سيِّدِي الأمير، وحُقَّ لك أنْ تُسمَّى بالأمير، فمنِ الأميرُ إلا أنت، ومن السيدُ إلا أنت، وإن لم يكن أصحابُ العقول المفكرة، والعزائم القوية، هم الأمراء فليس للمؤمنين أميرٌ في الأرض، أخاطبك من بعدٍ وأنت قريب، أكتب إليك وعيني لا تراك، ولكنَّ قلبي قد رسم لك صورةَ رجلٍ عظيمِ القدر، كريمِ الطبع، عنيدِ المراس، قويِّ الشكيمة، رقيق الحبِّ، فعذرًا على التأخير سيدي الأمير .
أصارحك: لطالما سمعتُ عن اسمك وأعمالك، ولكن بقيتَ في طَيِّ الكتمان أنت وأعمالُك حتى ظهر كتابُك وهم كارهون، ففتحتَ به أعينًا أُعميتْ عن رؤيتك، وأسمعتَ به آذانًا صُمَّت عن صوتِك، عرَّفتنا بهذا الكتابِ عن شيءٍ قليلٍ من لينِ قلبك، والذي غدوتَ به قاسيًا صلدًا على الذين كفروا، فأغلظتَ لهم بيدِك، وقسوتَ عليهم بعقلِك، والله يأبى إلا أن يعجل للمؤمنين ببشرى قبول أعمالهم، ولا أظنُّ هذا الكتابَ "أمير الظل" إلا بُشرى لكَ في الدنيا قبلَ الآخِرة.
وشكرَ اللهُ للسيدةِ الصغيرة "تالا" والتي شَفَتْ بسؤالِها عن أبيها عَيَّنَا، وأظهرتْ لنا ما كانَ مخبوءًا، وأبانَتْ لنا ما كان مستورًا، فجزاها الله عنَّا خيرَ الجزاء، وجمعَها اللهُ بأبيها قريبًا، وهو الذي عرفَتْه مُؤخرًا من هو !.
السيد الأمير المحترم، أجد نفسي مضطرًا لشكر ابنتك المصون "تالا"، فهي التي استفزتك لتكتب عن أبيها الذي لا تعرفه لنعرفه جميعًا، فقد أصبحَ من العيبِ بعدَ كلماتِكَ الظليلةِ أنْ لا يَعرفَ أبناؤُنا من هو الأمير "عبد الله"، فقد أخْرَجَتْ بسؤالها مكامنَ السرِّ في حياةِ الأميرِ الغائبِ الحاضرِ، وكشفتْ بجميل ذكرياتها حلاوةَ مواقفِ الأبِّ المطارَدِ الشاهِد، فمن أنت؟ ولم أنت؟ وكيف أنت؟ هذه علامات الاستفهام الكثيرة، ليتها سألتك من زمان .
وأصدقك "أيَا أميرَ الظِّلِ" أنَّ ولدي "صائب" وهو يحب الهندسة مثلك، كان يسألني بعد ما سمعني وأنا أقول مرات عديدة: [ الأميرُ عبدُ اللهِ سيخرجُ منَ السجنِ وحدَه ] يسألني كيف سيخرج وحده ؟ فأقول له: حين تقرأ الكتاب يا ولدي ستعرف كيف، وحين قرأ الكتاب أدرك جيدًا معنى "أنك ستخرج وحدك إن شاء الله" .
قد حباك الله سبحانه وتعالى قدرةً كبيرةً، ومن الواجب عليك أن تشكر الله عليها، وقد كنت خير شاكر، فقد استخدمتها في طاعة الله، وقهر المحتلين الظالمين، وقد رأينا اللهَ سبحانه يسيرك بقدره لتصل إلى حيث يريد لك من عزة وكرامة، وكلما ابتعدتَ جذبتكَ عنايةُ الله، والظاهرُ أنَّ اللهَ أعدَّ لك مكانةً عظيمةً عندهُ يومَ القيامة، وما هذهِ المكانةُ التي تبؤتهَا في قلوبِ العاشقين إلا الدرجة الأولى للمكانةِ الكبرى يوم القيامة إن شاء الله، يوم أنْ يُدرجَ اسمُك الكريم { مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } .
أخي الكريم "الأمير" شدَّني كثيرًا حسنُ علاقتِك بالله، وجميلُ ذكرِكَ للهِ سبحانه، وعظيمُ استشعارِك بمعيةِ الله لك، فأوصيكَ يا أخي أن تعمِّقَ علاقتَكَ بربِّ العالمين، وأن تُكثرَ من القراءةِ والفهمِ لما في القرآن الكريم والسنة النبوية، وإنْ كنتُ أعرفُ جيدًا أنَّ وجودَ الكتب بينَ يديك في الغرف المغلقة بالحديد والنار، أمرٌ أقربُ إلى المستحيل، ولكنْ بإرادتِك وتصميمِك يصلُ إليك ما تريد، وأنتَ لها إن شاء الله، ولن يغلبَ عُسرُهم يُسْرَ اللهِ لك { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } .
أُصارِحُكَ أيها "الحُرُّ" أنكَ بعثتَ بكتابَتِكَ الكثيرَ من الهمَّةِ في قلوبِ من قرأَ الكتاب، وجعلتنَا نخجلُ منْ أنفسِنَا أمامَ إصرارِكَ على التقدمِ معَ وجودِ كلِّ عواملِ التأخر، وأصارُحك أيضًا أنه ما أمسكَ بالكتابِ واحدٌ ليقرأَه إلا وأتمَّهُ في جلسةٍ واحدة، وما استطاع تركَه دونَ إتمام، وما ذاكَ إلا لصدقِكَ إنْ شاءَ اللهُ تعالى، ووالله لقد أتممتُ قراءةَ الكتابِ على ضوءِ الهاتف الجوال، حينَ قُطعتْ الكهرباء، وكنتُ حينها متدثرًا بلحافٍ من شدةِ البرد، فأخذتُ أقرأُ على ضوءٍ خافتٍ، وأنا مغطىً، أخشى البردَ وأرجو أن تجيءَ الكهرباء، ولكن ما أقعدني لا البردُ ولا الظلامُ، لأنَّ الكتابَ تَشْتَمُّ منه رائحةُ النفوسِ العاليةِ الكريمةِ الأبيةِ، فجزاك الله عني خير الجزاء .
وختـــــــــــــــــامــــًا :
اعلم أن إخوانك جميعًا دون استثناء همهم الأكبر هو إخراجكم من سجون الظالمين طوعًا أو كرهًا، وستخرجون عن قريب بإذن الله، لتواصل معنا مسيرة البناء والتعمير والتحرير، وما هذه الرسالة الجميلة إلا واحدة من الكثير الذي يدور في أذهان الشباب، ولعلها إن شاء الله تصلك بسلام وأمان، على أمل أن يصل منك الرد الأجمل {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا}
أخوك الراجي لك الفرج القريب / أبو حسام : وائل محي الدين الزرد