قال الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، كلاماً كثيراً وثقيلاً، عن حركة حماس، الأسبوع الماضي في القاهرة، ومن أسفٍ، أنه اختار منابر مصرية وعربية، ليبث تلويحه بتحلله من المصالحة مع الحركة الإسلامية، غير أَن ما قاله، وما كان ينوي أن يقوله لولا أَن طُلب منه التوقف عن استرساله ذاك، أمام وزراء الخارجية العرب في جامعة الدول العربية، في مطرح، وقوله إن الذين قتلوا من حركة فتح في العدوان الإسرائيلي على غزة 861 شهيداً، فيما هم 50 من حماس. جاء كلامه الشديد البؤس هذا في معرض تعييره "خصومَه" في حماس، ومباهاته بفتح، فمن يقتل منهم العدو أكثر أفضل من أصحاب العدد الأقل من الشهداء. وأوجه العجب في هذا المنطق المستنكر، وفيرة. أولها أن محمود عباس، وليس غيره، من يقوله، إذ ليس معهوداً منه ولعه بالشهداء، ولا نتذكر أنه صبيحة يوم عيد، أو غيره، زار منازل شهداء فلسطينيين مواسياً ومتعاطفاً. ومبعث الاستهجان الأكثر لهذا الكلام الرديء أن موقع عباس يفترض منه ترفعاً عن هذه اللغة الفصائلية الغريبة، فالرجل رئيس الفلسطينيين، الأمر الذي يُلزمه بأن لا يمايز بين فلسطينيٍّ وآخر، ولا بين شهيد وآخر.
الأكثر مدعاة للغضب في الذي جهر به الرئيس عباس أمام الوزراء العرب، هذه الاحتفائية بالموت، والتي لم يعد لائقاً بالفلسطينيين أن يتداولوا فيها بمثل ذلك الزهو الذي كان في مراحل مضت. العالم، ومنه إسرائيل للأسف، سينتقص من قيمة شعب يفتخر بكثرة من يقتلهم عدوه من أبنائه. سيكون هذا الشعب في أعين أمم أخرى مدعاةً لدرس حالته الغريبة هذه. وهنا، نضطر إلى القول للرئيس عباس إن خسارة الشعب الفلسطيني ثقيلةٌ بفقده كل الذين قضوا في كل الاعتداءات الإسرائيلية، مدنيين ومقاتلين، فتحاويين وحماسيين وغيرهم. والأوجب أن يتم إشهاره، أن الفلسطينيين لا يقاتلون عدوهم المحتل إلا لأنهم محبون للحياة، وللفرح، وللعيش الكريم، هم يستحقون أن ينعموا بكل هناءة بال، لا أن نفضل الميت منهم على الحي، فإجلال الشهيد في مكانة عليا، في ثقافتنا عموماً، لا يجوز لها أن تصرفنا إلى التبخيس، ولو مقدار ذرة، من حق كل فلسطيني في الحياة.
كان معيباً إلى حد السخف أن يرمي مأفونون، فلسطينيون ومصريون وغيرهم، قادة حماس وفصائل المقاومة، السياسيين منهم خصوصاً، بكلامٍ ينتقص من وطنيتهم ورجولتهم، حين يختفون في مطارح غير معلومة في أَثناء العدوان، وكأن المطلوب منهم أن يتمختروا في الشوارع، بانتظار راجمات العدوان، ليقضوا شهداء، فيستحقوا ثناء أولئك المنبطحين أمام شاشات التلفزيون. وكان يمكن عدم أخذ تلك الثرثرة على محمل الجد، لو أنها لا تتسق مع الحملة الشديدة التي يشنها الرئيس عباس على حماس وقياداتها، واتهامها بالصحيح وغير الصحيح، وأمام الإعلام المصري تحديداً (؟). وكان منتظراً، بل مطلوباً، من سيادته أن يصارح شعبه بكل ما لديه على حماس وغيرها، بمكاشفةٍ مباشرة، في اجتماعات مع قطاعات شبابية مثلاً، بدل أن يجد نفسه مطالباً من سكرتاريا الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالتوقف عن استرسال كان مستغرقاً فيه.
كم كانت ستكون قفزةً إلى ذرى المسؤولية الوطنية العالية، لو أن عباس باغتنا، بوصول موكبه إلى قطاع غزة، بعدما أوقف العدوان، ومعه رئيس الحكومة الفلسطينية والوزراء. لو أنه زار الشجاعية وخزاعة وعبسان مثلاً، وترأس اجتماعاً للحكومة في مخيم الشاطئ. ساعتها، إذا صح أن حماس تهيئ انقلاباً، وأنها تقيم حكومة ظل في غزة، ستخفق في تدبيرها هذا.
حزمةٌ من الأخطاء والكوارث في الأداء والخطاب، بادر إليها الرئيس محمود عباس، بعد أن بدأ بنو جلدته من أهل قطاع غزة يلتقطون بعض أنفاسهم، أخطرها تلك المفاضلة في عدد الشهداء من حماس ومن فتح. كانت بؤساً مهولاً. - See more at: http://www.alaraby.co.uk/opinion/cc336772-23fd-404a-9ba2-20a4517528ba#sthash.pHmtDdUb.dpuf