أرض كنعان/ غزة/ وأخيرًا، أسدل الستار عن أكبر قصة اعتقال وانتقام جماعية وإحدى أكبر القضايا في المحاكم الصهيونية من حيث عدد المعتقلين والقضايا التي حكموا عليها وعدد السنوات التي قضوها، وهي ما عُرفت باسم "قضية أمنون".
وأمنون هو اسم الجندي الصهيوني الذي قُتل في مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة قبل أكثر من 23 سنة إبان انتفاضة الحجارة.
طي هذه القضية جاء بالإفراج عن آخر معتقل فيها، وهو الأسير أحمد سعيد الداموني (43 عامًا) والذي أطلق سراحه فجر اليوم الأربعاء (30-10) ضمن الستة والعشرين معتقلًا في إطار عملية التسوية بين السلطة والكيان الصهيوني.
الداموني كان واحدًا من المئات الذين اعتقلوا على خلفية مقتل ذلك الجندي في أوج انتفاضة الحجارة بعدما دخل مخيم البريج بالخطأ، وكذلك واحدًا من العشرات الذين حكموا أحكامًا عالية في هذه القضية مقارنة بالأحكام التي كانت تصدرها المحاكم الصهيونية في هكذا قضايا.
وتعود هذه القصة إلى العشرين من أيلول/ سبتمبر من عام 1990م حيث دخل جندي صهيوني يدعى آمنون بوميرنتس عن طريق الخطأ إلى مخيم البريج، وذلك في خضم الانتفاضة الأولى، فما كان من شباب الانتفاضة إلا محاصرته وإلقاء الحجارة على سيارته وحرقها وهو في داخلها حيث لقي مصرعه.
ويروي محمد جابر نشّبت (43 عامًا) أحد رفاق الداموني وصهره والذي أمضى 23 سنة في سجون الاحتلال وأطلق سراحه قبل شهرين في الدفعة الأولى للإفراجات في إطار عملية التسوية؛ تفاصيل حادث مقتل ذلك الجندي منذ أن دخل إلى مخيم البريج وحتى اعتقاله برفقة المئات من سكان المخيم.
استدراج أمنون
ويقول نشّبت لـ "قدس برس" قام شباب الانتفاضة في مخيم البريج باستدراج ذلك الجندي إلى داخل المخيم حيث رفعوا "القارمة" عند مدخل المخيم الرئيسي والتي يكتب عليها اسم المخيم باللغة العبرية ووضعوا مكانها لوحة أخرى باسم المستوطنة التي يفترض أن يدخل إليها الجنود القادمون إلى قطاع غزة حيث دخل ذلك الجندي إلى المخيم وكان وحده ظنا منه أنه ذاهب إلى مستوطنته.
وأضاف "حينما وصل الجندي إلى نهاية المخيم من الناحية الشرقية أدرك أنه دخل خطأ إلى مخيم البريج وأثناء عودته ومحاولته الخروج من المخيم قام شبان المخيم برشقه بالحجارة إلى أن دهست سيارته عربة كارو كانت تقل شابين حيث استشهد أحدهما على الفور, وتوقفت السيارة وسط تعرضه للرشق بالحجارة دون أن يتمكن من استخدام سلاحه".
وتابع "بعد ذلك قام الشبان بإحراق السيارة التي كان الجندي بداخلها، انتقامًا لاستشهاد الفلسطيني، دون أن يتمكن من الخروج منها ودون أن تعرف قيادته بما تعرض له إلا بعد وقت طويل حيث قامت قوات الاحتلال باقتحام المخيم بعدد كبير من العربات العسكرية وفرضت عليه منعا للتجول للانتقام من سكانه".
وأوضح "في ذلك الوقت تمكن معظم شبان المخيم من مغادرة المخيم خشية تعرضهم لبطش قوات الاحتلال التي كانت متوقعة, حيث فرض حصار مشدد على المخيم وتم تفتشيه بيتًا بيتًا وجمع كل الشباب الذين كانوا فيه واعتقالهم".
