يُعتبر تقرير القناصل لدول الاتحاد الأوروبي لدى السلطة الفلسطينية , والذي صاغه القناصل من (27) دولة عضو في الاتحاد الأوروبي , وُيجمل الأوضاع ويسلط الضوء على الخروقات والتجاوزات الإسرائيلية في عام (2012م) , يُعتبر تطور نوعي في موقف الاتحاد الأوروبي , وذات مغزى سياسي ودبلوماسي وقانوني كبير , إذ مثَّل موضع إجماع من قناصل دول الاتحاد الأوروبي , وشاهد عيان على الممارسات الإسرائيلية المخالفة للالتزامات المنصوص عليها في الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية , والجانب الأكثر أهمية في هذا التقرير , أنه قد رُفع إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل , وإلى وزارات الخارجية في (27) , دولة عضو في الاتحاد الأوروبي , وقد تم نشره في وسائل الإعلام , وقدم إشارات واضحة , وخاصة للجمهور الإسرائيلي , تحذر من خطورة ممارسات الحكومة الإسرائيلية على مستقبل السلام في المنطقة .
يدق التقرير ناقوس الخطر , جراء السياسات الإسرائيلية , التي تتناقض مع مبادئ اتفاقيات جنيف الرابعة , وقواعد القانون الدولي , خاصة استمرار سياسة الحكومة الإسرائيلية في القدس , حيث جاء في التقرير : " تضرب إسرائيل بشكلٍ منهاجي التواجد الفلسطيني في القدس من خلال قيود التخطيط والبناء , هدم المنازل , وإجلاء السكان من بيوتهم , التمييز في حرية الوصول إلى المواقع الدينية , والتمييز في التعليم , في خدمة الصحة وفي المقدرات " , إذ أن هذه السياسات التي تنفذها الحكومة الإسرائيلية وطبقاً لما جاء في تقرير القناصل الأوروبيين , " من شأنه أن يحبط إمكانية أن تكون المدينة عاصمة الدولتين , وهكذا يُعرض للخطر حل الدولتين بأسره " , وأشار القناصل في تقريرهم إلى ثلاث خطط بناء وتوسيع في المستوطنات , وبشكل خاص , توسيع مستوطنة (هار حوما) شرقاً , وتوسيع مستوطنة (غيلو) جنوباً وغرباً , وبناء حي (جفعات همنوس) بينهما , وانتقد القناصل بشدة إسرائيل على خلفية القرار بالدفع إلى الأمام لخطة البناء في E1) ) والتي ستربط بين (معاليه أدوميم) والقدس , ويؤدي إلى ترحيل إكراهي لأكثر من (2300 ) نسمة يعيشون في المنطقة , وقال القناصل " إن بناء هذه الأحياء هو جزء من إستراتيجية هدفها جعل القدس عاصمة للدولتين أمراً متعذراً ".
يدعو التقرير بشكلٍ واضح لا لُبس فيه , إلى فرض عقوبات اقتصادية على المستوطنات , وتضمّن التقرير عدة توصيات هامة , منها :
- ينبغي منع وإقناع ورفع الوعي بالآثار الإشكالية التي قد تنشأ عن عقد صفقات اقتصادية , بما في ذلك استثمارات أجنبية مباشرة من الاتحاد الأوروبي , تدعم وتساند البناء , وإقامة بنى تحتية وتقديم خدمات في المستوطنات الإسرائيلية .
- فرض عقوبات مباشرة أو غير مباشرة من جانب الاتحاد الأوروبي , على جهات وأطراف ومنظمات إسرائيلية لها علاقة بالبناء في المستوطنات الإسرائيلية .
- طالب بصرف (إبعاد) الاستثمارات الأوروبية عن المستوطنات , لكي لا تحظى منتجات المستوطنات بالامتيازات .
- مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية , والتأشير عليها في شبكات التسويق , حتى يكون المستهلك الأوروبي على وضوح وبينة من مصدر المنتجات الإسرائيلية .
- شدد التقرير على ضرورة أن يتأكد الاتحاد الأوروبي من التطبيق المتشدد لاتفاق التجارة الحرة مع اسرائيل, لكي لا تذهب أموال الدعم والاستثمار من دول الاتحاد الأوروبي إلى المستوطنات .
- يوصى بالرقابة المشددة على مجالات وخطط التعاون بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في مجالات البحث والتطوير التكنولوجي , للتأكد من أن هذه لا تساعد بشكل مباشر أو غير مباشر المستوطنات , ويتعلق الأمر بشكل خاص بمنح البحث العلمي , المنح الدراسية , أو كل استثمار في التكنولوجيا الإسرائيلية .
- يحذر التقرير من الارتفاع الملحوظ في أعداد الزيارات التي تقوم بها الجماعات اليهودية المتطرفة في الحرم الإبراهيمي , والتي تعتبر زيارات استفزازية , والخشية من أن اسرائيل تحاول تغيير الوضع الراهن في الحرم وتخلق (خليل جديدة) , بتسويات متشابهة لتلك التي في الحرم الإبراهيمي .
مما لا شك فيه أن هذا التقرير يمثل تطور نوعي في الموقف الأوروبي وتقرير هام جداً في السياسات الأوروبية , ولكن أهميته الإستراتيجية تكمن في تحويل التوصيات التي وردت في التقرير , إلى قرارات تمثل الموقف الرسمي لمؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل , ولدول الاتحاد الأوروبي كافة , تعرض التمايز والتمييز بين موقف دول الاتحاد الأوروبي , والموقف الأمريكي المنحاز لإسرائيل , والدفع باتجاه وضع مسألة الاستيطان الإسرائيلي على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي , لصناعة قرار دولي يُلزم إسرائيل بوقف بناء وتوسيع المستوطنات في أراضي الدولة الفلسطينية , باعتباره التزاماً منصوصاً عليه في اتفاق أوسلو , وخطة خريطة الطريق , وإنقاذ عملية السلام من خطر الانهيار , والحيلولة دون وقوع المنطقة في دائرة العنف ، الذي تُمعن إسرائيل في إثارة الأوضاع ، وإشعال نار العنف والمواجهات في المنطقة , وإلزام الحكومة الإسرائيلية بالإفراج عن الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين كافة من سجونها , ووقف سياساتها العنصرية ضد الشعب الفلسطيني , ووقف تهويد القدس , والالتزام بحل الدولتين , لتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدس جنباً إلى جنب مع دول المنطقة والعالم .
