لا شك أن وسائل الإعلام تعتبر من أهم المقاصد للسيطرة على الرأي العام وتطويعه إلى كثير من الإتجاهات والميول الخاصة بأصحاب تلك الوسائل، ولقد حظي الإعلام بكثير من الإهتمام للأنظمة الرأسمالية والإمبريالية للسيطرة على العالم، وتنفيذ المعلومات إليه من مصدر واحد لتحقيق كثيرٍ من المصالح والأجندات الخاصة.
ولو شاهدنا الوسائل الإعلامية الموجودة على الساحة اليوم وتابعناها جيداً سنقف عند تلك الحقيقة الخفية بأن تلك الوسائل لا تعتمد من الحيادية والمصداقية منهجاً وسلوكاً لها، بل تُعبر عن وجهة نظر الجهات الداعمة التي تسعى لتحقيق طموحاتها المجهولة.
كذلك يفعل اللوبي الصهيوني المنتشر في كثير من البلاد، فهو يسيطر على أكبر الوكالات الإعلامية في العالم ويحاول من خلالها تمرير الفكرة الصهيونية، فقد حرّكت الرأسمالية الصهيونية أموالها للسيطرة على تلك الوسائل لخدمة مصالحها، فالإعلام لا ينطق باسمه، بل ينطق باسم جهات تملي عليه ما يعطيه للجمهور، وتحدد له معايير العمل التي تخدمه.
والناظر اليوم للوسائل الإعلامية في فلسطين سيجدها غير بعيدةٍ عن تلك النظرية السالفة الذكر، فاليوم تسعى الأحزاب والتنظيمات الفلسطينية لفرض سيطرتها على المجتمع فكرياً من خلال هذه الوسائل، ويعتبر هذا الأمر من أقوى الأسلحة التي تمتلكها تلك الجماعات، مما ساهم في إثراء المضمون الإنقسامي والتشرذمي للشعب الفلسطيني، فكل الأحزاب الفلسطينية تمتلك وسائل إعلامية خاصة بها تخصصها لفرض رؤيتها على المواطن وحتى الأحزاب الأخرى، فأصبحت تلك الوسائل ناطقاً إعلامياً رسمياً لتنظيمها.
وأعتقد أن هذه الحالة تضعف الطبيعة الإعلامية الفلسطينية من حيث المصداقية والحيادية، ولعل جزءاً كبيراً من الإنقسام الفلسطيني الحالي هو بسبب تلك الحالة الإعلامية، فقد أصبح المواطن يتلقى معلوماته وتوجيهاته من قِبل الوسائل الناطقة باسم التنظيم الذي ينتمي إليه، وبالتالي فإنه يبني آرائه ووجهات نظره بناءاً عليها، فهو لا يكلف نفسه ولا يجهدها بالبحث عن حقيقة المعلومات التي يتلقاها، بل أصبح مصدره الوحيد والمقدس الوسيلة الإعلامية الحزبية،فتلك المعلومات والأخبار لا تحتمل الخطأ أو التحريف من وجهة نظره.
ومما ينمي هذه الحالة أيضاً هو اعتقاد تلك الأحزاب أنها صاحبة الرأي السديد والصحيح، فهي بذلك تعمل جاهدة على ضخ أكبر قدرٍ ممكن من المعلومات التي تدعمها فكرياً وسياسياً واجتماعياً بين الناس، فتلك الوسائل تعتبر طريقاً ممهداً لتلك التنظيمات لتحقيق استراتيجياتها ومصالحها داخل المجتمع الفلسطيني، فالأهم لديهم هو تحقيق الأهداف بغض النظر عن تبعات تلك الطريقة التي تسهم في تقسيم المجتمع.
وليس ببعيدٍ عن الوسائل الحزبية، ما يسمى بالإعلام المستقل أو الخاص، فهو يعتبر ناطقاً باسم الجماعات الرأسمالية الفلسطينية التي تسعى لتحقيق أكبر قدرٍ ممكنٍ من الأرباح، فهدفهم السامي ليس خدمة المواطن ولا المجتمع من خلال الإعلام، بل تحقيق المكاسب المادية وفرض الرؤية الرأسمالية وتسويقها لتكونَ الطريقُ منبسطةٌ لهم.
وإجمالاً فإن الإعلام الفلسطيني بحزبيته واستقلاليته تحكمه رؤوسٌ خفية من وراء الستار، تحركه وتوجهه أينما وجدت مصالحهم، حتى لو أدى ذلك لضخِ معلومات خاطئة وأفكار مشوهه.
برأيي إن مجتمعنا يعاني من إعلام مترهلٍ يفتقر لأدنى مقومات وأخلاقيات المهنة المطلوبة، فلا يوجد إعلام لدينا إلا وتحكمه أجندات خاصة، وحتى الإعلام الحكومي فهو لا يعتبر ناطقاً باسم الشعب أو المواطن، لأن تلك الحكومات سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة مرجعها الأول والأخير "الحزب أو التنظيم".
وأعتقد أن الخلل لا يكمن في شخص الصحفي أو الإعلامي، بل في المؤسسة الإعلامية نفسها، بسبب المنهج والسلوك المتبع، وبسبب تبعية تلك الوسائل وانقيادها، مما أدى إلى انحرافها عن جادة العمل المهني السليم، فلا بدَّ أن يكون لدينا إعلامٌ موحدٌ ومتحررٌ من التبعية الحزبية والرأسمالية، وأن يحدد اتجاهه فقط لشعبه وقضيته وأمته.