Menu
12:19محكمة الاحتلال ترفض الإفراج عن الأخرس
12:13المالكي : دعوة الرئيس بمثابة المحاولة الاخيرة لإثبات التزامنا بالسلام
12:10الاردن يعيد فتح المعابر مع فلسطين بعد اغلاق استمر لأشهر
12:07الخارطة الوبائية لـ"كورونا" بالقطاع
12:05"إسرائيل": التطبيع مع السودان ضربة لحماس وايران
12:02"اسرائيل " علينا الاستعداد لما بعد ترامب
12:01الاحتلال يقتحم البيرة ويخطر بإخلاء مقر مركزية الإسعاف والطوارئ
11:59"الاقتصاد" بغزة تجتمع بأصحاب شركات مستوردي فرش الغاز
11:51«الديمقراطية»: سيقف قادة الاحتلال خلف قضبان العدالة الدولية
11:51الوعى الاستثنائى فى فكر  د.فتحى الشقاقى
11:47قيادي بحماس يتحدث عن "أهمية رسالة السنوار لرموز المجتمع"
11:45مستوطنون يقتحمون قبر يوسف بنابلس
11:40مقتل سيدة ورجل بالرصاص في باقة الغربية واللد
11:28الإمارات تسرق "خمر الجولان" السوري وتنصر "إسرائيل" ضد BDS
11:26صحيفة: تفاهمات بين القاهرة وحماس حول آلية جديدة لعمل معبر رفح
حسام شاكر

حسام شاكر يكتب: أوروبا والربيع العربي بعد سنوات خمس

في 17 ديسمبر 2010 أضرم شاب يائس النار في جسده، بعد أن أهانته الشرطة ومنعت البائع المتجول من كسب رزقه الشحيح. فارق محمد البوعزيزي الحياة بعد أيام ولم يعلم أنه أشعل غضب شعبه التونسي حتى أسقط الرئيس الطاغية بعد أقل من شهر. فرّ بن علي مرتعداً وهو يسمع هتاف شعبه بالكلمة الفرنسية الفجّة "ديغاج" (ارحل!).

مكث زين العابدين بن علي في رئاسة تونس قرابة ربع قرن مستعيناً بنظام بوليسي فائق القسوة، ولكنه حظي طوال ذلك في أوروبا بالمديح السياسي وبسمعة جيدة في وسائل الإعلام، فقد أدار علاقات عامة مارست التضليل على نطاق واسع ورأت فيه أوروبا شريكاً موثوقاً دون أن تأبه بإرادة شعبه.  

ورغم وفرة تقارير حقوق الإنسان المستقلة عن القمع والتعذيب وتكميم الأفواه في عهد بن علي؛ فإنّ صورته بقيت ناصعة إلى حد كبير في التغطيات الإعلامية الأوروبية، وظلّ يحظى باستقبالات رسمية دافئة في عواصم أوروبا. كما لم تفلح بعض التحقيقات الجريئة التي صدرت في الخارج خلال سنوات حكمه الأخيرة في تبديد الانطباع السائد بأنه رئيس مثالي للعالم العربي.

وحتى عندما انتفض الشعب التونسي ضد نظام الاستبداد طوال أسابيع عدة؛ ظلّ صعباً على السياسيين والإعلاميين في أوروبا أن يوجهوا انتقادات واضحة لنظام الحكم ورئيسه المستبد الذي حظي بالثناء المزمن. وعجزت العناوين العريضة في التغطيات والتعليقات الأوروبية عن استعمال وصف طاغية بحق بن علي إلاّ في الساعات الأخيرة من حكمه، أي عندما تأكد الجميع أنه انتهى بالفعل.

في 14 يناير 2011 احتفل التونسيون بنجاحهم الباهر في الإطاحة بالرئيس المستبد، الذي كان يرجو لو يبقى في الحكم قرناً كاملاً مستعيناً بشبكته العائلية التي أمسكت بمفاصل البلاد الاقتصادية بوسائل المافيا.

