Menu
21:11"الخارجية": تسجيل 99 إصابة جديدة بفيروس "كورونا" في صفوف جالياتنا
21:08"الصحة" بغزة تصدر بيانًا بشأن ازدياد أعداد الإصابات بكورونا
21:06حماس تعقب على إعلان وزير الخارجية الأمريكي بخصوص الأمريكيين المولودين في القدس
21:05واشنطن تصدر أمرا يخص الأمريكيين المولودين في القدس
20:00جيش الاحتلال ينهي مناورات واسعة تحاكي حربًا متعددة الجبهات
19:57"الأوقاف" بغزة تقرر إغلاق 4 مساجد بمحافظتي الوسطى والشمال
19:55إدخال المنحة القطرية لقطاع غزة عبر حاجز "ايرز"
19:54السعودية تسمح بقدوم المعتمرين من الخارج بدءا من الأحد
19:50قيادي بـ"الديمقراطية" يتساءل: ماذا بعد جولات الحوار الأخيرة؟.. وإلى أين؟
19:49نتنياهو يعلق على قرار بيع الولايات المتحدة 50 مقاتلة "إف 35" للإمارات
19:48اسرائيل تبعث رسالة للرئيس عباس عبر ايطاليا.. إليك تفاصيلها
19:46رئيس الوزراء: سنرفع نسبة صرف الرواتب خلال الاشهر المقبلة.. وهذا ما طلبناه من البنوك بشأن الخصومات
12:19محكمة الاحتلال ترفض الإفراج عن الأخرس
12:13المالكي : دعوة الرئيس بمثابة المحاولة الاخيرة لإثبات التزامنا بالسلام
12:10الاردن يعيد فتح المعابر مع فلسطين بعد اغلاق استمر لأشهر

في يوم الأسير الفلسطيني

يعيش السجين على فكرة التوقع .. ويتنفس الرؤى والأحلام .

الأحلام يا سيدي خطيرة في السجن فهي التي تبقيك على نافذة الأمل .. ربما لبضع سنين كما جرى مع يوسف .. قد تبدو مثل حبل ضعيف .. لابأس فهي الخيط الوحيد الذي ينتشلك من فراغ البئر! 

ترى من الذي يفهم كيف يعيش السجين .. كيف يعد خطواته ويحفظ يومه ويسمع صوت الساعة وهي تدق في عمره! كيف يتلقى النهار كل يوم دون ألوان .. دون شمس .. ودون صوت الصباح! 


هل جربت أن تعيش الليل والنهار خارج الطبيعة .. خارج فطرة الحياة .. أن تضبط يومك بالساعة وليس بتموجات الشمس وألوان الشفق وسكون الغسق! 

هل تعرف كيف تصبح حياة أمك وأبيك وحبيبة القلب خبرا على ورقة عبر الصليب الأحمر .. أو خبرا جافا ليس فيه لغة العيون ولا دفء الأيدي الحميمة ..

كيف تنتظر عمرك كي ينتهي لأن باب الزنزانة له موعد مع انقضاء ٢٠ أو ٣٠ عاما من بقية شبابك.. من يُحصي نهايته إلا السجين ! .. من يظل حبيس أسراره وتفاصيل الوجع .. هل تدري أن للحزن مدة صلاحية! ثم بعد ذلك لا تصبح صالحة للاستهلاك والحديث! تصبح ثقيلة في العمق تعجز عن اجترارها او سحبها وتموت بها ! 

الحزن مثل الفرح يجب أن نلتهمه طريا أو يصبح قطعة باردة يرفض الآخرون الاستماع لها ولا تعرف أنت كيف تحييها فقد تكلست فيك! 

الحزن مثل قطرات الماء يحفرنا بهدوء ثم يبقى شاهدا في دواخلنا على كل اللحظات التي كانت رمادية .. ولا يتركنا إلا ونحن جزء منه .. جزء من صمته .. لا أدري لماذا نصمت في الأحزان ونثرثر كثيرا في الفرح ! 

هل لأن الحزن أكبر من أن تصفه اللغة والفرح أقرب الى سذاجة اللغة !

يهرول السجين بين نفسه ونفسه وحين يغادر السجن يكتشف كم كان مبتورا لأعوام طويلة عن أشياء يحتاج أن يعود طفلا أو شابا كي يعرف كيف يتذوقها .. لا شيء يرد على السجين صوت اليمام في نهار كانت فيه أمه بعافية! 


لا شيء يرد على السجين طعم الحب في تفتقه واندهاشة اللحظة الدافئة .. لا شيء يرد عليه عصف الحياة في فورة الأفكار والأمنيات .. لا شيء يرد على السجين صوت التاريخ الذي يسردونه له كل مساء عن حكايات مضت دون أن يسجل فيها حضورا .. مضت بدونه تماماً .. مضت بكل حمولتها وغادرته دون أن تمنحه حقه الطبيعي أن يكون فيها إنسانا! 

كيف ترى عينه وجه حبيبته .. كيف هجمت كل تلك التجاعيد على جبينها .. كيف انطفأت عيناها .. وكيف أصبحت مشيتها ثقيلة إلى حد تشعرك بأنها ذات يوم سافرت في الحزن كثيرا.

