Menu
18:37الحية: رسائل متبادلة بين حماس وفتح للوصول الى أفضل اتفاق شراكة بين الفصائل الوطنية
18:36الرجوب: شعبنا غادر مربع الانقسام.. ويتحدث عن الانتخابات الفلسطينية وعملية إجرائها
18:26داخلية غزة تنشر كشف المسافرين المغادرين عبر معبر رفح البري ليوم غد الاثنين
13:54تنويه مهم حول كشف المسافرين عبر معبر رفح ليوم غد الإثنين
13:53داخلية غزة تعلن عن فتح معبر رفح في كلا الاتجاهين لمدة أربعة أيام متتالية
12:45العمصي يطالب بإدراج متضرري كورونا العمال في المنحة القطرية
12:42تحذير من ظروف مقلقة للأسيرات بمعتقل "الشارون"
12:39تعرف علي الخارطة الوبائية لمصابي كورونا اليوم في قطاع غزة
12:30الحركة الطلابية تهدد بإضراب مفتوح في حال لم تستجب جامعة بيرزيت لمطالبهم
12:29"إسرائيل" تبدأ تخفيف قيود الإغلاق
12:26إصابات بالاختناق واعتقال أسير محرر خلال اقتحام الاحتلال بلدة دورا جنوب الخليل
12:25المتطرف "غليك" يقود اقتحاما استفزازيا للأقصى
12:01المنظمة: ما أقدمت بريطانيا على تمريره قبل 103 أعوام عبر بلفور لن يستكمل على أيدٍ أميركية
11:59قوات الاحتلال تبعد شابًا عن الأقصى أسبوعًا
11:56تطبيع بلا تفويض.. الانتقادات والاحتجاجات في السودان تتصاعد رفضا لاتفاق العار

المقاومة الفلسطينية.. تطور الأداء وفروقات ما بين الحربين

الإصدار الثاني..مركز الدراسات العالمية
المقاومة الفلسطينية.. تطور الأداء وفروقات ما بين الحربين

تقديم
لا يختلف اثنان في أن المقاومة الفلسطينية قد أبلت بلاءاً حسنا في الحرب الأخيرة، وأنها أوجعت الاحتلال الإسرائيلي كثيرا، واستطاعت أن تقلب كل حساباته وتوقعاته العسكرية والأمنية والسياسية، وتحدث تغييرا في معادلة التوازن الاستراتيجي في إطار الصراع، وتفرض معادلتها الخاصة التي استجدى معها قادة الاحتلال التهدئة استجداءً عبر الوسيط المصري.
ولعل من نافلة القول أن الاحتلال لم يكن صاحب المفاجأة الوحيد إزاء قوة ورقيّ أداء المقاومة هذه المرة، فالمقاومة الفلسطينية فاجأت الجميع دون استثناء، وأثبتت جدارتها الكاملة وأهليتها التامة لرفع لواء الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني والتصدي للكيان الإسرائيلي الغاصب.
وعبر سطور هذا التقرير الذي يصدره مركز الدراسات العالمية-مكتب غزة نرصد جانبا من قدرات وإمكانات المقاومة الفلسطينية في إطارها العسكري كما رشحت عن مصادر الاحتلال والمقاومة وبعض تسريبات وسائل الإعلام، مع عرض تقييم لأداء المقاومة، واستعراض لأبرز الفروقات ما بين حرب 2008م والحرب الأخيرة، فضلا عن استكناه سيناريو تطور الأداء والإمكانات لدى فصائل المقاومة خلال المرحلة المقبلة .
قدرات المقاومة الفلسطينية
    من الصعب حصر قدرات المقاومة بشكل دقيق بالنظر إلى السرية المطلقة التي تضربها المقاومة على أدواتها وعتادها التسليحي بهدف حرمان الاحتلال ودوائره السياسية والأمنية والاستخبارية من القدرة على تحديد بوصلة العمل والأداء وإرباك رؤاه وتصوراته ومخططاته المختلفة في إطار الصراع الممتد الذي تلعب فيه المعلومات الاستخبارية دوراً محورياً بكل المقاييس.
    ومع ذلك يمكن حصر القدرات الظاهرة للمقاومة التي تم استخدامها بشكل علني ومكشوف إبان المراحل الزمنية الماضية، وعلى الأخص زمن الحرب الأخيرة التي شهدت بروز وسائل وأدوات جديدة استخدمتها المقاومة لأول مرة في تاريخ الصراع مع الاحتلال، وذلك على النحو التالي:
-    قذائف الهاون:
وهذه القذائف تتفاوت في عياراتها ومداها إلا أنها تشترك جميعاً في مجالها الجغرافي الذي لا يتجاوز عدة كيلومترات، وتستهدف أساساً الشريط الحدودي ومواقع جيش الاحتلال والبلدات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة.
 وتتنوع هذه القذائف ما بين قذائف محلية الصنع وقذائف مصنعة خارجيا ومهربة إلى قطاع غزة .
-    الصواريخ محلية الصنع:
وهي صواريخ عملت على تصنيعها قوى المقاومة الفلسطينية وألبستها أسماء منسوبة إلى أجنحتها العسكرية، وأهمها:
•    صاروخ قسام "1": كان بدائيا، فالصاروخ عبارة عن ماسورة طولها 70 سم، بقطر 8 سم، ويتراوح مداه ما بين 2 و3 كيلومترات، ويحمل في مقدمته رأسا متفجرا بنحو 600 غرام من مادة "تي إن تي".
