Menu
12:02السلطة ترسل رسائل متطابقة حول انتهاكات الاحتلال
11:42السودان خيبتنا الجديدة: مسيرة إلغاء لاءات الخرطوم الثلاثة
11:40حماس بذكرى "كفر قاسم": مجازر الاحتلال تستدعى عزله لا التطبيع معه
11:38نشر آلاف الجنود في فرنسا والشرطة تقتل مسلحا يمينيًا
11:3796 يومًا على إضراب الأسير ماهر الأخرس عن الطعام
11:34تفاقم الحالة الصحية للأسير أبو وعر بعد أول جلسة كيماوي
11:32كابينيت كورونا: بدءًا من الأحد تخفيف القيود على الأنشطة التجارية
11:31"إسرائيل" تخشى تصعيد جديد في غزة بذكرى اغتيال أبو العطا
11:27صحفي إسرائيلي يكشف حقيقة انقطاع التيار الكهربائي عن "إسرائيل"
11:26أسعار صرف العملات في فلسطين
11:24الطقس: الحرارة اعلى من معدلها بـ 3 درجات
11:24الصحة بغزة :تسجيل حالة وفاة و178 إصابة جديدة بفيروس كورونا و135 حالة تعافٍ
21:11"الخارجية": تسجيل 99 إصابة جديدة بفيروس "كورونا" في صفوف جالياتنا
21:08"الصحة" بغزة تصدر بيانًا بشأن ازدياد أعداد الإصابات بكورونا
21:06حماس تعقب على إعلان وزير الخارجية الأمريكي بخصوص الأمريكيين المولودين في القدس

السودان خيبتنا الجديدة: مسيرة إلغاء لاءات الخرطوم الثلاثة

أرض كنعان/

التطبيع الإماراتي البحريني لم يكن مفاجأة، هناك شبه إجماع من الكتاب والمحللين والمتابعين لمسيرة محمد بن زايد، الحاكم الفعلي للإمارات، وحمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، بأن التطبيع كان يُطبخ على نار هادئة، وكل المؤشرات كانت تومئ بأن التطبيع الرسمي مقبل لا محالة.

لكن قرار السودان ولوج باب التطبيع، بدون أن يكون هناك كثير من المؤشرات، كان مفاجئا للبعض، خاصة بعد تصريح رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك، بأن التطبيع ليس من مسؤولية الحكومة المؤقتة الحالية، كما أن الكثيرين كانوا يعتقدون أن وضع السودان لن يسمح بمثل هذه الخطوة، التي لا تليق بشعب السودان العريق، وأحزابه وقواه الحية، التي فجرت الانتفاضات الشعبية قبل غيرها.

كيف للسودان صاحب المأثرة التاريخية في احتضان مؤتمر الخرطوم في نهاية أغسطس 1967، الذي جمع «الشتيتين بعدما يظنان كل الظن ألا تلاقيا» كما قال الملك السعودي فيصل، لعبد الناصر، حيث أصدرت تلك القمة التاريخية لاءات الخرطوم الثلاثة «لا صلح، لا اعتراف، لا مفاوضات» يقبل على نفسه بعد 53 سنة أن يقوم رئيس وزراء الكيان الصهيوني، نتنياهو، بإلغائها الواحد بعد الآخر ويعلن أن الخرطوم تقول الآن نعم للصلح نعم للاعتراف ونعم للتطبيع؟ الأمر لم يأت مرة واحدة، بل مرّ في عدة مراحل، بسبب وجود حكام فاسدين طغاة يساومون على كرامة الوطن والمواطنين، لإنقاذ أنفسهم ولكن إلى حين.. فما الذي جرى؟

الطعنة الأولى: النميري والفلاشا

عبر رشوة للرئيس جعفر النميري، الذي أعلن أنه خليفة للمسلمين، تم نقل نحو عشرين ألفا من يهود الفلاشا من إثيوبيا عبر السودان. لقد نشرت تفاصيل الصفقة صحيفة «يديعوت أحرونوت» وموقع «واللا» عامي 2017- 2018. فقد تم ترحيل آلاف من اليهود الفلاشا، بفضل علاقات النميري مع الولايات المتحدة وإسرائيل، عندما وافق النميري قبل سنة من الإطاحة به في ثورة شعبية، على طلب من الموساد بالسماح لتجميع فلاشا إثيوبيا والسودان في معسكر أقامته إسرائيل في قرية «إيروس» السياحية المهملة على البحر الأحمر، القريبة من الحدود مع إثيوبيا، ثم قامت الموساد، تحت غطاء شركة سياحية أجنبية، بترميمها لتستقبل الفلاشا من إثيوبيا، وتنقلهم بعدها عبر أوروبا إلى تل أبيب، في عملية أطلق عليها «عملية موسى».