يتحسس السجين نفسه كل يوم .. فلا أحد يدرك كيف تعمل الزنزانة في القوى مثل السجين .. كيف تلتهمه وتتناوله بالهوينا .. يتعارك مع زنزانته وينتصر عليها لكنها تملك مفتاح القيد.. تسخر منه وتشعل آلامه وتظل في دهاء هي الأقرب إليه! 

ستظل الزنزانة كلمات مبهمة حتى يسجلها جسد السجين عبر نبضه اليومي .. عبر حوارات الوجع .. وعبر إيقاع الزمن فيه ..


وهيهات هيهات .. ترى لماذا تبقى بعض التجارب في الأرض قصية عن الصورة .. بعيدة في الصمت .. كأنها قطعة من العذاب الذي لا يمكن تفسيره إلا ساعة الجزاء! 

الأسرى .. كيف يتماسك الأسرى؟! ... هل تراهم مثل السائرون على الصراط يتوازنون بأعمال الروح .. يتوازنون بأمر خفي ليس من معاني البشر .. يتوازنون بما لا نرى .. ربما لأنهم يملكون دوننا ما لا يرى!

أكثر ما يعذب السجين هو انتهاك خصوصيته .. إذ لا مساحة خاصة له .. لا مساحة كي يمارس طقسه الشخصي دون كاميرات وإضاءة وحشود تمتلأ بها الأمتار التي يقيم فيها .. الإنسان كائن معقد، فكيف يجعلون منه كائنا مبسطا!.. كائنا بلا أشواق وبلا دموع أو حاجات يسترها عن العين العامة .. 

في فطرة الإنسان رغبة دفينة في حماية جسده، رغبة تتحرك بلا وعي مسبق مثل مشهد آدم وحواء.

كان آدم رمزا للسلوك الجديد .. سلوك الخصوصية والستر وامتلاك السياج الذاتي .. وكان الاحتلال في السجون أشبه بالشيطان الذي يمضي في إبراز العورات. صدقني لا أحد يرغب باكتشافه تماماً! لا أحد يقبل استباحة عوراته  .. والعورة تبدأ جسدية وتنتهي نفسية كلما ترقينا بالعلم .

تبدأ غليظة لكنها تعلو حتى تصبح دمعتك عورة .. وآهاتك عورة .. وحواراتك الداخلية عورة ...
تود لو تحتوي كل نقط الضعف فيك .. تود لو تلقي بكل ورق الدنيا على تفاصيلك الخاصة .. إن آدم في لحظة لا شعورية كاد أن يغطي نفسه بكل ورق الجنة!  

نحن نرتاح في لحظة امتلاك أجسادنا والسيطرة على عالمنا الشخصي .. ونقلق وربما نشعر بالقهر إذا كان كل شيء فينا ملقى للعيان كأننا شجرة يعريها الخريف ورقة ورقة! 

يتحرك الاحتلال بخبث وينتزع أوراقك ويبقيك في زمن ما قبل آدم .. في زمن التجرد المادي .. يشعل السجن نورا ويحشرك مع أرقام بشرية تسمع صوت ثرثرة الأحلام وقرقرة أمعائك .. ربما تود لو تقضم وسادتك شوقا لزوجتك لكن صوت وجعك مباح فتقضمه ويشتد عليك الأنين.

كيف يحتمي الأسير من الوساوس إذا هجمت عليه .. كيف تحتمي القشة من العواصف السوداء .. وكيف تظهر فجأة في ليلة واحدة ولا تغادر إلا وقد تركته هشيما .. ومن يرغب أن تطالعه العيون وهو يلم حطامه! 

ربما تشتهي لو تبكي وحدك .. لو تصرخ بكلمات تفهمها أنت .. وربما تذبل أو تتراقص مثل ذبالة تحترق .. ربما تحب وتكره وتضعف وتسمو وتود لو أن أحدا لا يراك وأنت تكبو .. ما أخبث الاحتلال إذ يدعنا سجلا مفتوحا ودفترا ليس فيه سطرا مخفيا .. فينتهكنا ويكسر قوتنا إذ يظهر كل مواطن ضعفنا دون ورقة واحدة نختبئ خلفها! 

يهرع السجين إلى عقله .. ويتشبث بروحه فتلك التي سينتصر فيها على إرادة السجان . كل الأسرى العظماء في كل العالم كانوا دوما يحاربون في مساحة ضيقة .. في الكتاب .. هل انتبهت لماذا.

الكتاب مكان تتحرك فيه كما تشاء .. تصرخ في داخلك للحظة امتلاك الحقيقة التي لا يتذوقها سواك . تبتهج روحك لسطر من الجمال فلا يرى أحد روحك وهي تنتشي فرحا . تغيب بعيدا في عوالم الفكر فلا يقدر غيرك أن يعد خطواتك ومدى المسافات التي انتعلتها في السمو والارتفاع . 

تشعر بذاتك وهي تنمو ومعاني عقلك وهي تتسع، ويظل السجان عاجزا في تلك الساعة عن أن يتناولك بالحصار . تتماهى مع حكاية حب أو تجربة عشق وتغمض عيناك فلا يمتلك المشهد سواك . تمتلك الكتاب وتلك هنيهة من الامتلاك اللذيذ والتسامي عن القضبان .. أو ربما هي ساعة التوقيع على ابتداء توقيت الحرية!