•    صاروخ قسام "2":
 ويبلغ طوله 180 سم، ويصل مداه إلى ما بين 9 و12 كيلومترا، ورفعت زنة حمولته المتفجرة إلى نحو 6 كيلوغرامات من مادة "تي إن تي".
•    صاروخ قسام "3":
ويبلغ مداه إلى ما بين 10 و12 كيلومتراً، أما حمولة رأسه من المتفجرات فتتراوح بين 10 و20 كيلوغراماً من مادة "تي إن تي" شديدة الانفجار.
•    صاروخ (M75):
تمثلت المفاجأة المدوية في قدرة المقاومة على تطوير صواريخ محلية ذات مدى بعيد إبان الحرب الأخيرة "نوفمبر 2012"، حيث برز صاروخ (M75) -الذي يتراوح مداه ما بين 75 إلى 80 كيلومترا- كاسم لامع في الأخبار ووسائل الإعلام لدى اختراقه المنظومة الأمنية الإسرائيلية وسقوطه في قلب كل من مدينتي: القدس وتل أبيب، إذ تبعد مدينة تل أبيب التي تشكل العاصمة الفعلية للكيان الإسرائيلي مسافة 75 كيلو متراً عن قطاع غزة، فيما تبعد مدينة القدس مسافة 78 كيلو متراً عن القطاع.
-    الصواريخ غير المصنعة محلياً:
وهي الصواريخ المصنعة خارجيا التي يتم تهريبها من الخارج، وتنقسم من حيث المدى إلى قسمين:
•    صواريخ ذات مدى متوسط:
مثل صواريخ غراد، وهي عبارة عن صواريخ كاتيوشا محسنة. ورغم أن "غراد" روسي في الأصل إلا أن عدة دول في العالم تستطيع تصنيعه، ويتراوح مداه من 20 إلى 40 كيلومترا.
•    صواريخ ذات مدى بعيد:
مثل صواريخ فجر "3" التي يبلغ مداها 40 كيلومترا، وهي صناعة إيرانية، ويبلغ طول صاروخ فجر "3" 3 أمتار ويستطيع حمل رأس حربي وزنه 45 كيلوغراما.
        وهناك أيضا صاروخ فجر "5" الذي يبلغ طوله 6.5 متر تقريبا، ويبلغ مداه 75 كيلومترا وفق التقديرات العسكرية، ويحمل رأسا متفجرا وزنه 90 كيلوغراما، ويستطيع ضرب مدينة تل أبيب ومناطق داخلية في إسرائيل.
 وقد أطلقت قوى المقاومة المختلفة عدداً كبيراً من صواريخ غراد على البلدات الجنوبية لكيان الاحتلال خلال جولات التصعيد الماضية، وخصوصاً خلال الحرب الأخيرة، كما أطلقت عدة صواريخ فجر"5" على مدينة تل أبيب ومنطقة هرتسيليا شمال تل أبيب التي تبعد قرابة 80 كيلومترا عن قطاع غزة.
- الصواريخ المضادة للدروع (كورنيت):
 وهو صاروخ مضاد للدبابات، ويصل مداه قرابة 5 كيلو مترات، وهو صاروخ روسي الذي يستطيع اختراق مدرعات سمكها 120 سم، ويوجه بالليزر، وتم تزويده بأجهزة استشعار للحرارة للاستخدام الليلي، ويحمل رأسا حربيا في داخله متفجرات تصل إلى 10 كيلوغرامات.
وقد استخدمته المقاومة عدة مرات قبل وأثناء الحرب الأخيرة ضد آليات ودبابات عسكرية إسرائيلية على الشريط الحدودي مع قطاع غزة.
-    الصواريخ المضادة للطائرات (أرض/ جو):
وقد استخدمت قوى المقاومة هذه الصواريخ قبل وأثناء الحرب الأخيرة، حيث أعلنت مصادر جيش الاحتلال عن نجاة طائرة حربية إسرائيلية من صاروخ أرض/ جو قبل فترة وجيزة من الحرب الأخيرة، فيما تمكنت المقاومة من إسقاط طائرة حربية إسرائيلية بصاروخ أرض/ جو خلال الحرب، كما استهدفت عدة طائرات حربية أخرى.
وتقول التقارير إن المضادات الجوية هي من نوع "Igla"، وهو صاروخ "أرض/ جو" روسي الصنع، يطلق عليه أيضا اسم SA-18 وهو من فصيلة صواريخ "سام" محمول على الكتف وتم تزويده برأس متفجرة بوزن 2 كغ، ويبلغ مداه نحو 5 كلم بارتفاع أعلاه 3.5 كلم.
كما يمكن أن يكون في حوزة المقاومة صواريخ أقل تطورا وهي سام 7 المحمولة على الكتف أيضا. ولم تستبعد تقارير إسرائيلية امتلاك المقاومة عشرات الصواريخ من نوع"Igla-s" المحمولة على الكتف وهو سلاح مكافئ من حيث القدرات لصاروخ "ستينغر" الأمريكي.
-    الصواريخ المضادة للسفن (أرض/ بحر):
وقد استخدمتها قوى المقاومة خلال الحرب الأخيرة، حيث أعلنت كتائب القسام عن إصابة بارجة حربية إسرائيلية إصابة مباشرة، وفي ذات الوقت الذي أعلنت فيه سرايا القدس عن استهداف بارجة حربية أخرى في عرض البحر.