 وعندما تبين أن أعداد الفلاشا أكبر من المتوقع، ومن الصعب تهريبهم، استعانت الموساد بجورج بوش الأب، نائب الرئيس الأمريكي ريغان آنذاك، الذي اتصل مع النميري الذي أرسل عددا من المروحيات لنقلهم جميعا وإنهاء الصفقة بسهولة مقابل مبلغ من المال. وعندما تسربت أخبار العملية، وجرّب النميري وقفها، خوفا، لا صحوة ضمير، استمرت الموساد في عملها من الخرطوم تحت حماية مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية في الخرطوم ميلتون بيردين، الذي ساهم في تهريب عملاء الموساد في صناديق خشبية نقلت في طائرة أمريكية خاصة.

الغريب أن الصحيفة تشير إلى أن عددا من المتورطين في العملية ضبطوا ووضعوا في السجن جميعا وصدرت ضدهم أحكام بالإعدام أيام عمر البشير. لكن أطلق سراحهم جميعا بواسطة رجل أعمال إنكليزي استطاع تخليص المتعاونين من سودانييين وإثيوبيين وبعد تقديم رشاوى كبيرة للرئيس الجديد.

الطعنة الثانية – عمر البشير والتحضير للتطبيع

في أواخر عهد عمر البشير بدأ النظام يتقرب من إسرائيل، ويرسل الإشارة تلو الأخرى لعل أحدا يلتقطها. حاول البشير بكل الطرق إعادة تأهيله وقبوله في المجتمع الدولي، بعد أن فرضت عليه عقوبات قاسية، ووضع اسم السودان على قوائم الإرهاب، وأدين من المحكمة الجنائية الدولية، وأصبح مطلوبا للعدالة على الجرائم التي ارتكبها في دارفور، إلا أنه فشل فشلا ذريعا، ووجد نفسه محاصرا ومهمشا.

تنازل عن جنوب السودان، وقام بطرد كارلوس (الثعلب) وتسليمه إلى فرنسا في 14 أغسطس 1994، ثم قام بإبعاد أسامة بن لادن عام 1996 إلى أفغانستان، لكن هذا لم يمنع الولايات المتحدة من توجيه ضربة ضد مصنع الشفاء للأدوية عام 1998، بتهمة دعم تنظيم «القاعدة» المسؤول عن تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام.

وقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية بتاريخ 4 مارس 2009 مذكرة اعتقال بحق البشير على ما ارتكبه، هو وضباطه الكبار وميليشيا الجنجويد من جرائم ضد الإنسانية في دارفور. المساومة مع البشير لتغيير تحالفاته، والتطبيع مع إسرائيل قادها محمد بن زايد، ثم محمد بن سلمان. انقلب البشير على حلفاء الأمس، وقطع علاقته مع إيران وحماس، وأرسل جنوده يحاربون في اليمن، لكن بن زايد لم يكتف بهذا، بل أراد أن يعبد الطريق أمام البشير للولوج في ميدان التطبيع، الذي كان يحضر لمرحلة ما بعد خنق ثورات الربيع العربي.

مؤشرات التطبيع بين السودان وإسرائيل، رغم النفي الرسمي، بدأت تملأ الأجواء في السنتين الأخيرتين لحكم البشير. هيئة الإذاعة الإسرائيلية أعلنت يوم الاثنين 26 نوفمبر 2018، عزم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو زيارة السودان، وأن ثمة طواقم تعمل على بناء علاقات مع الخرطوم، لتطوير العلاقات مع إسرائيل.

 مبارك الفاضل، وزير الاستثمار ونائب رئيس الوزراء السابق، دعا إلى مراجعة موقف السودان من إسرائيل. لم يكتفِ الفاضل بالتزلف والتملق لدولة الاحتلال، والدعوة للتطبيع معها، وإنما راح يتهم الفلسطينيين بأنهم باعوا أراضيهم، وأن القضية الفلسطينية كانت السبب في التأخير الشديد للعالم العربي، وكأن الفلسطينيين هم المسؤولون عن انفصال جنوب السودان، وعن الفقر والجفاف والفساد وبقاء أبيي الغنية بالنفط منطقة متنازعا عليها.

