك الفلسطينيون* بعدها الساحل من غزة إلى الجبل. ولما استولى الإسرائيليون في عهد يشوع بن نون على فلسطين جعلت حيفا من حصة “سبط منسى”. وقد تقلبت عليها الأحوال فزهت وخربت مرات كثيرة في عهود الأمم التي تغلبت على فلسطين، فالأشوريين والكلدانيين والفرس واليونان والسلوقيين*.
ارتبطت مدينة حيفا بعدة أحداث ومناسبات دينية جعلت لها مكانة خاصة، إذ يقال إن النبيين الياس واليشع علّما تلاميذهما الديانة في المكان الذي أصبح يطلق عليه اسم “الخضر” أو “مدرسة الأنبياء”، قرب الفنار بين تل السمك ورأس الكروم. والموقع بناء إسلامي قديم وسط حديقة كان يضم مسجداً فيه مغارة تضم كتابة يونانية. واشتهر جبل الكرمل أيام النبي الياس لانتصاره فوق قمته على أعدائه الوثنيين، حتى إن بعض الناس يدعونه أحياناً باسم جبل مار الياس. ومار الياس يقع قرب الخضر، وفيه قطع معمارية وبقايا كنيسة منقورة في الصخر.
ويذكر الإنجيل أن السيد المسيح وطىء أرض حيفا وباركها حتى مر بها مع مريم العذراء في طريقه من مصر إلى الناصرة. وقد اتبع الطريق الساحلية هرباً من خطر الحاكم الروماني. وكانت هذه الطريق الساحلية الرومانية تمر بحيفا العتيقة، وتقطع مقام الخضر وتمر بالزورة، وتسير مع شاطىء البحر أمام باب الكنيسة اللاتينية. ومر بحيفا بولس* الرسول في رحلته الثالثة (58م) قادماً من عكا. وقد حفل جبل الكرمل منذ ظهور المسيحية* بالنسّاك، ومنهم القديس يعقوب ناسك الكرمل.
وكانت حيفا تقوم أيام الحكم الروماني كما تقدم على موقع تل السمك غربي حيفا وجنوبي رأس الكرمل. وتضم البقعة أسس أبنية، وأرضيات مرصوفة بالفسيفساء وصخوراً منحوتة، وقبوراً منقورة في الصخر، ومرسى، وفيها إلى الشرق كنيسة رصفت أرضها بالفسيفساء.
وفي تل السمك موقع يسمى شيقومونا، وهو تحريف شيكما اليونانية ومعناها الجميز أو التوت. وفي هذا الموقع جدار حظيرة، ونحت في الصخور، ومدافن منقورة، وأحواض معصرة خمر أرضها مرصوفة بالفسيفساء. ولعل قلمون، البلدة التي تعود إلى أيام الرومان. كانت تقوم على البقعة التي تعرف اليوم باسم تل أبو حوام قرب مصب نهر المقطع، وكانت هذه المدينة ميناء بيسان ومجدو*. وقد عثر في حيفا القديمة على رصيف بحري وقبر وحمّام تعود إلى العصر الروماني.
3) بعد الفتح العربي: لم يكن لحيفا أهمية في الفتح العربي ولا ورد اسمها في مصادر الفتح. ومن القبائل التي استقرت في أطرافها بنو جذام* بن عامر بن لام وبنو مخروم. وقد ظلت حيفا خاملة الذكر، وكانت عكا تبزها. وجاء أقدم ذكر في المصادر الإسلامية في القرن الخامس الهجري (452هـ/ 1060م) حين وصفها ناصر خسرو في سفر نامة بقوله: “ثم غادرتها (أي عكة) إلى قرية تسمى حيفا في طريق به كثير من الرمل الذي يستخدمه صياغ العجم والمسمى بالرمل المكي. وحيفا مشيدة على البحر وبها نخل وأشجار كثيرة. وهناك عمال يصنعون السفن البحرية المسماة بالجودي”.