-    طائرات بدون طيار:
وقد تواطأت إشارتان على استخدام كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس طائرات بدون طيار في إطار الصراع مع الاحتلال، إذا اعترف د. موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بإرسال حركته طائرات بدون طيار قامت بطلعات في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م خلال الحرب الأخيرة، وهي إشارة ذات مغزى هام ودلالة خطيرة على تطور قدرات المقاومة في خضم صراعها مع الاحتلال.
أما الإشارة الثانية فتُومض من خلال الاستنتاجات المترتبة على مجرى ومسارات الأحداث التي دارت رحاها إبان الحرب الأخيرة، وخلاصة ذلك أن كتائب القسام أعلنت عن استهداف تجمعات وحشود عسكرية إسرائيلية متحركة وغير ثابتة على الحدود مع قطاع غزة، وأهمها بلدة "كريات ملاخي" التي تضم قيادة لواء المشاة، ما أدى إلى إصابات محققة في الوسط العسكري الإسرائيلي.
وبالرغم من التكتيم الإعلامي والرقابة العسكرية الإسرائيلية المشددة على نشر أماكن سقوط الصواريخ إلا أن الأخبار التي رشحت عن بعض المواقع العسكرية التي استهدفتها الصواريخ والإصابات ما بين قتيل وجريح في صفوف الجنود التي لم تستطع الرقابة العسكرية الإسرائيلية التعمية عليها وإخفاءها، يُنبئ بأن المقاومة الفلسطينية قد حازت على قدرة واضحة على امتلاك المعلومات الخاصة بأماكن تجمع الجنود والحشودات العسكرية وخطوط سيرها.
وبالطبع فإن مجالات الحصول على المعلومات العسكرية تبدو متنوعة، وربما يكون إحداها استقاء المقاومة معلوماتها من عناصر فلسطينية في فلسطين المحتلة عام 1948م التي تمتلك حرية الحركة في مختلف مناطق الكيان.
وبالرغم من وجاهة الاحتمال السابق وإمكانية تحققه على أرض الواقع إلا أن ميزة الاستهداف الدقيق للحشود والتجمعات العسكرية الإسرائيلية المتحركة لا يمكن أن تتحقق من خلال المعاينة الميدانية المتوسطة أو البعيدة عبر المناظير المختلفة.
فالواضح أن هامش قدرة المتعاونين مع المقاومة على الحركة لن تبلغ حد الاقتراب من التجمعات العسكرية الإسرائيلية، وخاصة في ظل إعلان جزء كبير من المناطق الجنوبية الإسرائيلية مناطق عسكرية مغلقة، ما يعني افتقار المعلومات الخاصة بهذا السيناريو إلى الدقة الكبيرة التي ميزت بها عمليات استهداف المقاومة للتجمعات العسكرية إبان الحرب.
وبهذا فإن سيناريو امتلاك المقاومة، وعلى وجه التحديد كتائب القسام، لطائرات بدون طيار لا ترصدها الرادارات يبدو السيناريو الأكثر قوة ورجحانا، إذ بوسع هذا الطائرات أن تنقل صوراً مباشرة وإحداثيات دقيقة لأماكن وجود وتجمع جنود الاحتلال، وبالتالي سهولة استهدافها حسب المعطيات الميدانية التي كشفت عنها الحرب.
أداء المقاومة الفلسطينية
    يمكن تقييم أداء قوى المقاومة بشكل إجمالي عبر المستويات التالية:
أولاً: مستوى الوسائل والأدوات:
لاشك أن قوى المقاومة، وعلى رأسها كتائب القسام، تميزت في هذا الجانب من خلال:
-    امتلاكها أعداداً كبيرة من الصواريخ باعتراف جيش الاحتلال الذي قدرت دوائره الاستخبارية امتلاك المقاومة قرابة 12 ألف صاروخ مؤخرا.
-    قدرتها على تصنيع صواريخ ذات مديات بعيدة، والحديث هنا عن صاروخ (M75) الذي تم إطلاقه على القدس وتل أبيب.
-    دقة توجيه الصواريخ التي أصابت أهدافها الموضوعة بشكل كبير إبان الحرب الأخيرة واستهداف الأحياء اليهودية في القدس أكبر مثالاً على ذلك.
-    الحفاظ على وتيرة إطلاق تصاعدية للصواريخ على مدار أيام الحرب، ما أربك الاحتلال وشكل تحدياً مباشراً لآلته العسكرية وترسانته الحربية المطعّمة بكل أشكال التقنيات الحربية والاستخبارات المتطورة التي استباحت سماء قطاع غزة بشكل كامل.
-    تنسيق توقيتات بدء المعركة وإطلاق معظم الصواريخ وفق رؤية موحدة بلورتها قوى المقاومة ضمن غرفة العمليات العسكرية المشتركة لفصائل المقاومة التي تم تشكيلها قبل بداية الحرب بشكل مشترك بين كتائب القسام وسرايا القدس وانضمت إليها بقية فصائل المقاومة مع بداية الحرب.
 ثانياً: على مستوى التخطيط والتنظيم:
أولى المفاجآت المذهلة التي أذهبت عقول قادة الاحتلال وأربكت حساباتهم تمثلت في دقة الإدارة العسكرية للمعركة التي نجحت فيها قوى المقاومة وعلى رأسها حركة حماس بكل جدارة وامتياز.
