أرض كنعان / رصاصة غادرة كانت كفيلة بقلب حياة المواطن باسم سمودي رأسًا على عقب الذي لم يستفق بعد من صدمة استشهاد زوجته داليا بدون أية مقدمات فيما طفلاه سراج وإياس اللذان لا يعيان ما يجري حولهما يحدقان في عيون الجميع بحثا عن لمسات أم لم تعد موجودة.
ففي ليلة صعبة من المواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي التي اقتحمت حي الجابريات بمدينة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة أطلق جنود الاحتلال الرصاص والغاز المسيل للدموع بشكل عشوائي بين منازل المواطنين، وبينما كانت داليا تستيقظ فجرا على صراخ ابنها لتجهز له الحليب كان الغاز المسيل للدموع يملأ المكان.
بادرت استيتي لإغلاق النافذة حتى توقف تسلله إلى داخل غرفة النوم فكانت الإصابة القاتلة في الصدر برصاصة غادرة لأم لم تكن تشكل أي خطر على جنود الاحتلال في تلك اللحظات.
سقطت أرضًا وفي أحضانها طفلها، لكن جيش الاحتلال أمعن بالجريمة حسب زوجها باسم سمودي الذي أشار إلى عرقلة جيش الاحتلال وصول الإسعاف للمنزل وإطلاق النار على مركبة الإسعاف التي أصيبت أيضًا برصاصتين.
وفي هول المنظر نُقلت داليا بمركبة الإسعاف إلى المستشفى، لكن النزيف كان حادًا جدًا، حسب ما أخبرنا الطبيب وسام بكر الذي قال: إن داليا وصلت والرصاصة قد اخترقت الصدر والكبد والبنكرياس والشريان الأبهري.
ويشير إلى أنه جرى استدعاء طاقم طبي متخصص في الأوعية الدموية من نابلس وصل على عجل وأشرف على العملية الجراحية لكن قدر الله كان نافذا لترتقي بعد نحو سبع ساعات من إصابتها.
ولم يكن بمقدور عائلتي استيتي وسمودي تحمل الموقف إلا من خلال الرضا بقضاء الله، وكانت كلمات الشيخ أحمد استيتي والد الشهيدة مؤلمة حين قال لصهره عقب استشهاد ابنته: "أتذكر حين تقدمت للزواج منها، أخبرتك أنها أمانة ودير بالك عليها، وهاي الأمانة رجعت..والله ما قصرتوا".
وفي موكب مهيب شيع أهالي جنين ومخيمها الشهيدة إلى مقبرة الشهداء في المخيم وسط صيحات الغضب، لكن شيئًا مؤلمًا آخر كان في موكب التشييع، إذ تلك النظرات التي أرمق بها الطفلين الرضيعين سراج وإياس الحاضرين لتنتهي حكاية داليا وتبدأ حكايتهما الجديدة.
ويستذكر الشيخ استيتي إمام مسجد عبد الله عزام في مخيم جنين ابنته داليا التي قال إنه "رباها تربية دينية صالحة، وكانت قدوة حسنة في الالتزام الديني والأخلاق الحميدة".
ويؤكد أن كل فلسطيني مستهدف، وأن الاحتلال لا يرحم أحدا، وأن الشهادة في سبيل الله قدر قد يصيب أي فلسطيني يسكن في أرض الرباط.
واعتبر استيتي قتل أم أمام طفليها جريمة لا تغتفر، متسائلًا عن أي خطر أمني تشكله أم داخل منزلها مع طفلين، وأي عقل إجرامي ذلك الذي حمل الجندي مطلق النار على الإقدام على فعلته.
أما والدة داليا فتقول فيما سراج وإياس ابني الشهيدة يحومان حولها: "الله ينتقم ممن يتمهما.. هذا قدر الشعب الفلسطيني من الاحتلال اللعين ".