بقلم الأسير/ رائد الشافعي
العظماء في هذا الزمن من الأسرى داخل السجون ممن يستطيعوا أن يبذلوا جهوداً جبارة لنسج وخلق الإنسجام والتوازن بين النضال والتضحية والعطاء بلا كلل أو ملل، نحو سياسة نضالية قائمة على القيم الثورية تقود نحو تحقيق وتجسيد الفعل الثوري الأخلاقي المقاوم لمنظومة الأمن الصهيونية وإدارتها الفاشية بالإضافة إلى حراب ضالة تنكأ جراح الروح المتنفذة بالقيم الثورية الجمعية الوطنية والإستمرار بقيم التمرد والحرية التي تشكل حدود القيم بين المقدس والمدنس.
لقد مرت مسيرة الحركة الأسيرة عبر مراحل طويلة بتجارب مختلفة ومتباينة ولكل تجربة ومرحلة ظروفها ومحددات تطورها وتفاعلاتها الداخلية والخارجية ونحن الآن في تلمعتقلات والسجون الصهيونية لسنا سوى مجتمع مصغر عن الوطن الفلسطيني ، إن السجون اليوم هي مرآة لثقافة وسلوك المجتمع الفلسطيني بكل مركباته وتناقضاته الاقتصادية والسياسية والثقافية وأثر ذلك على الأبعاد النفسية التي تحولت إلى تناقضات داخلية وكأنها حرب أهلية تتصارع داخل العقل والروح فتحولا إلى ميدان من الصراع المتواصل بين (التمرد والتأقلم ) (الخير والشر ) ، ولكن بالنهاية إن المناضل و الحر بكل تأكيد سينتصر ويتغلب على الشدائد والمصاعب.
اليوم لدى الكثيرين وتحديدًا أصحاب النفس القصير والذين لم يتمتعوا بثورية النفس الطويل والإيمان بحتمية النصر والانتصار، أصبحت لديهم قيم التمرد والمواجهة لم تعد مطابقة للمصالح والذوق الدارج والمهيمن في هذا الزمن، فنحن منذ انتمينا وتحزبنا في خدمة قضيتنا ووطننا ونحن جزء من هذا النسيج السياسي كأبناء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إننا رفاق( الحكيم وأبو علي ووديع وكنفاني ) لم ولن نمل أو نستسلم بل بقيت راية المواجهة والصمود والنضال عالية خفاقة في داخل السجون مع إختلاف الأدوات والوسائل النضالية على ساحة الوطن و ساحة السجون، فإن تجربتنا الفعلية التي نجحت إلى حد كبير إلى الآن واستطاعت الصمود في قلب المعركة والمواجهة على جبهات عدة داخلية وخارجية ومسلحين بأيدلوجيا ومنظومة قائمة على الأخلاق والصمود والاستمرارية في النضال، ولا يمكن أن تحل محل هذة القيم قيم الخنوع والقبول بالأمر الواقع والتعايش مع الثقافة الدخيلة على حياتنا وفكرنا الثوري لأننا حزب الواحد للكل والكل للواحد والرفيق من أجل الرفاق والرفاق من أجل الرفيق، إن الاختلاف بين هاتين المنظومتين الفكريتين هو تناقض جذري ومطلق ، وليس هناك خيار ثالث أو حياد في هذة الثنائية الضديّة، ولا يمكن القبول بها أن يكون أمراً مستساغاً فإما الإنخراط بها أو رفضها والعمل الدائم والدؤوب للإطاحة بها والقضاء عليها، فعلى أحد الضديّن أن ينتصر ويستمر بالحياة فهذا تناقض قيمي أخلاقي ووجودي لا يمكن التعايش في إطاره وهذة عملية إصطفاف إما في صف الكرامة والمواجهة وإما في صف سياسة القبول بالأمر الواقع المذل المشين، ونحن بكل تأكيد قد حسمنا خيارنا منذ انتمينا إلى هذا الحزب العظيم، نحن نعيش اليوم في زمن الإمتيازات الخاصة الملطخة بالذل والخنوع والتخلي عن القيم النضالية الوطنية التي سقط من أجلها مئات الشهداء والأسرى من أبناء شعبنا الذين رووا تراب الوطن بدمائهم الزكية لمقاومة الاستعمار وإدارة السجون و المؤسسات الأمنية الداعمة له، في أن تهندس الحركة الأسيرة وتعبث بقيمها ومحاولة صياغتها وهندستها وعياً وثقافة من حيث الشكل والجوهر ولذلك إن النضال من أجل الحفاظ على كرامتنا وقيمنا له ثمن باهظ ويجب النضال على عدة صعد أخطرها النضال الداخلي القائم على العمل والنقد ، والنقد بحسب تعبير كرانشي (ظاهرة توجيهية بالقوة ) أي الممارسة النقدية بوصفها شكلاً من المقاومة أو تمكنها بدرجة ما من أن تكون كذلك والإيمان بحتمية نصر أصحاب راية المواجهة والمقاومة وهذا تشائم الفكر وتفاؤل الإرادة.
نعم إن هذا مسار فكري فريد وجذري لتقديم وعياً بديلاً لذلك الوعي السائد والآخذ بالانتشار بشكل سريع والأخطر بشكل منظم ومهندس فهذا الوعي الثوري والوعي الفكري البديل هو الذي يقف الآن على الطرف النقيض للوعي الفكري المتأقلم وإن الوقوف بوجه التيار السائد ومواجهته في هذة الظروف على أرض الوطن وفي قلاع الأسر يعني مواجهة قوة ناعمة وصلبة ومصالح ذاتية وإمتيازات وعلاقات متجذرة مواجهتها يعني القتل والتشويه والعزل الإنفرادي والعقوبات الدائمة والتنقلات المستمرة في مابين السجون لضرب مفهوم الإستقرار و بناء القيم النضالية التي لا يمكن اقتلاعها أو إنهائها وتجاهلها أو التملص منها ، لأنها قيم شكلت رافعة للكرامة الوطنية ولكرامة الحركة الأسيرة بالمفهوم الإنساني الثوري السياسي الذي يتمسك بقيمه وكرامته وكرامة شعبه ويقدم أفضل النماذج المشرفة وحلول عملية وثورية الجوهر لفهم المأزق والضائقة التي نمر بها شعباً ووطناً وأسرى، لأن ما يحدث اليوم يوقف شبح الإنقراض والتفتت والتشتيت.
فهذة التجارب النضالية قد تبدو للبعض هامشية إن لم يستطيع إقتحام مغاراتها وعدم القدرة على تفكيكها وتؤويلها في قلب حقائقها، حقائقها التي تحمل وتنم عن قيماً وتعبر عن مقاومة مستمرة وصمود إسطوري لا يمكن إنكاره، والمطلوب هو التمسك دائماً وأبدأ بالفكر الإبداعي الأصيل وقيم وثقافة التمرد والمقاومة حتى الوصول إلى الحرية والتحرر والحياة الكريمة، فنحن نتقاسم ذات الوطن والأسر والمعاناة على نحو يتعذر اختزاله أو تقسيمه فهنا التناقض الحاد على الهوية الوطنية والحفاظ عليها أن تبقى شاملة وجامعة الكل الفلسطيني وعلى الجميع إعادة التفكير والعمل على إعادة تأصيل المفاهيم الوطنية الجمعية، فهذة القيم لا تقبل التسوية والانقسام ونحن مستمرون في طريق النضال إلى أن ننتصر.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة أرض كنعان الإخبارية