لم يكن واردا في حسابات قادة الاحتلال العسكريين والسياسيين على السواء أن ترتقي الإدارة العسكرية لحماس إلى هذا المستوى الرفيع الذي يحاكي الإدارة المؤسسية لأي جيش نظامي قوي في العالم، وأن تتمكن حماس في غضون فترة زمنية وجيزة تقل عن أربع سنوات من تحقيق طفرة عسكرية كبرى تجاوزت معها الثغرات والسلبيات التي كشفتها حرب "الرصاص المصبوب" على غزة نهاية عام 2008  وبداية عام 2009.
ولعل أقصى ما جال في خاطر قادة الاحتلال -وهم يرسمون ملامح قرار الحرب الأخيرة على غزة استنادا إلى معلوماتهم الاستخبارية- أن حماس التي تمكنت من امتلاك كمية لا بأس بها من الصواريخ والعتاد الحربي بعمليات التهريب المتواصلة الى قطاع غزة ، لن تقوى سوى على استخدام جزء محدود منها في بداية المعركة، فيما يتكفل سلاح الجو الإسرائيلي بالقضاء على البقية الباقية، وإجبار حماس على رفع الراية البيضاء والرضوخ لاشتراطات الاحتلال.
لقد راكمت الحصيلة الاستخبارية الإسرائيلية معطيات كثيرة حول النشاط الواضح والفعاليات المتلاحقة التي تجترحها حماس وجناحها العسكري في مختلف المجالات العسكرية، لكن الغرور الإسرائيلي المعروف حجب عن قادة الاحتلال -وخصوصا قادته العسكريين والأمنيين- إمكانية تحقق سيناريو النهضة العسكرية الشاملة لتنظيم عسكري صغير بالمقاييس العسكرية الإسرائيلية، أو إمكانية قيامه بالوقوف في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية المدعومة بروافد أمنية واستخبارية واسعة في يوم من الأيام.
ولا ريب أن شيئا من المعلومات قد بلغ مسامع قادة الاحتلال ومؤسساته العسكرية والأمنية والاستخبارية حول التطور المؤسسي المطرد الذي غزا كتائب القسام في مرحلة ما بعد حرب "الرصاص المصبوب"، والجهود الهائلة لاستخلاص العبر واستدراك الأخطاء التي باشرها القسام، والعمل الدؤوب الذي وصل الليل بالنهار لإنتاج حالة مؤسسية رائدة لا تختلف عن المنظومة المؤسسية للجيوش النظامية، لكن تقديرات الاحتلال -أمنيا واستخباريا- لامست هذه التطورات بنوع من الاستخفاف، ولم تتوقع أن تتحول مجموعات عسكرية ذات تسليح محدود إلى ما يشبه الجيش النظامي الذي تحكمه مؤسسة قوية وفاعلة، ويحيط به نظام أمني محكم، وتتفرع عنه دوائر عسكرية مبدعة في مختلف المجالات، استطاعت في غضون مرحلة زمنية قصيرة نسبيا بناء منظومة عسكرية متكاملة ذات أهلية كاملة لمواجهة الاحتلال والتصدي للعدوان.
وهكذا، لم تستطع إسرائيل بكل ترسانتها الحربية وقدراتها الاستخبارية المساس بالمنظومة الصاروخية لحماس تقريبا، ولم تُصب من مقاوميها سوى عدد محدود، وبقيت حماس كما هي، قدرات وإمكانات، لم تتأثر بحمم ونيران العدوان، ولم تفقد سوى مئات الصواريخ التي أطلقتها على مدن وبلدات الاحتلال، في إطار منظومتها الصاروخية التي يعتقد الاحتلال أنها ما زالت تحتوي على ما يقارب 10000 صاروخ.
لقد كانت صدمة قادة الاحتلال مدوية، وذهولهم صارخا، حين تكسّرت مخططاتهم العسكرية على نصال غزة، وسقطت مراحل عدوانهم الواحدة تلو الأخرى، في ضوء تكتيكات محسوبة ومنهج مدروس وإجراءات دقيقة ابتدرتها حماس منذ نهاية حرب "الرصاص المصبوب"، ورعتها عبر جهود شاقة لم تتوقف يوما على طريق الإعداد والتدريب والاستعداد للمواجهة.
وحين شمرت حماس عن ساعد الجدّ والعمل عندما وضعت حرب 2008-2009 أوزارها، وبدأت في إعداد العدّة ليوم النزال ومعركة المواجهة القادمة مع الاحتلال، كانت تدرك تماما أنها تسابق الزمن، وأن مستقبل مشروعها الوطني والجهادي يرتبط بمدى جاهزيتها للمعركة، ومدى قدرتها على التطور والارتقاء عسكريا بما يتناسب مع التحدي العسكري الإسرائيلي الذي لم يخفِ يوما نواياه العدوانية للانقضاض على غزة والقضاء على مقاومتها وتدمير قدراتها وبنيتها التحتية.