الطريق الأسهل للحماية من زنازين المحاكم الدولية هي الارتماء في أحضان كيان الاغتصاب وطعن الشعب الفلسطيني في الظهر

المفكر والأكاديمي في جامعة الخرطوم مصطفى نواري، دعا في حديث لـ«عرب 21» إلى «عدم التعاطي بحساسية سياسية غير موضوعية بشأن العلاقة مع إسرائيل» ويتساءل قائلا: «جميع الدول المحيطة بالسودان أنشأت علاقات مع إسرائيل، وقبل ذلك مصر، فهل يترك السودان كجزيرة معزولة أمام أقوى دولة في المنطقة؟». وزير الخارجية إبراهيم غندور يضيف إلى جوقة المنادين بالتطبيع قائلا: «السودان يمكن أن يدرس مسألة التطبيع مع إسرائيل. وهذه مسألة ستوضع على جدول أعمال لجنة العلاقات الخارجية لمؤتمر الحوار الوطني السوداني، وسنرى أن غالبية أعضائها يؤيدون إقامة علاقات معها». في نهايات عهد البشير كان السودان على وشك الانضمام لمجموعة المطبعين، الذين حولوا الخلاف مع إيران إلى تناقض رئيسي، يصغر معه العداء لإسرائيل. وبهذا انتقل البشير من النقيض إلى النقيض.

الطعنة الثالثة: البرهان – حمدوك وتقنين التطبيع

الانتفاضة التي انطلقت في ديسمبر 2018 من مدينة عطبرة، تحولت بسرعة إلى ثورة بعد انضمام «تجمع المهنيين السودانيين» إليها، ثم انضم إليها عدد من الأحزاب تحت وثيقة «إعلان قوى الحرية والتغيير». ارتفعت وتيرة المطالب ليس فقط لإسقاط البشير، بل لتشكيل حكومة كفاءات مؤقتة لمدة أربع سنوات لإصلاح الاقتصاد، وإطلاق الحريات، واسترداد الأموال المنهوبة، ومحاكمة نظام الفساد الذي وضع السودان في المرتبة 176 من مجموع 180 دولة على سلم الفساد.

 واجه النظام الثورة بالقوة وجندل المئات، لكن اللعبة كانت، وبتشجيع من دولتي الإمارات والسعودية، الالتفاف على قوى الثورة، والقبول بنصف الكأس بدل الاستمرار في الثورة حتى نهايتها. فَرِح الثوار باسقاط البشير في إبريل 2019 لكن لم تكن لديهم خطة بديلة لما بعد سقوط الطاغية، فاستلم الأمور المجلس العسكري، الذي يمثل امتداداً للنظام بوجه آخر.

 ورغم أن قوى الحرية والتغيير رفضت المجلس العسكري في البداية، إلا أنها عادت وقبلت دعوته للحوار والتفاوض، على نحو أكسبه اعترافاً إقليمياً ودولياً، وإن كان محدوداً. وللعلم فمعظم ضباط المجلس العسكري من المتورطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، وأسماؤهم مدرجة على قائمة المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية ومنهم: عوض بن عوف وزير الدفاع السابق، وعبد الفتاح البرهان، والطيار صلاح عبد الخالق ومحمد حمدان دقلو (حميدتي). من هنا يجب أن نفهم ما قام به المجلس العسكري، قاذفين عرض الحائط، بأي رأي للمدنيين والأحزاب وقوى الثورة والتغيير. إنه انقلاب على الثورة الشعبية قبل أن تكتمل.

 إن مبلغ 350 مليون دولار الذي دفع للولايات المتحدة من الإمارات والسعودية ليس لرفع اسم السودان فقط من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بل الأصح لإعفاء هؤلاء المجرمين من المحاكمة مقابل تخلي السودان عن مواقفه التاريخية وسياسته المتوازنة، والانضمام للمطبعين. إن الطريق الأسهل للحماية من زنازين المحاكم الدولية، هي الارتماء في أحضان كيان الاغتصاب وطعن الشعب الفلسطيني في الظهر.

للشعب السوداني خبرة عريقة في الانتفاضات الجماهيرية السابقة للربيع العربي، بل وللانتفاضة الفلسطينية. فقد أسقط الشعب السوداني نظام إبراهيم عبود في انتفاضة أكتوبر عام 1964، عن طريق الهبة الجماهيرية غير المسبوقة، ثم عاد وأسقط نظام النميري عام 1985 بالطريقة نفسها، ثم عاد وأسقط نظام البشير عامي 2019-2020. فلا يظنن طاغية يصادر حق شعبه في سياسة بلاده وكرامتها ويتخذ قرارات مخالفة للوعي العام، والهوية الأصيلة للشعب، غير قادر على إسقاط النظام. إنها مسألة وقت فقط.