4) خلال الحروب الصليبية: مر الصليبيون أول الأمر قرب أسوار عكا وحيفا في طريقهم إلى بيت المقدس 1099 م ملتزمين الساحل من سطح جبل الكرمل حتى قيسارية. وكانت حيفا تابعة للفاطميين قبل أن يحتلها الصليبيون في تموز عام 1110م بعد حصار. وأصبحت حيفا مع طبرية وبلاد الجلل تحت إمرة تنكريد، وعرفت باسم كايفاس أو كيفا، وورد وصفها في روايات الحجاج  والرحالة المسيحيين، وذكروا أن جانباً من المدينة على الساحل، في حين يشرف جبل الكرمل على الجانب الآخر. وتبدو أهمية المدينة أيام حكم الفرنجة* من وصف الجغرافي الشريف الإدريسي 560 هـ/ 1160م لها بقوله: “وحيفا تحت طرف الكرمل، وهو طرف خارج في البحر، وبه مرسى حسن لإرساء الأساطيل وغيرها. ومدينة حيفا هي فرضة لطبرية، وبينهما ثلاث مراحل خفاف “. وإلى العهد الصليبي تعود بقايا القلعة التي بناها الفرنجة جنوبي المدينة عند خربة رشميا غربي ” نفه شعنان”، وتضم أنقاض بناء مستطيل فيه برج، ومدافن منقورة في الصخر، وصهاريج .
عادت حيفا إلى المسلمين عام 583 هـ/ 1188م (كما جاء في كتاب الفتح القدسي للعماد الأصفهاني، لا قبل ذلك بعشر سنوات كما ذكر ياقوت الحموي أو دائرة المعارف الإسلامية). ثم استعادها الصليبيون بعد أن أمر صلاح الدين بإخلائها وهدم أسوارها وخصوبتها 587هـ/ 1191 م، وأعادوا بناءها. وكانت حيفا بموجب صلح الرملة* ضمن المنطقة الساحلية (من صور حتى يافا) التي ظلت بيد الفرنجة.
تأسست في عام 609هـ/ 1212 م  رهبانية الكرمل (رَ: الرهبانيات)، ثم كثر أتباعها وانتشروا في أنحاء أوروبا. وقد اهتم لويس التاسع بتحصين حيفا، وظلت في حوزة الفرنجة  حتى عام 663 هـ/ 1265 م حيث فتحها الظاهر بيبرس*، ثم استولى الفرنجة عليها ثانية فعاد الملك الأشرف خليل بن قلاوون واسترجعها عام 1291 م، وانتهى بذلك الوجود الفرنجي  في فلسطين .
5) في عهد المماليك: أوقع المماليك* الخراب بحيفا، كما يغيرها من المدن الساحلية. حتى لا يستفيد منها الأعداء. وقد وصف القلقشندي ( ت 821هـ/ 1418م) المدينة في “صبح الأعشى” بقوله: “وهي خراب على الساحل”. وكانت حيفا خلال العهد المملوكي جزءاً من عمل اللجون* الذي كان تابعاً لصفد*، والقاعدة الخامسة من قواعد المملكة الشامية.
6) في العهد العثماني (وحتى منتصف القرن التاسع عشر): انتقلت حيفا إلى العثمانيين في عهد سليم الأول 922هـ/ 1516م. وقد أشير إليها في مطلع العهد بأنها قرية في ناحية ساحل عتليت الغربي التابع لسنجق (لواء) اللجون، أحد ألوية ولاية دمشق الشام (رَ: الإدارة).
بدأ العثمانيون منذ النصف الثاني من القرن السادس عشر يعمرون الساحل الشامي، وفيه حيفا، وسارت عملية إعمارها ببطء. وذكرت دفاتر التمليك (الطابو) أن قرية حيفا كانت ضمن إقطاع آل طرباي* الذين أصبحوا يعرفون باسم الأسرة الحارثية في مرج ابن عامر 885هـ – 1088هـ/ 480 – 1677م. ولم تعمل هذه الأسرة على تشجيع التجارة* مع الأوروبيين على غرار ما فعل فخر الدين المعني في بيروت وصيدا وعكا، ولا عاد تجار الإفرنج يرتادون ميناء حيفا خوفاً من الأذى. وقد تضررت حيفا بسبب الصراع بين الأمير أحمد الحارثي والأمير فخر الدين المعني، وأخضعها فخر الدين لسيطرته عام 1033هـ/ 1624م، ثم تم الصلح بين المعنيين والحوارث في العام نفسه، وعادت حيفا إلى الأمير أحمد الحارثي الذي عمل بعد ذلك على الاهتمام بالميناء، وأعطى الرهبان الكرمليين إذنا ببناء مساكن في الميناء، وضمانات بالحماية.