وهكذا، حشدت حماس كافة عقولها العسكرية وشحذت قرائحها المفكرة في السياقين: العسكري والأمني، وعقدت مئات ورش العمل على امتداد أشهر طويلة حتى أنجزت خلاصات دقيقة ارتكزت على مقاربة بالغة الدقة والأهمية، استوعبت تجربة الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، وتجربة الحرب على غزة 2008-2009، فضلا عن دراسة طبيعة ومضامين السلوك العسكري الإسرائيلي المبثوث طيلة السنوات الماضية ضد قطاع غزة والمنطقة العربية عموما، ومجاراة المخططات العسكرية والتطور العسكري الإسرائيلي الذي يرشح أو يتم الكشف عنه إسرائيليا.
ومن هنا فقد أعدت حماس خطة المواجهة العسكرية بكل دقة وثقة واقتدار، ولم تضيع في سبيل إنجازها لحظة واحدة، وبنت في ضوئها مئات الأنفاق الحدودية والأرضية في طول وعرض قطاع غزة طيلة المرحلة الماضية، وأفنت أوقاتها في تدريب وتأهيل عناصرها وكوادرها في مختلف الميادين والمجالات العسكرية، وعكفت على تطوير منظومتها الصاروخية المحلية الصنع بوساطة عقولها العسكرية الفذة مثل صاروخ "M75"  المطور الذي يتراوح مداه ما بين 75 و80 كيلومترا، واستجلبت تقنيات ما تستطيع من القذائف الصاروخية المتطورة البعيدة المدى مثل صواريخ "فجر 5" التي يزيد مداها على 75 كيلومترا، والقذائف الفعالة المضادة للدبابات من طراز "كورنيت" التي تخترق الدبابات المحصنة على بعد خمسة كيلومترات، ناهيك عن صواريخ أرض/جو المضادة للطائرات، وصواريخ أرض/بحر المضادة للسفن والبارجات الحربية، الأمر الذي غيّر قواعد اللعبة ومسار المعركة وحوّلها إلى معركة مكلفة للاحتلال.
ثالثا: على المستوى الاستخباري:
لا يمكن عزل الانتصار الذي حققته المقاومة عن بعده الاستخباري الذي شكل أرضية الانتصار والإثخان في الاحتلال.
وفي الواقع فإن المعركة مع الاحتلال كانت معركة استخبارية في جوهرها، وتمكنت فيها المقاومة من التفوق على الاحتلال من خلال التالي:
-    قدرتها على بناء بنك أهداف ذو زخم:
لقد استطاعت المقاومة، وخاصة حماس، تدشين بنك أهداف إسرائيلي بالغ الأهمية والخطورة، وخصوصا في المجالين: العسكري والأمني، بما اشتمل عليه من تحديد جغرافي دقيق لقواعد ومواقع سياسية وعسكرية وأمنية بالغة الخطورة، ومن بينها موقع مبنى "الكنيست" الإسرائيلي (البرلمان) في مدينة القدس، وموقعا وزارة الحرب وهيئة الأركان في مدينة تل أبيب، والكثير من القواعد العسكرية التي تم ضربها واستهدافها من قبل كتائب القسام في المواجهة الأخيرة.
وإن شئنا مزيدا من الدقة، فإن الصراخ والغضب الإسرائيلي الرسمي الذي بلغ ذروته بعد قصف مدينتيْ تل أبيب والقدس يرجع في أحد أهم جوانبه إلى دقة استهداف القسام لبعض المواقع والقواعد العسكرية الثابتة جنوب إسرائيل، فضلا عن استهداف الحشود والتجمعات العسكرية المتحركة على الحدود مع غزة، مما فرض على حكومة وجيش الاحتلال ممارسة التعتيم الإعلامي وإخفاء كافة المعلومات ذات العلاقة بالمواقع المستهدفة، ومنع نشرها بأي حال من الأحوال، وإخضاع أخبار القصف الصاروخي الفلسطيني لمقص الرقيب الإسرائيلي الرسمي، والسماح فقط بنشر الأخبار ذات العلاقة بالاستهدافات الصاروخية العامة التي لا تؤثر على الأمن الإسرائيلي.
وبكل تأكيد، لم تستطع حماس تدشين بنك أهدافها إسرائيليا في يوم وليلة، بل كان ذلك نتاجا لسنوات طويلة من الجهد البالغ والعمل المضني والبحث الدقيق الذي شاركت فيه طواقم عمل أمنية متخصصة، لم تغفل أو تهمل معلومة واحدة حتى تمكنت -مع وسائل أخرى- من إعداد بنك أهداف محترم، تم وضع جزء هام منه في دائرة الاستهداف القسامي خلال المعركة الأخيرة.
-    قدرتها على اختراق شبكة الاتصالات العسكرية:
فقد أعلنت سرايا القدس عن اختراق أكثر من خمسة آلاف هاتف من جنود وضباط الجيش الصهيوني وإيصال رسائل إليهم، حيث توفرت المعلومات حول كل جندي وضابط بالاسم والمهام والإيميلات وتاريخ الميلاد ورقم الخلوي والهاتف الأرضي وتم نشرها إعلاميا.
-    قدرتها على تضليل نظام "القبة الحديدية":
فقد كشفت مصادر عسكرية رفيعة المستوى في المقاومة النقاب لأول مرة عن استخدام المقاومة صواريخ تحمل تقنية جديدة، وصفتها بأنها "طُعم  لتفادي منظومة الصواريخ الصهيونية المُسماة "القبة الحديدية"، وذلك في إطار الجهود التقنية التي تبذلها المقاومة لجعل تلك المنظومة عديمة الجدوى من الناحية العملية.
