ارض كنعان
هاني الشاعر
رائحة جميلة تفوحُ من داخل دفيئةٍ يتيمة للورود والزهور، تتوسط عددًا من الدفيئات الزراعية، غربي محافظة رفح جنوبي قطاع غزة، لكنها تخفي مصيرا حزينا لتلك الورود.
وبمجرد دخولك الدفيئة، يُبهرك جمال الزهور والورود، التي تفتحت وباتت جاهزةً للقطاف، إلا أن الظروف التي يمر بها قطاع غزة؛ بسبب جائحة "كورونا" تحول دون ذلك.
هذه الزهور توقف بيعها بشكلٍ شبة كامل في السوق المحلية في القطاع، وأصبحت من نصيب المواشي، التي باتت منذ أسابيع وجبتها الدّسمة؛ فيما تعتصرُ الحسرة قلب العشريني لباد حجازي، الذي يندبُ حظه كآخر مزارع في رفح؛ أصر على الاستمرار في زراعة الورود، بعد توقف التصدير للخارج منذ عام 2012؛ نتيجة الحصار الإسرائيلي، وتوقف الدعم الهولندي.
حجازي الذي اقتلع جزءًا من دفيئته، وزرع بديلاً عنها، وأبقى على كمياتٍ قليلة، على أمل أن يُسعفه البيع الشحيح بكمياتٍ قليلةٍ وثمنٍ زهيد لمتاجر محلية، بناءً على طلبها، في تعويض جزءً من خسارته التي تكبدها، منذ تفشي الجائحة، ووصولها بصورةٍ محدودٍ لغزة؛ فيما أمسك مقصه الحديد الذي اكتساه الصدأ لقلة العمل، بعدما كان لا يتوقف عن قطع سيقان الورود مع كل صباح في زمنٍ عله يعود مُجدّدًا.
وبدأت زراعة والده للورود منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، واستمرت حتى عام 2012؛ جراء وقف التصدير للخارج، وتقليص مساحة الزراعة لعشرة دونمات فقط، يزرعها بأصناف للسوق المحلية، منها: "الجوري، الزنبق، اللونضا، الخرسيوت، القرنفُل، ليمونيوم..".
يقول حجازي لمراسل "صفا"، وهو يهمُ بقطع كميةٍ من الورود لخرافه التي يربيها في فناء منزله: "تكبدنا خسائر فاقت 200 ألف شيكل؛ وكل يوم يمر تكلفته تبلغ نحو 800شيكل، موزعة ما بين (عمال، كهرباء، مياه، مبيدات، سماد عضوي..)".
ويضيف "كنا ننتظر قدوم الربيع والصيف، الذي تزهر فيه الورود، ويزداد الانتاج والبيع في السوق؛ بسبب عدّة مناسبات، منها: الأفراح، والأعياد، والأيام الوطنية..، التي يكثر فيها الطلب، لكن كل شيء توقف حتى الأفراح؛ بسبب الجائحة، وما تبعها من إعلان حالة الطوارئ".
وأعلنت الحكومة الفلسطينية حالة الطوارئ لمدّة شهر، قبل أن يعلن مؤخرًا تمديدها شهرًا إضافيًا، التي بموجبها أغلقت صالات الأفراح والمطاعم والمؤسسات التعليمية والأسواق الشعبية والنوادي الرياضية، لأجلٍ غير مُسمى.
ويتابع حجازي "لم يعد هناك تسويق للورد، مشيرا إلى أن إغلاق المدارس والجامعات كان له تأثير سلبي، فكثير من الطلبة كانوا يشترون الورود للهدايا من المتاجر التي تشتري من مزرعتنا".
وقُبيل مغادرة الدفيئة، أصر حجازي على اصطحابنا لحظيرة تربية الأغنام في فناء المنزل، لمشاهدة تكدس الورود الذابلة والجافة من حولها وداخل صناديق الأكل الذي تتناوله تلك المواشي، ما يبعث على الحسرة لمصير هذه الورود الجميلة.