ضم قسم كبير من الأراضي المحيطة بحيفا، وفيها الخليج الشمالي، إلى ولاية صيدا الجديدة في القرن السابع عشر. وقد جعلها بُعدها عن السلطة في دمشق مركزاً للتجارة المهربة، حتى أصبح يطلق عليها اسم مالطة الصغرى، فأصدرت الدولة العثمانية سنة 1026هـ/ 1616م فرماناً ببناء الأبراج حول ميناء حيفا لوضع حد للتهريب ولهجمات الفراعنة (شيد البرج الشرقي سنة 1136هـ/ 1723م، والبرج الغربي سنة 1128هـ/ 1715م) وضمت حيفا إلى ولاية صيدا، وعملت الدولة على تعميرها وتعمير الساحل كله، فقدمت الإعفاءات والإغراءات، ووفرت الأمن والحماية للسواحل. فأدى ذلك كله أن تحول العناصر السكانية نحو الساحل، وإلى ازدهار تجاري وعمراني، بعد أن كانت السواحل مهجورة منذ إخراج الصليبيين عام 691هـ/ 1291م.
وفي منتصف القرن الثامن عشر خرب الشيخ ظاهر العمر* حيفا القديمة، وبنى إلى الجنوب الشرقي منها، عند نهاية الخليج، بلدة سماها العمارة الجديدة، ثم غلب عليها اسم حيفا الجديدة، وأقام فيها برجاً، وبنى حولها سوراً له بوابتان، وقلعة على نشوء صخري يشرف على المدينة من الناحية الجنوبية. وشيد أبناء الشيخ ظاهر الجامع والسراي. وأقام الكرمليون ديرهم على قمة الجبل عام 1181هـ/ 1767م، على مسيرة 3 كم من حيفا.
صارت حيفا، بعد الشيخ ظاهر، إلى أحمد باشا الجزار*، واحتلها كليبر عام 1214هـ/ 1799م، وأقام نابليون قيادته على جبل الكرمل، واتخذ الدير مشفى لجرحاه ولمرضى الطاعون أثناء حصار عكا، ثم أحرقه لما انسحب إلى مصر (رَ: الحملة الفرنسية). وقد أعادت الدولة العثمانية حيفا إلى سلطتها وجدد عام 1243هـ/ 1827م بناء الدير الكرملي. ثم دخلت حيفا – كسائر سورية – تحت حكم إبراهيم باشا حتى عام 1256هـ/ 1840م. وقد زارها عام 1248هـ/ 1832م الشاعر الفرنسي لامرتين وتغنّى بروضة خليجها وسهلها وجبلها في كتابه “ذكريات وانطباعات وأفكار ورؤى خلال رحلة المشرق 1832 – 1833″، أو “مذكرات مسافر” المطبوع في باريس عام 1835.
7) أواخر العهد العثماني (حتى نهاية الحرب العالمية الأولى): ظلت حيفا حتى القرن التاسع عشر مدينة الشأن بلغ عدد سكانها 4.000 نسمة تقريباً في أوائل القرن المذكور. ولكنها أخذت بعد ذلك تنمو بسرعة، وبدأ كثير من الأجانب يقصدونها للاستيطان والعمل، أو للكشف العلمي، أو للنشاط التبشيري. وقد سمح لقرابة مائة عائلة ألمانية من فرسان الهيكل (الداويّة*) بالبنزول في أرض حيفا وأقاموا في حي خاص بهم شمالي غرب المدينة كما مر من قبل. وبلغ عددهم أواخرالقرن نحو 800 نسمة.
دشنت السلطات العثمانية عام 1304هـ/ 1886م أول طريق عربات من حيفا إلى طبرية. وأصبحت حيفا عام 1305 هـ/ 1887 م مركز قضاء يحمل اسمها (من أعمال لواء عكا التابع لولاية بيروت) وأقامت البنايات خارج السور، وامتدت إلى شواطىء البحر حيث البساتين والنخيل.
جرى في 19/12/1892 في الطرف الشرقي للمدينة قرب وادي رشميا الاحتفال بافتتاح العمل في سكة حديد حيفا – دمشق (فرع الخط الحجازي) وقدم المهندس جورج جفري، مهندس المشفى الإنكليزي في حيفا، تقريره عن مبنى الإرسالية الأنغليكانية الجديد في 29/6/1893.