وقال نشّبت: "أنا كنت من بين المعتقلين الذين وصل عددهم آنذاك إلى 600 معتقلٍ عدد كبير منهم غادر المعتقلات بعد فترة قصيرة فيما بقي حوالي 100 معتقلٍ صدرت بحقهم أحكام ما بين سنة إلى مدى الحياة بينهم 15 معتقلا أمضوا أكثر من عشر سنوات وحتى 23 سنة حيث أفرج عن آخرهم أحمد الداموني".
حصار المخيم
ولم يكن الاعتقال فقط هو أبرز سمات هذه القضية بل إن قوات الاحتلال فرضت حصارًا مشددًا على هذا المخيم من أجل تأديبه ومنعت التجوال عليه لأكثر من أسبوعين كاملين وكانت تعتقل أي شخص من سكان المخيم حتى ولو كان خارجه.
كما قامت قوات الاحتلال بهدم حوالي 60 منزلا في المخيم من بينها عشر منازل لمن شاركوا في عملية القتل وكذلك 40 منزلا في محيط المنطقة التي قتل فيها الجندي من أجل توسيعها.
حادثة في الأذهان
وعلى الرغم من طي صفحة هذه القضية بالإفراج عن آخر معتقل فيها؛ إلا أن هذه الحادثة مازالت ماثلة في أذهان سكان هذا المخيم الصغير، لاسيما وأن الأطفال الذين ألقوا الحجارة آنذاك (قبل 23 عامًا) أصبحوا الآن رجالا كبارا يستذكرون كل كبيرة وصغيرة وقعت في ذلك الوقت رغم غياب كل أدوات التوثيق الإكترونية الحديثة.
ووصفت السيدة "أم جابر" زوجه المحرر نشّبت وشقيقة المحرر الداموني ما تعرض له مخيم البريج آنذاك بأنها عملية انتقام كبيرة كانت تهدف لكسر شوكة هذا المخيم.
وقالت أم جابر لـ "قدس برس": "لقد هجموا على المخيم بشكل جنوني وداهموا كل شيء فيه واعتدوا على الكبير والصغير من أجل تأديب سكانه لاعتدائهم على ذلك الجندي الحقير".
وأشارت إلى أن الاحتلال اعتقل زوجها محمد نشّبت واعتدى عليها واعتقل كذلك شقيقها المفرج عنه أحمد الداموني وهدم منزلهم وشردهم حتى يحفظ ماء وجهه بعدما تعرض له الجندي أمنون على أيدي شبان عزل دون أن يتمكن من الدفاع عن نفسه وهو يحمل السلاح.
وعادت "أم جابر" بذاكرتها للوراء 23 عامّا وقالت: "حينما اعتقلوا زوجي أحسست أنه لن يعود، وفي اليوم التالي داهم بيتنا عشرات الجنود والمجندات واختطفوا ابنتي (البالغة من العمر ستة شهور) من فراشها لاستفزازي، وأعادوا بها بعد ساعة".
رسالة إلى المحتل
أمهل جيش الاحتلال أسرة نشّبت 20 دقيقة لإخراج أثاث البيت، تحضيرًا لإغلاقه قبل هدمه، وبعد يومين هدموا المنزل ومنازل مجاورة منها منزل أهل أم جابر بعد اعتقال شقيقها أحمد الداموني.
وأضافت "هدموا المنازل ولما عدت للمكان ضربني أحد الجنود ببندقيته فذهبت للمستشفى، وفقدت جنيني الذي كنت أحمل به".
وقالت "أم جابر" موجهة حديثها للاحتلال: "رغم كل ما فعلت بنا فقد أفرج عن زوجي وشقيقي، وقمنا بإعادة بناء منزلنا ومنزل أهلي المدمرين، وطردناك من قطاع غزة وقريبًا سنطردك من كل فلسطين".
وأضافت أن "الاحتلال إلى زوال مهما طال وأن السجون حتما ستفتح ويطلق سراح كل الأسرى مهما طالت فترة الأسر, وعائلتنا أكبر مثال".