Menu
12:19محكمة الاحتلال ترفض الإفراج عن الأخرس
12:13المالكي : دعوة الرئيس بمثابة المحاولة الاخيرة لإثبات التزامنا بالسلام
12:10الاردن يعيد فتح المعابر مع فلسطين بعد اغلاق استمر لأشهر
12:07الخارطة الوبائية لـ"كورونا" بالقطاع
12:05"إسرائيل": التطبيع مع السودان ضربة لحماس وايران
12:02"اسرائيل " علينا الاستعداد لما بعد ترامب
12:01الاحتلال يقتحم البيرة ويخطر بإخلاء مقر مركزية الإسعاف والطوارئ
11:59"الاقتصاد" بغزة تجتمع بأصحاب شركات مستوردي فرش الغاز
11:51«الديمقراطية»: سيقف قادة الاحتلال خلف قضبان العدالة الدولية
11:51الوعى الاستثنائى فى فكر  د.فتحى الشقاقى
11:47قيادي بحماس يتحدث عن "أهمية رسالة السنوار لرموز المجتمع"
11:45مستوطنون يقتحمون قبر يوسف بنابلس
11:40مقتل سيدة ورجل بالرصاص في باقة الغربية واللد
11:28الإمارات تسرق "خمر الجولان" السوري وتنصر "إسرائيل" ضد BDS
11:26صحيفة: تفاهمات بين القاهرة وحماس حول آلية جديدة لعمل معبر رفح

أنس الفيتوري يكتب : نصر الثوار والمشروع السياسي في ليبيا

يعطي فهم المقدمات، وإعادة النظر في منطلقات القوى السياسية والعسكرية في ليبيا، المتأمل فرصة أكبر لتقدير اتجاهات تطور الأحداث في الفترة المقبلة. فبالعودة قليلاً إلى الوراء، نجد أن ثوار بنغازي فاجأوا مراقبي المشهد الليبي بقدراتهم العسكرية ومباغتة مواقع خصومهم، فبعد أن أطلق اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، عملية الكرامة، استطاع الثوار، في فترة وجيزة، توجيه ضربات موجعة لقواته، وألحقوا به هزائم عسكرية متتالية عقب الهجوم الأول الذي شنه اللواء على بنغازي، نهاية مايو/أيار الماضي.

وفي تطور لافت، وخلافاً لكل التوقعات، استطاع ثوار بنغازي السيطرة على معسكرات القوات الخاصة (الصاعقة)، وأغلب معسكرات الجيش في 23 من يوليو/تموز، من خلال عمليات نوعية، لم تكلف الثوار أي خسائر تذكر. فأضحى حفتر في مأزق كبير، في ظل انهيار المعسكرات داخل بنغازي، الواحد تلو الآخر، وبذلك، فقدت قوات حفتر قوة عسكرية، كان يعول عليها للانقضاض على الثوار من داخل المدينة.

لا غرو أن تقدم الثوار في بنغازي انعكس إيجابياً على العمليات العسكرية في محيط مطار طرابلس، بقيادة صلاح بادي، قبل أن تلحق به قوات درع الوسطى والغربية، والتي كان دخولهما في المعركة عنصراً حاسماً لإنهاء الصراع على المواقع الاستراتيجية، في طريق المطار، والمدخل الغربي لمدينة طرابلس.

(1)

لم يكن أمام المجتمعين في طبرق، بعد الهزائم العسكرية التي منيت بها القوات الموالية للكرامة، سوى اتخاذ قرارات تصعيدية غير مدروسة، منها وسم تشكيلات الثوار بالمنظمات الإرهابية، فلقد انهارت المنظومة العسكرية للتحالف التي استغرق بناؤها أكثر من عامين، في سبيل أن تحكم السيطرة على العاصمة طرابلس في ساعة حاسمة، كان يخطط لها.