بدأت السلطات العثمانية استعدادها لزيارة الإمبراطور الألماني غليوم الثاني لمدينة حيفا في طريقه إلى القدس، فبنيت رصيفاً على الشاطىء لرسو يخت الامبراطور قرب الحي الألماني غربي المدينة، وتم إنشاء طريق عربات بين حيفا ويافا، وأعيد ترميم الجسور, وقد وصف حيفا في تلك الفترة إبراهيم الأسود صاحب مطبعة جريدة لبنان في كتابه “الرحالة الإمبراطورية في المماليك العثمانية” بقوله: “مدينة حيفا قائمة في سفح جبل الكرمل، موقعها يشبه بيروت، وفيها مباني طراز جديد، في مصاف مدن الدرجة الثانية في سورية، بعد أن كانت تعد منذ ثلاثين سنة من القرى، معظم تجارتها بالحبوب. وفيها قناصل لجميع الدول إلا اليونان … وفي حيفا كثير من الفنادق والمعابد لجميع الطوائف”.
ووصفها عام 1904 الأب ماري جوزيف الكرملي في مجلة “الشرق” بأنها “أصبحت مدينة عامرة يتوارد إليها الناس”.
كانت حيفا مطلع هذا القرن مركزاً ثقافياً مرموقاً في فلسطين، وكان في عام 1901 مدرسة رشدية (حكومية) (تأسست أول مدرسة في حيفا عام 1293هـ/ 1876م، وأخرى في مستواها للروم الأرثوذكس، وخمس مدارس أجنبية، ثلاث منها ألمانية ضمت 380 طالباً، واثنتان فرنسيتان. وأصبح عدد المدارس الأجنبية عام 1903 ثماني مدارس، أربع فرنسية (إحداها لليهود ضمت 150طالباً) واثنتان إنكليزيتان، وواحدة ألمانية، وأخرى روسية. وفي سنة 1942 ارتفع عدد المدارس الحكومية إلى 10 مدارس فيها 1.750 طالباً، وارتفع عدد المدارس الخاصة إلى 18 مدرسة فيها 4.448 طالباً، إلى جانب المدرسة الصناعية.
ومنذ أواخر العهد العثماني والطباعة* متقدمة في حيفا، إذ اشتملت المدينة على المطابع التي كانت تقوم بنشر صحف كثيرة كالصاعقة والنفير* والكرمل. واشتملت المدينة أيضاً على المكتبات العامة والمتاحف* والمسارح التي أوجدت جيلاً مثقفاً من السكان. وقد ساهمت الجمعيات التبشيرية في فتح المدارس والكنائس والمتشفيات والنوادي الثقافية.
تمّ في 1323هـ/ 1905م الافتتاح الرسمي لخط حديد دمشق – حيفا (طوله 289كم)، وأجريت تحسينات كبيرة في الميناء، فدخلت حيفا في عهد جديد، الميناء، فدخلت حيفا في عهد جديد، إذ اتصلت بدمشق وحوران وشرقي الأردن، وأصبحت ميناء تصدير إلى هذه الأقاليم، ومدخل كل ما يلزمها من أوروبا وأمريكا بدل بيروت. وقد أخذت المدينة تنمو وتتسع في عمرانها وتجارتها على حساب عكا، وزادت وارداتها الجمركية.
كان في المدينة عام 1908 5 مساج وتكايا، و6 كنائس، و13 مدرسة و9 خانات، و928 حانوتا، و423 مخزناً، و8 فنادق، و4 مستشفيات، وحمام واحد، ومصبنتان. وتزايدت أعداد المهاجرين إلى حيفا وجوارها من اليهود الأشكنازيين* (اليهود الغربيين)  بعد 1908. وفي عام 1912 بدأ بناء المعهد الفني اليهودي”التخنيون*” (فتح أبوابه سنة 1925). وكذلك بدأت شركة الاستكشاف السورية (برأسمال إنكليزي) أعمال التنقيب من النفط عام 1913، وتم في العام نفسه خط سكة حديد حيفا – عكا، وبدأ الإعداد لتمديد فرع آخر لسكة حديد الحجاز من حيفا إلى القدس عبر العفولة وجنين ونابلس.
بلغ عدد سكان حيفا حسب إحصاء 1916 نحو 10.447 نسمة. وكان معظم السكان المسلمين يتجمعون في المنطقة المنحفضة من المدينة (حيفا القديمة)، وتركز معظم المسيحيين في الجهة الغربية من حيفا، وبعضهم في الضاحية الألمانية. وتركز اليهود في شرق المدينة، ثم بدأوا منذ أوائل العشرينات يستوطنون حي “هادارهاكرمل” الذي يعد امتداداًَ لمنطقة هرتسليا*.