وأوضحت أن التقنية تهدف بشكل عام إلى شل قدرة "القبة الحديدية" على إصابة الصواريخ الحقيقية، وذلك من خلال تقنية معينة تجعل صواريخ القبة الحديدية تنجذب إلى "صواريخ الطُعم" التي تطلقها المقاومة وتستثني الصواريخ الحقيقية التي تحمل الرؤوس المتفجرة، والتي تتمكن من اختراق تلك المنظومة والسقوط على الأهداف المحددة لها.
رابعا: على المستوى الأمني:
من البديهي أن الإدارة العسكرية للمعركة لم تكن لتتكلل بالنجاح لولا قدرة المقاومة، وعلى رأسها حماس، على إدارة المعركة أمنيا.
فالواضح تماما أن إدارة حماس والمقاومة للمعركة أمنيا لم تقل كفاءة عن الإدارة العسكرية، وأن الأمن العسكري الخاص لحماس تزاوج مع الأمن الفلسطيني العام في توليفة مهنية رفيعة، شكلت تحديا بالغا لأجهزة الأمن والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
لقد تجلت ملامح الإدارة الأمنية الرفيعة للمعركة في قدرة حماس ومن ورائها المقاومة على حفظ أمن عناصرها وكوادرها وقياداتها وعموم قواتها العاملة، وحفظ أمن عتادها ومعداتها ومواقعها العسكرية السرية، واعتماد أساليب تمويه وإخفاء متقنة جعلت منصات إطلاق الصواريخ أشبه ما تكون بالأشباح التي لا يمكن بلوغها وتجسيد مواقعها وأماكن وجودها، وهو ما أحبط الاحتلال فأسقط في يده وحُرم من المعلومات الأمنية الدقيقة التي يحتاجها لتغذية بنك أهدافه الذي تفاخر بإعداده وهدد باستهدافه قبل اندلاع العدوان، وجعل منه بنكا فارغ المحتوى وقاصرا على المواقع الحكومية والمنشآت العامة المعروفة، وهو ما اضطره للضرب العشوائي في عمق المدنيين في ظل حالة من التخبط الواسع والإرباك الكبير.
علاوة على ذلك، فقد أقدمت كتائب القسام على تحصين ذاتها الأمنية عبر شبكة اتصالات خاصة على شاكلة شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله اللبناني، وأدارت كافة اتصالاتها وفعالياتها في سياقات المواجهة المختلفة بأمان تام وأريحية كاملة، خلافا للحرب السابقة التي استطاع فيها الاحتلال آنذاك اختراق خطوط وشبكات الاتصال التي يستخدمها المقاومون، مستغلا الكثير من الثغرات التي أثخنت المقاومة وأرهقت كاهلها، وحققت العديد من الإنجازات لصالح الاحتلال.
إلى ذلك، نشرت حماس أدواتها وعيونها الرقابية في كل مكان في إطار جهدها الأمني الرامي إلى فضح وكشف عملاء الاحتلال الذين ينشطون في تزويده بالمعلومات الهامة عن مواقع وجود المقاومين الفلسطينيين، وأماكن إطلاق وتخزين الصواريخ، ونجحت في اكتشاف عدد منهم إبان المعركة، وتم إعدامهم على الفور بعد التحقيق معهم، وهو ما شكل ضربة أمنية ومعنوية للاحتلال، فاضطر عدد آخر من العملاء لتسليم أنفسهم لوزارة الداخلية الفلسطينية في قطاع غزة.





الفروقات ما بين الحربين (حرب 2008م-2009م - حرب 2012م)
من الواضح أن هناك فروقات جلية ما بين الحرب الأولى (2008م-2009م) والحرب الأخيرة (2012م) يمكن تلخيصها في التالي:
أولا: عدم توفر الحاضنة الإقليمية للعدوان:
لقد كان واضحا أن النظام المصري السابق بشكل خاص، ومجموع الأنظمة العربية الاستبدادية الأخرى، شكلت الحاضنة الإقليمية للعدوان الإسرائيلي على غزة نهاية 2008م وبداية 2009م، ولولا دعم النظام المصري وأخواته من الأنظمة لعدوان الاحتلال لما تجرأ على توسيع عدوانه وإطالة أمده، ولما تعامل مع غزة بأريحية تامة في ظل غياب الظهير العربي المؤازر.
لكن الحاضنة الإقليمية لم تتوفر لإسرائيل في عدوانها الأخير على غزة في ظل مصر الجديدة ما بعد ثورة 25 يناير، بل إن مصر الجديدة لعبت دورا هاما في التصدي للعدوان الإسرائيلي والعمل على كبحه سياسيا ودبلوماسيا، ما أربك الحسابات الإسرائيلية وحرمها من سند قوي كان يشكل في الماضي كنزا استراتيجيا بالنسبة إليها، وأجبرها على إعادة النظر في خيارات عدوانها منذ أيامه الأولى.  
ثانيا: محاولة الاحتلال تقليص استهداف المدنيين:
لم يكن هناك أدنى شك أن حكومة الاحتلال قامت باستخلاص العبر من وراء عدوان "الرصاص المصبوب"، وحاولت –بالتالي- تقليص استهداف المدنيين الفلسطينيين الذين طالتهم يد البطش والعدوان بشكل غير مسبوق في الحرب الأولى.