ويعود الارتباك السياسي للتحالف والفيدراليين إلى أن الأجواء كانت مهيأة لتلك الساعة، ولم يطرأ عليها تغيير، حتى بعد دخول قوات درع الوسطى إلى العاصمة، لتأمين المؤتمر، عقب حادثة الهجوم عليه من كتائب القعقاع في 18 مايو/أيار الماضي، فقد نجحت الدبلوماسية الشعبية للتحالف، وسياسات الاحتواء في تحييد قوات درع الوسطى، وإقناع قادتها بعدم جدوى التدخل في الشأن السياسي. لكن، ما لبث أن تراجع درع الوسطى عن موقفه الحيادي، ليلتحق بقوات قسورة، بعد تطورات الأحداث في بنغازي، وسقوط شهداء في معركة المطار في طرابلس نهاية شهر يوليو/تموز الماضي. وكان المخطط العسكري للتحالف يستهدف تحريك قوات القعقاع والصواعق بغطاء من وزارة الداخلية، ليسبق أي تطورات عسكرية لعملية قسورة، فقد كان هناك تنسيق مسبق مع حكومة عبد الله الثني، في تلك الفترة، لنشر قوات في كل أرجاء العاصمة، بحسب خطة أمنية وعسكرية، أعلن عنها في بداية يوليو.

(2)

برهن ثوار عمليتي قسورة ومجلس شورى ثوار بنغازي عن نضج عسكري كبير، في مقابل ترسانة عسكرية، وتجهيزات خاصة لقوات الصواعق والقعقاع وقوات حفتر، واستخدم في الحرب على ثوار بنغازي سلاح الجو، وفي طرابلس، تدخلت مقاتلات إماراتية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وهذا التفوق العسكري لم يقابله أداء سياسي يستثمر الهزائم التي منيت بها قوات "الكرامة"، أو القوات الموالية لها من كتائب الصواعق والقعقاع وقبائل ورشفانة. إذ لا يكفي لتحقيق الأهداف الكلية إحراز نتائج عسكرية فقط، فاستثمار الانتصار في الحرب، حسب التجربة التاريخية، يكون بالقدرة على تحقيق الأهداف من جهة، وكيفية ترجمة الفعل العسكري إلى نتائج سياسية، من جهة أخرى، كما قالها أحد الكتاب بعد الحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة.

تأخر الثوار في بلورة رؤية سياسية، أو تحديد اتجاهات، يرجع إلى عدم مواكبة العمل السياسي للانتصارات العسكرية، ووجود فجوة بين السياسيين من جهة، والثوار من جهة أخرى. إذ أدت سياسات المرحلة السابقة (المجلس الانتقالي وحكومة عبد الرحيم الكيب إلى المؤتمر الوطني وحكومة علي زيدان) إلى إقصاء الثوار عسكرياً وأمنياً وشيطنتهم إعلامياً، وتمكين الدولة العميقة من العمل في مؤسسات المنظومة السابقة القانونية والتنفيذية.

أضف إلى ذلك، تأخر ثوار بنغازي وفجر ليبيا عن تحديد أهداف واضحة للعمليات العسكرية، تمهد الطريق للسياسيين، لتحديد أولويات المرحلة، ووضع استراتيجيات مناسبة. فالأول اقتصر خطابه على إسقاط مشروع "الكرامة" بمرجعية جهادية بحتة، مع غياب الحديث عن الأهداف السياسية للعملية العسكرية، ورؤيتهم للمستقبل إلا من رؤية مقتضبة، نشرها أحد مواقع أنصار الشريعة الإلكترونية، لم تقدم تفاصيل تذكر، بل عبرت بشكل أكبر عن منطلقات الجماعة، ومحددات رؤيتها المستقبلية.

وأما الثاني، فقد ارتكز خطابه على انتهاكات الصواعق والقعقاع والمدني في العاصمة، وهيمنتهم على القرار السياسي والتنفيذي، وإهدارهم موارد الدولة.

(3)

لا يمكن إغفال أن تطورات الأحداث في ليبيا جاءت في وقت تشهد فيه غزة حرباً مع الكيان الصهيوني، وفي الوقت نفسه تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في محافظات عدة في العراق، وسط ذهول عالمي لسرعة التنظيم وقدراته على الانقضاض والحسم. وفي أقصى الشمال الشرقي، تفرض سياسات القوة لروسيا واقعاً جديداً من خلال تدخلها في أوكرانيا. وأتاح هذا الواقع الإقليمي والدولي فرصة للثوار، بتوجيه ضربة سريعة ومباغتة لمخططات الإقصاء التي انتهجتها قوى إقليمية (مصر والإمارات)، استهدفت القضاء على الثورة، وإرجاعها إلى المربع الأول.