وضمت المدينة آنذاك ثلاث مدارس حكومية للذكور والإناث. وعدة مدارس أجنبية، وعشر مطاحن، و26 محركاً بخارياً لسحب المياه، ومعمل ثلج، وسبعة مصانع خشب، وأربع معاصر زيتون، ومعمل عصير عنب للألمان، ومصنع صابون للصهيونيين. وقد أقامت إدارة الخط الحديدي الحجازي مصنع آلات لخط الحجازي. وكان في حيفا مطابع الكرمل والوطنية والنفير، وصحيفة الكرمل (نصف الأسبوعية)، وصحيفة النفير (الأسبوعية).
8) خلال الحكم البريطاني (1918 – 1948): احتل البريطانيون حيفا في 23/9/1918 بعد معركة مع بقايا الجيش العثماني التي كانت تدعمها المدفعية الألمانية المتمركزة في غابات جبل الكرمل. وقد أوصل البريطانيون في العام نفسه خط السكة الحديدية من مصر إلى حيفا فعادت المدينة بذلك عقدة مواصلات هامة داخلية وخارجية، فيها ثلاث محطات للسكة الحديدية، شرقية، ورئيسة، ومحطة الكرمل. كذلك ربط البريطانيين حيفا بيروت وطرابلس بالسكة الحديدية. ورفع ذلك كله من شأن المدينة، ووسع نطاق تجارتها وصناعتها. فرحل إليها تجار الشام ومصر، وتدفق إليها آلاف العمال.
بدأت السلطات البريطانية في عام 1929 توسيع ميناء حيفا الصغير الذي أنشأه العثمانيون سنة 1908، وتحويله ميناء حديثاً، وأقامت فيه المنشآت الضخمة. وجهزته بالوسائل الحديثة. وقد أنشىء حاجزان لصد الأمواج، ويبلع طول الرصيف الأساسي 400م، وعمق غوره 9م، وشيد رصيف خاص ترسو بقربه ناقلات النفط. وافتتح الميناء رسمياً في 31/10/1933، وبلغت نفقة إنشائه 1.250.000 جنيه فلسطيني. وقد أصبح ميناء حيفا من أكبر موانىء البحر المتوسط (الثاني بعد مرسيليا)، وفاقت المدينة يافا في التجارة، وبلغ وزن البضائع التي شحنت من ميناء حيفا سنة 1937 ضعفي ما شحن من يافا، ووزن ما أفرغ في حيفا في العام نفسه خمسة أضعاف ما أفرغ من ميناء يافا.
نشط مطار حيفا خلال الحرب العالمية الثانية. وساعد على تقدم المدينة تأسيس عدد من الصناعات فيها أو بجوارها، كصناعة الاسمنت، وصناعة الغزل والنسيج (رَ: النسيج، صناعة)، والمطاحن، ومعاصر الزيتون والعنب، ومصانع الثلج والخشب. والصابون والآلات الصناعية للخط الحديد الحجازي، وتجميع قطع المركبات، وانتهاء خط أنابيب شركة النفط العراقية. وبناء مصفاة النفط الكبيرة التي زودت دول الحلفاء في الشرقين الأدنى والأوسط بما تحتاج إليه من النفط خلال الحرب. وقد أصبحت حيفا مركز العمل والعمال في فلسطين، وأنشأ هؤلاء جمعية منظمة وصناديق توفير وجمعيات تعاونية (رَ: العمال والحركة العمالية).