ومع ذلك، فإن حرص الاحتلال على تجنيب المدنيين الفلسطينيين نار البغي والعدوان بغية الالتفاف على شدة الانتقادات الدولية وجهود المحاسبة الأممية لم يدم طويلا تحت مطرقة الفشل في استهداف المقاومة والمقاومين، إذ لجأت إسرائيل وجيشها الغاشم إلى استهداف المدنيين في محاولة لتعويض الفشل ورفع معنويات المجتمع الإسرائيلي المنهارة تحت وقع الصواريخ الفلسطينية.
ومع ذلك يبقى أن استهداف المدنيين في الحرب الأخيرة لا يمكن أن يقارن باستهداف المدنيين في الحرب الأخيرة.  
ثالثا: الأداء العسكري الرفيع للمقاومة:
لعل الأداء العسكري الرفيع للمقاومة في الحرب الأخيرة يشكل أحد أهم الفروقات ما بين الحربين، وهذا ما جسدته قدرة المقاومة على إطلاق الصواريخ المحافظة على قوة نيران دائمة، وقدرة التخفي العالية التي أربكت الاحتلال، وقدرتها على إدارة المعركة بشكل استراتيجي بشكل متواز مع المحافظة على الجبهة الفلسطينية الداخلية.
وبدا واضحا أن المقاومة قد استفادت تماما من الثغرات والأخطاء التي سقطت فيها إبان الحرب الأولى، وأن السنوات الماضية قد مثلت حالة عمل واستنهاض تجاوزت معها المقاومة أخطاء الماضي ما أهلها لخوض مواجهة قوية حققت بها انتصارا واضحا على العدوان الإسرائيلي.
ثالثا: جاهزية المقاومة الفلسطينية:
من أوضح نقاط الاختلاف التي ميزت الحرب الأولى عن الأخيرة أن الحرب الأولى فاجأت قوى المقاومة الفلسطينية بشكل كامل، وأربكتها من الألف إلى الياء، ما اضطرها إلى استهلاك ساعات طوال لامتصاص آثار الضربة الأولى التي شاركت فيها عشرات الطائرات الحربية الإسرائيلية على امتداد مساحة القطاع المحاصر.
لكن الحرب الأخيرة كانت حالة مختلفة عن ذلك تماما، فقد تنبأت بها المقاومة الفلسطينية، واستعدت لها بشكل جيد، ووضعت كافة السيناريوهات والبدائل المتعلقة بمسار المواجهة وظروف التصدي للحرب والعدوان.
ومن هنا فقد لعبت جاهزية المقاومة الفلسطينية دورا بالغ الأثر في إحراز الانتصار في الحرب الأخيرة، وأثبتت قدرتها على التعلم من أخطائها واستفادتها من تجارب وعثرات الماضي.
رابعا: وحدة العمل المقاوم:
من أهم الميزات التي تفردت بها المواجهة الأخيرة تشكيل غرفة عمليات مشتركة لقوى وفصائل المقاومة الفلسطينية المختلفة كتعبير حيّ عن وحدة العمل المقاوم خلافا للحرب السابقة التي شهدت تشتتا في جهود المقاومة آنذاك، فضلا عن مشاركة قوى معينة في مواجهة العدوان تلك الفترة في ظل استنكاف وعدم مشاركة قوى أخرى.
ولئن بدا أساس الوحدة انطلاقا من سرايا القدس وكتائب القسام ما قبل اندلاع العدوان الأخير إلا أن قوى المقاومة ما لبثت أن استقرت على تشكيل غرفة عمليات مشتركة مع بداية العدوان كان لها أفضل الأثر في توجيه أداء المقاومة وتنسيق خطواتها وممارساتها إبان العدوان، وهو ما ساهم في مزيد من إرباك الاحتلال وحرمانه من تحقيق أهدافه، وأوصل رسالة عميقة للاحتلال حول مدى تكاتف وصلابة المقاومة ومدى متانة الجبهة الفلسطينية الداخلية.  
خامسا: التسلح الجيد للمقاومة:
يعتبر التسلح الجيد للمقاومة في الحرب الأخيرة من أهم الفروقات والتباينات التي ميزت ما بين الحربين، إذ لم تمتلك المقاومة في الحرب الأولى سوى صواريخ ذات مديات متوسطة وأسلحة خفيفة ومضادات الدروع من نوع "آر. بي. جي"، فضلا عن العبوات الناسفة، فيما امتلكت في الحرب الأخيرة عتادا مميزا، تمثل في الصواريخ بعيدة المدى التي طالت القدس وتل أبيب، وصواريخ "كورنيت" المضادة للدبابات، وصواريخ أرض/ جو، وصواريخ أرض/ بحر، فضلا عما تواتر من امتلاك كتائب القسام طائرات بدون طيار، وأسلحة أخرى.
وفي ظل الأداء الرفيع للمقاومة فليس مستبعدا أن يكون بحوزة المقاومة أسلحة أخرى لم يتم الكشف عنها حتى اليوم، وكانت تدخرها كذخر هام فيما لو استمرت المعركة لوقت أطول وتوالت فصولها بشكل دراماتيكي.
سيناريو تطور الأداء
تحتاج المقاومة الفلسطينية في المرحلة المقبلة إلى إدخال تحسينات إضافية على عملها وأدائها المقاوم من جهة، كما تحتاج إلى تطوير قدراتها العسكرية من جانب آخر.