وعلى الرغم من أن الدول السبع طالبت بعدم التدخل في الشأن الداخلي في بيان مشترك، صدر في قمة مجموعة السبع في بروكسل في 5 يونيو/حزيران الماضي، إلا أن تلك الدول لم تعترض على الضربات الجوية التي نفذتها مقاتلات إماراتية من قواعد مصرية، بحسب تصريحات صدرت عن وزارة الخارجية الأميركية. ويشير السياق التاريخي لتطور الأحداث في ليبيا إلى عدم التدخل المباشر في الشأن الليبي، وإفساح المجال للأطراف الخليجية والعسكر في مصر، بالتدخل مع بعثة الأمم المتحدة، المنحازة بشكل أو بآخر، للتحالف وكتائب القعقاع والصواعق، وقد غضت البعثة الطرف عن عملية الكرامة بعد الإعلان عنها.

ولعل التقرير الأخير الذي نشرته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن انتهاكات حقوق الإنسان، أوضح مدى ذلك الانحياز، فكان التقرير موجهاً بشكل كامل لإدانة الثوار، وتحميلهم مسؤولية الانتهاكات التي جرت في الفترة الماضية، من غير أي تحقيقات أو استقصاء منهجي، ينفي شبهة الانحياز.

(4)

ويبدو مشروع التحالف أكثر وضوحاً، لأنه يقوم على استعادة المنظومة السابقة، وسيعمل التحالف والتيار الفيدرالي على استراتيجيات لتحقيق رؤيته السياسية التي تهدف إلى القضاء على الثوار في بنغازي، وتدجين ثوار المنطقة الغربية، وذلك بإدماجهم في أجهزة الدولة التقليدية في المرحلة الأولى، وإقصائهم في مراحل لاحقة.

ليست هذه رؤية خاصة بالتحالف، أو التيار الفيدرالي، بل هو توجه إقليمي، تقوده الإمارات، عبر وكلاء محليين لاسترجاع زمام السلطة، واحتكار أدوات القهر، حسب النموذج التاريخي لدولة ما بعد الاستعمار (الدولة الأمنية والعسكرية)، والتي تعرضت إلى هزات عنيفة، مطلع العشرية الثانية من هذا القرن بعد ثورة تونس.

وعلى الرغم من محاربة الدولة الأيدولوجيات، والتضييق عليها، إلا أنها تقوم بالأساس على أيدولوجيا تشرع للاستبداد بدعوى القضاء على "الإرهاب"، وقد سوغت هذه الأيدولوجيا للأنظمة العربية استمرار وجودها، في ظل عجزها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي.

(5)

ما يدعو للقلق على مسارات الثورة في المرحلة المقبلة استبدال فكرة تكوين المنظومة الجديدة بإصلاح المنظومة السابقة، والعمل بأدواتها القديمة، والتي تفسح المجال للمحاصصة، أو التعامل مع موارد الدولة بعقلية الغنيمة، فالحكومات المتعاقبة أنهكت الاقتصاد الليبي، ووضعته على أبواب الاستدانة من صندوق النقد الدولي، بحسب تقارير نشرها مصرف ليبيا المركزي، بسبب تلك السياسات. ولم يعد أمام الثوار إلا استمرار الحسم العسكري، الناجز في الغرب والشرق، وتنظيم سلطة الأمر الواقع، والوقوف في وجه سياسات المحاصصة والغنيمة.

إن رسم معالم المشروع السياسي سيكون من خلال جهد دبلوماسي فعال، يحدّ من التدخل الإقليمي، ويقنع الغرب بقدرة الثوار على العمل السياسي، بطرح مبادرات للحوار، تركز على تحقيق المكاسب الصلبة، ولعل من أهمها إعادة النظر في القضاء والحكم المحلي، وتغيير أسس وزارات الخارجية والداخلية والدفاع، بما يحقق أهداف الثورة.