قفزت حيفا بين الحربين العالميتين إلى مرتبة كبرى بين مدن الشرق الأوسط، واشتملت على الشوارع المنظمة النظيفة التي تصل بين مركز المدينة وضواحيها، وعلى المحلات التجارية والمخازن الكبيرة والمصانع. والفنادق والمساجد والكنائس والمدارس والمستشفيات. وكانت مباني المدينة ترتفع في أنحاء مختلفة من حيفا فتزيد في المرتبة العمرانية لهذه المدينة. وقد خططت المنطقة الممتدة من الركن الجنوبي الشرقي من الخليج البحري حتى مدينة عكا بحيث تشتمل على مناطق فرعية ذات وظائف متخصصة. ففي الجنوب أقيمت منطقة صناعية بالقرب من الميناء، وفي الوسط أنشئت منطقة سكنية ضمت بدءاً من عام 1930 مجموعة مستعمرات صهيونية. مثل “قريات حاييم وقريات موتسكين* وقريات يم*”، وفي الشمال خصصت الأراضي للزراعة. وأهم شوارع حيفا شارع الملوك (طوله 3 كم وعرضه 40م) ويضم معظم المؤسسات التجارية والحكومية. وفي الجبهة الغربية من المدينة شاطىء الخياط ووادي الجمال والكولونية الألمانية، وفي الجهة الشرقية شارع الناصرة، فمحطة توزيع الكهرباء. وبالانحراف إلى الشمال جسر وداي رشميا، ثم الكرمل حيث الأبنية الحديثة، وعند سفحه قبر البهاء عباس أفندي وهو من الأماكن السياحية الهامة. وفي نهاية الصعود دير مار الياس (الكرمليت) والفنار. وأما البلدة القديمة، وفيها المسجد الكبير والسوق والمحلات التجارية، فقد احتفلت بطابعها الشرقي.
تطور نمو سكان حيفا من 10.447 نسمة عام 1916 إلى 24.634 نسمة عام 1922، و50.483 نسمة عام 1931، و99.090 نسمة عام 1938، و138.300 نسمة عام 1945.
9) في ظل الاحتلال الإسرائيلي: هبط مجموع سكان حيفا في أواخر عام 1948 إلى 97.544 نسمة بسبب الاحتلال الإسرائيلي للمدينة وطرد السكان العرب منها، فأصبح اليهود يؤلفون بعد رحيل معظم العرب 96% من عدد سكان المدينة. وفي نهاية 1950 زاد عدد سكان حيفا بفعل تدفق المهاجرين اليهود للإقامة فيها فوصل إلى 140.000 نسمة. وأخذت المدينة تنمو باطراد بعدئذ. ففي عام 1952 كان عدد سكانها أكثر من 150.000 نسمة، وفي عام 1955 وصل إلى 158.700 نسمة، ثم زاد إلى 183.000 نسمة عام 1961، وإلى 209.900 نسمة عام 1967. ووصل إلى 225.800 نسمة عام 1973 وإلى 273.500 نسمة عام 2001.
واكب تطور النمو السكاني تطور النمو العمراني للمدينة، فهي تواصل امتدادها منذ الخمسينات حتى الوقت الحاضر على طول شاطىء البحر وفوق منحدرات جبل الكرمل وقمته. وقد زادت كثافة السكان والحركة التجارية في حي “هادار هاكرمل” فأصبح مركزاً لتجارة المفرق وللخدمات وللتسلية بعد أن التحم بقلب المدينة الذي يتحرك نحوه. وبقيت المدينة السفلى (حيفا القديمة) تمثل حي الأعمال المركزي بعد أن أجريت على مخططها الهندسي تعديلات كبيرة. وأخذت قمة الكرمل تستقبل جموع السكان الذين يتحركون للسكنى في الأعلى وأنشئت مشروعات إسكان ضخمة وظهر عدد من الضواحي الكبيرة مثل: “قريات اليعزر” على الساحل، و”روميما الجنوبية” على حافة الكرمل.
وتمتد المنطقة الصناعية فوق الأراضي الرملية المحاذية للخليج البحري حتى مدينة عكا، وتعد مدينة الصلب أهم مرافق المنطقة الصناعية. وتمتد الأحياء السكنية إلى الشرق من الخليج فوق قمم ومنحدرات الكرمل، ويتخلل هذه المباني السكنية متنزهات وأشجار ترصع الأودية والخوانق والجروف. وأما حيفا القديمة (السفلى) فتتوسع نحو الغرب والجنوب إلى منطقة ساحل الكرمل. فحيفا مدينة متطورة تمتد حالياً فوق الجانب الشمالي الغربي لجبل الكرمل، وفوق الحافة الشمالية لساحل الكرمل، وعلى الشريط الساحلي المحاذي للمنحدر الشمالي للكرمل. وعلى الشريط الساحلي المحاذي للمنحدر الشمالي للكرمل.ويتوسع العمران أيضاً نحو الطرف الجنوبي لخليج عكا. ونتج عن هذا التوسع زيادة مساحة المدينة من 54كم2 قبل عام 1948 إلى 181كم2 في عام 1980.