أولا: على صعيد العمل والأداء:
تبدو المقاومة أشد ما تكون احتياجا إلى تطوير أدائها الاستخباري والأمني خلال المرحلة المقبلة.
فهي بحاجة شديدة المساس إلى إعادة بناء بنك الأهداف الخاص بها الذي تم استنفاذ جزء كبير منه خلال الحرب الأخيرة، وبحث أفضل السبل لاختراق المنظومة العسكرية والأمنية الإسرائيلية بهدف تشتيتها وإرهابها معنويا خلال أي مواجهة قادمة، وتطوير قدرتها على تضليل منظومة "القبة الحديدية" بما يشل –أو يضعف على أقل تقدير- قدرتها على مواجهة صواريخ المقاومة مستقبلا.
وفي المجال الأمني تحتاج المقاومة إلى تطوير نظامها الأمني الداخلي الذي يحفظ كيان وسلامة عناصرها ومقدراتها، وخصوصا في ظل سعي إسرائيل لاكتشاف حقيقة النظام الأمني الذي ضربته المقاومة حول نفسها وأدائها خلال الحرب الأخيرة.
كما تحتاج المقاومة إلى بذل جهد أكبر لاكتشاف وتصفية شبكات العملاء التي لم يتم اكتشافها حتى الآن، فعلى الرغم من قلة عدد العملاء والضعف المطرد لفاعليتهم الميدانية إلا أن المقاومة مطالبة بإبداء أقصى درجات اليقظة من كافة محاولات الاختراق الأمني، والتنسيق مع الحكومة وأجهزتها الأمنية المختصة على طريق ضبط ومحاصرة هذا السرطان الخبيث الذي لا زال قائما بدرجات ما في الجسد الفلسطيني.  
ثانيا: على صعيد القدرات:
أما على صعيد القدرات القتالية فإن المقاومة تحتاج إلى تطوير منظومتها الصاروخية كي تطاول مديات أبعد من ذي قبل، ولا مناص أمام المقاومة من امتلاك صواريخ تغطي كافة مساحات فلسطين المحتلة إن أرادت تحقيق نوعي آخر خلال أية مواجهة أو حرب مقبلة.
وبالطبع فإن الأمر لا يتعلق بضرورة توفر عدد محدود من الصواريخ بعيدة المدى، وغيرها من الصواريخ المضادة للدبابات، والمضادة للطائرات الحربية، والمضادة للسفن والبوارج الحربية، بل إن المقاومة بحاجة إلى امتلاك عدد كبير من هذه الصواريخ التي تؤهلها لخوض معركة قوية وذات مدى زمني طويل مع الاحتلال.
وبكل تأكيد، فإن امتلاك التقنيات الحديثة من قبيل طائرات بدون طيار بأعداد وافرة يشكل ضرورة ملحة ينبغي أن تحرص عليها المقاومة في المستقبل القريب.
ثالثا: على صعيد التخطيط والتنظيم:
من الواضح تماما أن معركة المقاومة مع الاحتلال هي معركة عقول بشكل أساسي، وأن قدرة المقاومة على الإبداع في هذه المعركة، والتخطيط الجيد والتنظيم المتقن للمواجهات القادمة والمتوقعة مع الاحتلال من شأنه أن يجعل النصر أكثر اقترابا، ويمنح المقاومة فرصة تحقيق انتصار آخر على عجرفة وجبروت واستكبار الاحتلال.
ولا ريب أن تضاريس الواقع الجغرافي تضفي تعقيدات مفهومة على مشهد الصراع والمواجهة مع الاحتلال، إلا أن المقاومة مطالبة بإدخال أكبر قدر ممكن من التنوع في وسائل المواجهة والتصدي، وتوسيع دائرة خياراتها القتالية، بما يجعلها أكثر قدرة وثقة إبان أي مواجهة مقبلة.
وفي الوقت الذي يستوجب على المقاومة العمل على تحييد القدرة الجوية الإسرائيلية قدر الإمكان في أي مواجهة قادمة، فإن ظروف الواقع وسيناريوهات الأحداث تفرض استعدادات من طراز خاص لإمكانية اجتياح بري شامل قد تنفذه إسرائيل بطرق مبتكرة مستقبلا.
ومن هنا يجب عدم الاقتصار على الأنفاق فحسب على أهميتها البالغة في مضمار أي مواجهة قادمة، وابتكار وسائل وأساليب جديدة من شأنها أن تصد العدوان وتحبط الكيد الإسرائيلي وتضيف هزيمة جديدة ومدوية إلى رصيد الجيش "الذي لا يُقهر".
وأخيرا.. ينبغي أن تدرك المقاومة الفلسطينية أن إسرائيل لم تنام على جرحها الغائر والمفتوح في الحرب الأخيرة التي جرّت معها ذيول الخيبة والفشل والخسران، وأنها تعدّ العدّة لمواجهة قوية وحامية الوطيس خلال المرحلة القادمة، ما يستدعي منها استمرار العمل الدؤوب، ووصل الليل بالنهار، على طريق الإعداد الصحيح والتخطيط الدقيق والتنظيم السليم، واستدعاء كل الخبرات والكفاءات العسكرية والأمنية الكفيلة باستنهاض الدور المطلوب للمقاومة الذي يؤهلها لمعركة الخلاص والتحرير مستقبلا إن شاء الله.