قبل فترة كتبت تعليقا على مقال لزميل لي طالب بتشكيل لجنة لتقييم المساعدات الخارجية المقدمة لفلسطين ايدت فيه مطلبه هذا. وقد تطرقت في تعليق اخر الى بند بناء القدرات الذي تتكرر فيه المشاريع وفي نفس المؤسسة الواحدة بل لنفس الاوجه وربما لنفس الجهات والاشخاص المستفيدين دون تقييم للنتائج او تدقيق في الاجراءات، وحيث ان هذا البند يحتل حصة الاسد في المساعدات الدولية المقدمة لفلسطين، إذ انه صرف عليه مئات الملايين من الدولارات على مدار العشرين سنة الفائتة، فقد وجدت ان من الضروري الكتابة عنه والتذكير به مرات ومرات. فموازنة معظم المشاريع التي تنفذ تحت هذا البند تصرف في معظمها على الاستشارات (بمعدل 70%)
المستشارون هم من البلدان التي تقدم المساعدات والقليل يتم اختيارهم من جهات اقليمية او محلية. لكن تقديم المشاريع وإقرارها وحتى اقرار الية الصرف فيها في كثير من الاحيان يتم بالاتفاق او على الاقل بالتنسيق مع الجهات المستفيدة. وحيث ان هذا المجال غير خاضع بالكامل للقواعد والقوانين المحلية سواء من حيث القبض والصرف او ارساء العطاءات او التعيينات او اليات المتابعة والتقييم فإنه برايي من الممكن ان يكون عرضة اكثر من غيره لأعمال الاحتيال وتجاوز قواعد الشفافية ومن الممكن ان يكون مرتعا خصبا للفساد. ولعل اكثر ما يضع علامة التساؤل على نزاهة استخدام الاموال المخصصة لهذه المشاريع هو تكرارها اللافت دون دراسة لمدى ضرورتها وجدواها.
فالمستشار كما هو معروف وكما يستدل عليه من اسمه موجود لتقديم استشارة في مجال لا يعرفه احد غيره او على الاقل لتوفر قدرات وكفاءات لا تتوفر لدى او في حوزة من يستشيره من الكادر العامل تحت لواءه. اما اذا توفرت تلك القدرات والكفاءات لدى او في حوزة من يقوم بالاستشارة فيصبح عندئذ من المشكوك فيه سبب التعاقد مع ذلك المستشار وتجديد عقده الى ما لا نهاية، خصوصا اذا كان التوجه لدى المؤسسة المعنية لتوطين الخبرات والكفاءات وبالتالي الاعتماد على الكفاءات والقدرات التي لديها ومراكمتها وتأهيلها وهذا من اهم سياسات وقواعد المأسسة .وحتى لو كان هناك نقص او حاجة لخبرات في مجال معين، فإن المؤسسات تلجأ الى التعاقد المؤقت مع الخبراء ويتم تكليفهم بتدريب وتأهيل الكادر المقيم خلال فترة تعاقدهم لكي يقوم بالاعمال المنوطة بهم عند انقضاء فترة تعاقدهم.
ومن الامتيازات التي يحصل عليها المستشارون او الخبراء:
• رواتب او مكافآت عالية فحتى المحليون منهم يتقاضون ضعف او ثلاثة اضعاف على الاقل ما يتقاضاه الكادر العامل في المؤسسات وبالعملة الصعبة.
• بعضهم يعين طوال مدة المشروع الذي يعمل فيه على ملاك بعض المؤسسات الدولية او الاجنبية ويحصل على نفس الامتيازات المتحة لموظفيها
• بعضهم يذهب في مهمات خارجية اوحتى في دورات تدريبة فيحضر مؤتمرات واجتماعات على حساب المؤسسة وعلى حساب الكادر المقيم فيكتسبون الخبرة ثم يذهبون وتذهب معهم مقومات المأسسة.
وحيث ان ارساء العطاءات والتعيين في هذه المشاريع يجري دون اجراءات شفافية صارمة ويثير الشكوك، فلا يقدم بعض المستشارين لأية مسابقات ويجري تعيينهم بصورة فردية ، كما ان كثير من الاستشارات تتم وفقا لرغبة وتصميم المسؤل المعني وتكون مخرجات تلك الاستشارات وفقا لتوجيهاته مع العلم ان تلك المخرجات والتقارير الصادرة حولها في الغالب توضع على الرفوف لتعشش الغبرة فوقها دون ان يستفيد منها احد. لذا فانه يجب فحص موازانات هذه المشاريع واليات الصرف وإرساء العطاءات والتعيينات وكافة الاجراءات فيها، والتأكد من انها لا تتم بالواسطة او نتيجة مصلحة مشتركة اودفع عمولة او عقد مواز من اكثر من ممول لنفس المستشار يذهب احدهما للمشغل. والتأكد من انه لا يجري تطبيق احد الامثال التالية: "اشتري بقرش وبيع بقرش والي بيناتهم الله بعلم" ، "البيع بالدرهم والكَرَم بالقنطار" ، "حك لي تاحكلك"، و"البراطيل بتنصر الاباطيل او بتحل السراويل".