هـ- التركيب الوظيفي: تمارس حيفا وظائف كثيرة منذ مطلع القرن الحالي أهمها:
1) الوظيفة التجارية: ارتبطت الوظيفة التجارية بأهمية الموقع الجغرافي لحيفا بالنسبة إلى إقليمها الخاص، أو الأقاليم البعيدة. وتتصل المدينة بما حولها بأكثر من وسيلة للمواصلات، وترتبط شبكة شوارعها الداخلية المنظمة بشبكة الطرق والسكك الحديدية الخارجية. ويظهر أثر ذلك في زيادة حركة ميناء حيفا وازدهار الحركة التجارية للمدينة. وقد ساهم فرع خط سكة حديد الحجاز دمشق – حيفا في إجراء تحسينات كبيرة في الميناء فدخلت حيفا في عهد جديد وأصبح ميناؤها وسيلة لنقل البضائع المستوردة من الخارج إلى كثير من أجزاء فلسطين والأردن وسورية. وكذلك ساهم الميناء في تصدير كثير من منتجات فلسطين والأقطار العربية المجاورة، كالحمضيات، والقمح والنفط، إلى الخارج.
ويتصدر ميناء حيفا جميع الموانىء الفلسطينية لأهمية موقعه وموضعه من جهة، ولكثافة الحركة التجارية المرتفعة فيه. ففي عام 1936 مثلاً استورد عن طريق ميناء حيفا 756.722 طناً من البضائع مقابل 1.164.028 طناً من الصادرات. وتدر الواردات والصادرات على الميناء عائدات كبيرة وصلت قيمتها في عام 1939 إلى نحو 7.8 مليون جنيه فلسطيني من الواردات ونحو 2.9 مليون جنيه فلسطيني من الصادرات. ويعج الميناء بحركة دائبة للسفن التجارية. وقد وصل أعلى رقم لعدد السفن الداخلة إلى الميناء في عام 1942 نحو 8.000 سفينة ومثل هذا العدد للسفن الخارجة منه وبلغ مجموع حمولة كل من الداخلة والخارجة 1.4 مليون طن.
جذبت حيفا التجار من بعض المدن الفلسطينية والسورية والمصرية للعمل فيها. وشيدت المحلات التجارية التي تزين الشوارع الرئيسة والساحات الكبرى في المدينة، مثل شوارع اللنبي وستانتون واللورد بلرمر، وساحة الخمرة وساحة الجرينة. وأقيمت الأسواق التجارية التي تعرض فيها مختلف السلع كالسوق الأبيض وسوق الشوام وغيرهما. وكانت أسواق حيفا ملتقى كثير من سكان القرى العربية المحيطة بالمدينة يعرضون فيها منتجاتهم ويشترون ما يلزمهم منها. وتغير الوضع بعد عام 1947 فأصبحت حيفا مركزاً تسويقياً للمستعمرات الصهيونية المجاورة.
قامت (إسرائيل) بعد عام 1948 بتطوير ميناء حيفا، فتضاعف عدد الأرصفة والمنشآت فيه، وغدت المخازن تستوعب 75.000 طن. وفي عام 1954 أنشىء ميناء آخر متمم لميناء حيفا عند مصب نهر المقطع. وقد أجريت عليه تحسينات فأصبح يضم في عام 1964 حوضاً لبناء وإصلاح السفن، ورصيفاً عائماً، ومرسى لسفن الصيد. ومنذ أن منعت سلطات الاحتلال البواخر التجارية من الرسو في ميناء يافا عام 1965 أصبح ميناء حيفا أكبر موانىء الأرض المحتلة. وزادت حركة العمل فيه فأصبحت تعادل نحو 56% من مجموع حركة العمل في الموانىء.
بلغ مجموع السفن التي دخلت ميناء حيفا عام 1951 – عدا ناقلات النفط – 1.168 سفينة، في حين كان مجموع السفن التي دخلت موانىء فلسطين المحتلة تلك السنة 1.370 سفينة. وفي عام 1967 دخلت هذه الموانىء 2.372 سفينة منها 1.545 سفينة دخلت ميناء حيفا. وفي عام 1965 سجل ميناء حيفا رقماً قياسياً في عدد المسافرين عن طريقه إذ وصل إلى نحو ربع مليون مسافر.
