بقلم: حمدي فراج
السؤال الذي يطرحه كل فلسطيني بصوت خفيض ، وغالبا بينه وبين نفسه فقط ، ربما لعدم تيقنه من الجواب ، وربما خجلا من الذات، هو: لماذا لا يجد ماهر الاخرس حركة تضامن اوسع في معركته وحيدا امام الجلاد؟ هل هناك شك في عدالة معركته؟ هل ثلاثة اشهر في الامتناع عن الطعام قاربت على الانتهاء، فترة قصيرة في حسم مسألة الانتصار له، في انتظار اسبوع آخر او شهر رابع يكون خلالها قد كف جسده عن الاحتمال؟ وهل في مقدورنا بعدها كشعب وقيادات ومنظمات حقوقية تحمل عبء صمتنا وتبكيت ضمائرنا؟
وقبل الاجتهاد في الاجابة عن سؤال العجز والتقصير، لا بد من التقرير ان حالة الاخرس دخلت كل بيت فلسطيني وعشرات ملايين بيوت الامة واحرار العالم، وليس هناك من شخص واحد، سمع بجوعه الاسطوري الا وانتابه التأثر البالغ والتعاطف الاخوي والانساني، وقدح شرارة الغضب والحقد على هذه الدولة "الديمقراطية" التي لا تحتمل اطلاق سراح سجين يواجه الموت جوعا كل يوم منذ تسعين يوما . بالنسبة له لا تقاس الفترة بالايام ، بل بالساعات وربما بالدقائق ، فكل ساعة تمضي وكل دقيقة تدق تحمل معها معاناة عمر ودهر وذكريات وتطلعات .
شعور عارم بالعجز من اننا نستطيع تحريره ، مشوب بعدم الثقة في كل مقوماتنا، نظام عربي متهالك، سقط منه ما سقط، والباقي ينتظر وما بدلوا تبديلا، ثورة اختارت النزول عن "أحد" كي تحصل على غنيمة "الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف"، فلا على الدولة حصلت ولا على الثورة ابقت... مقاومة تهدد وتتوعد برشق بضعة قذائف في حالة موته ، ماذا سيقولون لزوجته ووالدته وابنائه الستة؟ لم نكن نستطيع فعل اي شيء قبل ان يموت؟ هل هذا جواب يصرف في ابجديات الثورات والمقاومات قديمها وحديثها؟ القيادة الوطنية الموحدة الجديدة التي بشر بها امناء الفصائل على الهواء مباشرة، أين هي من معركة ماهر؟ أم انها تنتظر اعادة انتخاب ترامب من عدمه لكي تنطلق في معركة ماهر وبقية الاسرى الذين امضى بعضهم اربعين سنة في الباستيلات، وعودة اللاجئين واستعادة القدس و تفكيك المستوطنات وانهاء الانقسامات واجراء الانتخابات الديمقراطية في قائمة مشتركة واحدة ، كل هذا متوقف على انتخابات امريكا بعد حوالي اسبوعين ؛ انتظرنا 27 سنة ، فلماذا لا ننتظر اسبوعين آخرين!
ترى، هل ينتظركم ماهر المفعم بالالم والعذاب والليل والجوع؟ جوع من نوع آخر ، يمتلك من التطلعات ما يمكنّه من ان يهزم الجلاد والشبع ، جوع شرس مسلح بأعتى اسلحة الانسان في كل مكان ، ضد العدو الذي لا يرحم ، والصديق الذي لا يفهم و لم يتعلم ، جوع أرخى ماهر سدوله على كل احرار العالم يحملونه في "الزوادة" التي لا تنضب والجوع الذي لا يمكن ان يهزم .
***
هو الكفاح فخطّي يا مطارقه / بقيد مضطهد تاريخ مضطهد * أماه مهما احتواني القيد منفردا / فإنني بنضالي غير منفرد * وان يعضك ناب الجوع مفترسا / فقد عجنت رغيفا من ضياء غد * من لم تودع بنيها بابتسامتها الى الزنازين لم تحبل ولم تلد ... معين بسيسو .