بقلم / نضال أبو عيشة
منذ عقود مضت لم تتوانى الأنظمة العربية من السير في مسيرة التطبيع مع إسرائيل، واتخذت تلك العلاقات منحى من السرية في ظل المد القومي العربي، وحضور لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتعاطف الجماهيري مع القضية الفلسطينية التي مثّلت القضية المركزية في الصراع مع إسرائيل.
وشكّلت اللقاءات السرية والمجالات الأمنية والتجارية باكورة انفتاح العلاقات العربية الاسرائيلية ومحور اهتمام الأنظمة العربية وحكومات اسرائيل على شتى ألوانها السياسية والايديولوجية، لتبرز دعوات عربية رسيمة كدعوة التعايش السلمي ودمج إسرائيل في الجامعة العربية، إلى توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل، لتشكل فاتحة خلخلة بنية النظام السياسي العربي، فمؤتمر مدريد للسلام، وتوقيع اتفاقية أوسلو ووادي عربة بين كل من منظمة التحرير الفلسطينية والاردن من جهة واسرائيل من الجهة الاخرى.
وعمدت بعض الأنظمة العربية بعد منتصف تسعينيات القرن المنصرم من المغرب العربي إلى الخليج العربي لفتح أبوابها الموصدة، بفعل الرفض الشعبي، أمام الإسرائيليين حيث فتحت الممثليات التجارية الإسرائيلية في أكثر من عاصمة عربية وكانت بطريقها لتصبح سفارات، متخذة من اتفاقية اوسلو ذريعة للتطبيع مع إسرائيل كون قضية الصراع العربي الاسرائيلي في طريقها للحل، لتتهاوى تلك الفرضية مع اندلاع انتفاضة الأقصى الفلسطينية خريف عام 2000، وتغلق الممثليات تباعاً لاحقاً.
أفرزت الاحتجاجات الشعبية العربية التي انطلقت من تونس نهاية عام 2010 ومخرجاتها تآكل في النظام السياسي العربي وتغيير في موازين القوى العربية، إذ أدرجت كل من مصر وسوريا، والعراق (بفعل الاحتلال الامريكي عام 2003)، على سلم الدول الفاشلة، لصالح دول الخليج العربي التي تصدرت المشهد السياسي كقوى فاعلة على الساحة العربية وإعادة محور الاعتدال العربي لحيزه بزعامة السعودية والامارات العربية وبغطاء أمريكي، إلى جانب بروز إيران وتركيا كقوى إقليمية مؤثرة في المنطقة.
وبرزت الأجندة الإقليمية ومحاور الاستقطاب بين كل من إيران وتركيا ومحور السعودية-الامارات، والصراع فيما بينها لحسابات تتعلق بأهدافها السياسية وتخصّها وتخصّ سياساتها، ولتعيد تشكيل الخارطة السياسية للمنطقة. اتخذ الصراع السياسي في المنطقة عدة اشكال، طائفي بين الخليج وايران، ونفوذ بين تركيا والخليج تخلله ذريعة دعم تركيا لجماعات الاسلام السياسي التي يعاديها محور السعودية-الامارات.
استغل الصراع بين المشروعين الإيراني والتركي في المنطقة ومحور السعودية-الامارات، وبذريعة تهديد المشروع الإيراني للمنطقة وأمنها واستقرارها، لتوطيد العلاقات مع اسرائيل وتناغماً مع السياسية الأمريكية بانخراط محور السعودية-الامارات بالمحور الأمريكي الإسرائيلي.
وطفت العلاقات الخليجية الإسرائيلية على العلن، في ظل حالة ترهل النظام السياسي العربي من جهة، والتفسخ السياسي والاجتماعي للمجتمعات العربية من جهة أخرى. وتوجت تلك العلاقات بإعلان التطبيع الاماراتي الإسرائيلي برعاية أمريكية، ومباركة عربية من محور السعودية- الامارات، سيتبعه تطبيعاً لدول المحور كالبحرين وعُمان إلى جانب السودان والمغرب بحجة تحقيق الرخاء لشعوبها وحماية أمنها.
لتبدأ ملامح حلف يتشكل في المنطقة يضم دول محور السعودية –الامارات- إسرائيل، قائم على اساس اقتصادي أمني عسكري شبيهاً بحلف بغداد عام 1955 حينما كانتا إيران وتركيا جزءاً منه ويمثلا الحديقة الخلفية للبيت الابيض، للوقوف بوجه المشروعين الايراني والتركي الآن.
وسيكون الرابح الاكبر منه إسرائيل اذ قلبت معادلة الصراع من الأرض والأمن مقابل السلام إلى السلام مقابل السلام، مما يتيح لإسرائيل استمرار السيطرة والتفرد باحتلال الأراضي الفلسطينية وهضبة الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية.
استغلت إسرائيل ومحور الاعتدال العربي حالة تفكك النظام السياسي العربي ومجتمعاته بالمضي قدماً على ادماج إسرائيل بالمنطقة العربية، باعتماد مبدأ السلام مقابل السلام تحقيقاً لغايات وأهداف سياسية واقتصادية بحتة، في حين أن اتفاقيات السلام الموقعة مع إسرائيل منذ كامب ديفيد للآن لم تجلب الامن والاستقرار والرخاء لشعوب تلك المجتمعات، ومن جانب آخر لم يفض أكثر من ربع قرن من المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية إلى تحقيق ما تم التفاوض لأجله، بل على العكس تتنكر إسرائيل للاتفاقيات والتفاهمات مع السلطة الفلسطينية وتوغل في السيطرة على الأراضي الفلسطينية، وتمكنت إسرائيل من الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب في كافة المجالات نتاج تلك الاتفاقيات.
بالمجمل العام يمكن القول أن محور السعودية-الامارات ماض قدما في التطبيع مع إسرائيل وإدماجها بالمنطقة العربية، دون الاعتبار من تجارب التطبيع العربية السابقة، متجاوزاً القضايا العربية وسينأى بنفسه عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كما نأى حلف بغداد عن الصراع العربي الاسرائيلي، وسيعزز من وجود إسرائيل بالمنطقة وانخراطها بكل شؤونه، ويحقق نبوءة الشرق الأوسط الجديد أو الكبير.
وكما انفض حلف بغداد ولم يحقق أهدافه بوقف التوسع السوفيتي والمد الشيوعي بالمنطقة، لن يكتب لهذا المحور بالحياة كونه يتعدى أدنى الحقوق والطموحات الشعبية العربية، وان كانت الحالة الراهنة مشجعة لاستمراره، والرهان على القوى الحية في الأمة العربية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة أرض كنعان الإخبارية