2) الوظيفة الصناعية: بدأت حيفا تعيش نهضة صناعية منذ الثلاثينات حين أقامت إدارة المعارف في المدينة عام 1936 مدرسة صناعية تعلم عدداً من الحرف الفنية كالنجارة والبرادة والحدادة وإصلاح السيارات وغيرها. وقد تخرجت من هذه المدرسة مجموعات صناعية خبيرة، وبلغ عدد طلبتها عام 45/1946 نحو 69 طالباً.
وأنشئت في حيفا النقابات والجمعيات التعاونية التي ضمت أصحاب المهن. وقد استوعبت مصفاة شركة التكرير المتحدة كثيراً من العمال. وعمل آلاف العمال في قطاع النقل والمواصلات، ولا سيما في أعمال الميناء والسكك الحديدية والشاحنات.
تطورت الصناعة في حيفا بعد عام 1948 واستمرت في توسعها، ولا سيما داخل المنطقة الصناعية قرب الخليج البحري. وفي حيفا حالياً مصنعان لانتاج وتجميع السيارات، ومصانع لإنتاج المواد الكيمائية والبتروكيمائية والأسمدة العضوية المستخلصة من النفايات ومياه المجاري المنقاة (رَ: الصناعة). وفيها مركز صناعي لصناعة الطائرات، ومعهد التخنيون الذي يشرف على تخريج الخبرات الفنية عامة والصناعية خاصة. وتشتمل حيفا على مكاتب شركة السكك الحديدية التابعة للصهيونيين. وفيها شركة كهرباء وشركة سولل بونيه للمقاولات، وشركة زيم للملاحة، وشركات أخرى. وتساهم منطقة الميناء بتوفير عمل لنحو عشر سكان المدينة، وتساهم الصناعات في إيجاد فرص عمل للكثير من العمال.
3) الوظيفة الإدارية: أصبحت حيفا مركزاً لقضاء حيفا منذ أواخر القرن التاسع عشر عندما تم تعيين “قائمقام” للقضاء. وتألف قضاء حيفا عام 1899م عن مدينة حيفا وناحية وقيسارية و62 قرية. وفي أثناء الحرب العالمية الأولى كان قضاء حيفا يتألف من 3 نواح و84 قرية. وفي عام 1945 ضم القضاء 52 قرية و14 عشيرة. بلغت مساحة القضاء آنذاك 1.031 كم2 امتلك الصهيونيين منها 364كم2، أي 35.3% من مجموع مساحة القضاء. وبلغ مجموع سكان القضاء 224.630 نسمة، منهم 104.510 صهيونيين، أي أن نسبة الصهيونيين في أواخر عهد الانتداب كانت 46.5% من مجموع سكان القضاء. وقد احتفظت حيفا بعد الاحتلال الصهيوني بمكانتها كمركز إداري لمقاطعة حيفا التي أصبح معظم سكانها صهيونيين بعد طرد العرب سكانها الأصليين منها.
4) الوظيفة الزراعية: تعد هذه الوظيفة ثانوية بالنسبة إلى وظائف حيفا الأخرى، فالمدينة تجارية وصناعية أساساً بالرغم من أنها تمتد في وسط زراعي يتفاوت في خصائصه بين الزراعة الجبلية والسهلية. وتشغل الغابات الطبيعية مساحة واسعة من الأرض الزراعية حول حيفا، وبخاصة فوق جبل الكرمل. ولا شك في أن وجود الغابات الجبلية المطلة على شاطىء البحر المتوسط يجعل من منطقة حيفا بيئة سياحية جاذبة.
وفي عام 1943 بلغ مجموع إنتاج قرى قضاء حيفا العربية من القمح* 4.392 طناً، في حين أنتجت المستعمرات الصهيونية في القضاء 1.863 طناً. وقد أنتجت هذه القرى العربية في ذلك العام من الزيتون* 3.900 طن، ومن الخضر 13.310 أطنان، ومن الفواكه، عدا الحمضيات، 436 طناً.
وتسود حالياً في حيفا زراعة الاشجار بالإضافة إلى الخضر* التي تجد سوقاً رائجة لها في مدينة حيفا.

WhatsApp Image 2020-07-29 at 10.00.50 AM
WhatsApp Image 2020-07-29 at 10.00.50 AM (1)
WhatsApp Image 2020-07-29 at 10.00.49 AM
WhatsApp Image 2020-07-29 at 10.00.49 AM (1)