صفّق العالم لشعب تونس فجأة، واحتلت صور الجماهير التونسية الأغلفة الأوروبية على مدى أسابيع، وتحدث السياسيون والمعلقون في أوروبا، أخيراً، عن بشاعة حكم الطاغية. اعترف المسؤولون الأوروبيون وقتها علناً بأنّ سياساتهم الخارجية أخطأت بتفضيل أنظمة حماية المصالح الغربية في العالم العربي على مراعاة الالتزام بمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان وإرادة الشعوب. 

لكن ما الذي حدث بعد ذلك؟ امتدت جولة التصفيق الأوروبية لربيع الديمقراطية العربي قرابة عامين، ثم عادت نبرة التواطؤ مع الحكام الطغاة من جديد. ويتضح اليوم أيضاً أنه لا قيمة عملية لتقارير حقوق الإنسان الوفيرة والتحقيقات المستقلة عن انتهاكات مريعة تقترفها أنظمة الانقضاض على الديمقراطية. ورغم أنّ سفارات أوروبا شاهدت الفظائع الجديدة عن كثب، وتابعت كيف تم سحق الجماهير وإبادتها في الميادين؛ إلاّ أنّ هواية الترحيب بالحاكم الطاغية على البساط الأحمر عادت من جديد.

على الجميع اليوم أن ينسى كل الشعارات والمبادرات والاستراتيجيات الجميلة التي أطلقها السياسيون الأوروبيون خلال موسم الاحتفاء بالربيع العربي. فمن يذكر اليوم "سياسة الجوار الأوروبية الجديدة" التي أعلنتها السيدة كاثرين آشتون في مايو 2011، أو "الشراكة من أجل الديمقراطية والتشارك في الرفاه في جنوب المتوسط" التي أعلنتها مفوضية الاتحاد الأوروبي في مارس 2011، أو مبادرات "دعم الديمقراطية الناشئة" في العالم العربي، أو حتى النسخة الجديدة من "الشراكة الأوروبية المتوسطية" التي أعيد إنتاجها في حضرة "الربيع العربي"؟! 

الحقيقة هي أنه تم دوْس الديمقراطية وسحقها، وتم استعمال كم كبير من الذرائع لإتمام هذه العملية القاسية التي ما كانت لتتم لولا أنها ضمنت مسبقاً حصانة أوروبية من الانتقاد الجادّ أو المعاقبة. فلا جدال بأنّ أوروبا السياسية ومعظم التغطيات الإعلامية والتعليقات تجنّبت استنكار ما جرى بدءاً من سنة 2013، واختارت صرف النظر عن هذا التدهور الحادّ في الجوار العربي. فقد تمت إعادة إنتاج الاستبداد والطغيان بصور بالغة القسوة وجرى رفع منسوب الفظائع إلى حدّ اقتراف مجازر جماعية مروِّعة في الميادين بحقّ المتظاهرين والمعتصمين السلميِّين. واستعان الطغيان الجديد بحملات علاقات عامة تم الإنفاق عليها بسخاء لتضليل أوروبا والعالم.

لا يمكن لأوروبا كأحد أطراف النفوذ الدولي، أن تتنصّل من المسؤولية عن إمكانية التأثير في بعض التطوّرات في جوارها الجنوبي. إنّ عليها مسؤوليّات والتزامات؛ ولا مجال للحيرة عندما تقوم المفاضلة بين الديمقراطية والاستبداد العسكري، أو بين الحرية ونقيضها، أو بين كرامة البشر والتنكيل بهم. 

يدفع بعضهم بالقول إنّ السياسات الخارجية الأوروبية لا تعمل لنشر الديمقراطية أساساً؛ بل بمنطق المصالح والأمن القومي، وكأنّ الالتزام الأوروبي بدعم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان لا قيمة له في ساعة الاختبار. حسناً؛ علينا التذكير بأنّ أنظمة الاستبداد والفساد هي التي أنتجت القنابل الاجتماعية والاقتصادية الموقوتة، وهي التي تعجز عن توفير فرص العمل لملايين الشبان من مواطنيها كلّ سنة، وهي التي نزعت الأمل من عيونهم وأوجدت البيئة الحاضنة لثقافة التطرّف والعنف، وهي التي تدفع الأجيال العربية إلى خيارات عمياء مثل الغرق في البحر المتوسط أو الوقوع في قبضة دعاية "داعش".