ارض كنعان
بقلم وسام البردويل
"وللحرية الحمراء باب، بكل يد مدرجة يدق"، هذا البيت أثبت التاريخ جدارته وأعاد لكثير ممن اتخذوه منهجا أرضا سلبت منهم أو منحت أرضا لمن أراد فتحا وتوسعا وانتشارا فحق له ذلك.
وفي هذا المقال أسقط عنواني وأخصصه للحالة الفلسطينية التي وصلت لما آلت عليه اليوم من تشرذم وضياع للأرض والضمير والفكر المقاوم خصوصا في الصف القيادي المتمثل في شخص محمود عباس وزمرته ومن سبقهم عندما انحرف مسارهم عن طريق البداية.
وكي لا أهرب بعيدا بالتاريخ، أستشهد بمواقف عدة خصوصا بعد تصريح بلفور والعمل البريطاني والأمريكي الجاد على إنشاء وطن قومي لليهود فلسطين، والاستناد لمقولة منح أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، ويكأن الحكاية والمصير بيد من صرح دون لفت نظر لمصير شعب بأكمله، فما أشبه اليوم بالبارحة وما يخطط له الان بما يسمى صفقة القرن.
هذا المشهد وجب الوقوف قليلا عنده خصوصا ببداية الحكم العسكري البريطاني وما تلاه من انتداب بريطاني، فكيف لشعب محتل أن يصدق من اغتصب أرضه وأراد منحها لمن لا حق له فيها.
عموما في تلك الفترة وقبل الوصول لنكبة عام 48، كانت هناك مفارقات بين سياسة التسوية وسياسة القوة، فعندما فرضت الإرادة العربية الفلسطينية مكانتها بسلاحها اجتمع العالم لينقذ الحركة الصهيونية ومن يساندها ، وعندما أراد التوجه نحو طريق السلام والتعايش السلمي تمادت الحركة الصهيونية ورفضت المطالب العربية الفلسطينية بل وعلى العكس من ذلك زادت انتهاكاتهم وعربدتهم.
ومع قراءة المشهد ما بعد عام 48، وما حققته المقاومة العربية الفلسطينية من إنجازات كبيرة خصوصا بعد النكبة وما وصلت إليه إسرائيل نتاج الضربات المتتالية استدعى أمريكا والعالم ومن ولاهم ممن أرادوا البقاء في الكرسي لنجدتهم والقبول بوقف لإطلاق النار في أوج الانتصار ليتجدد بنا اللقاء بفشل الطرق السلمية في أوج الانتصار ومع محتل متمادي غدار.
ولأن التاريخ يعيد نفسه تتجدد المفارقات بعد نكسة عام 67 ما بين الإمساك بغصن السلام وما بين الضغط على الزناد، لتبدأ منظمة التحرير بالتراجع عما حققته خصوصا في حرب الاستنزاف وما أنتجته تلك الحرب من انهيار اقتصادي لإسرائيل ورد العدوان الإسرائيلي بضعفه من قبل الفلسطينيين، حتى وصلنا للبدء بانحراف المسار نحو "غصن السلام" عام 1969 خصوصا بعد اعتلاء أصحاب الطلقة الأولى رئاسة المنظمة بقيادة ياسر عرفات وطرح الخيارات السياسية بجانب الكفاح المسلح كأدوات لتحرير فلسطين، كل تلك التغيرات قبل فقد أقوى جبهة ايلاما لإسرائيل وهي الجبهة الأردنية بعد الحرب الأهلية وطرد المنظمة منها.
ومع توالي السنين تتساقط خيارات الكفاح المسلح، ليوازن ويساوي عرفات على منصة الأمم المتحدة بين غصن الزيتون والسلاح، بل أكثر من ذلك دعوة الجماهير الضعيفة الموجودة في منصة الأمم بالتمسك بالغصن الأخضر وهنا بدأت سرعة الانحرافات وكثرة النهب والاستيلاء على الأراضي.
ومع الرضا الفلسطيني بالاعتراف بإسرائيل وقبول قرار 242، وإلغاء خيار الكفاح المسلح من ميثاق المنظمة، نتوج بالقبول بالشروع بالمفاوضات، ويتوجوا هم بسلب الأراضي دون رادع ودون رجوع لنقطة الصفر.
ومع اندلاع الانتفاضة عام 87، أثبت خيار المقاومة كما كل مرة جدارته وهرعت وهرولت الدنيا لإنقاذ إسرائيل على الرغم من بساطة الإمكانات الفلسطينية، وبدأ الصراع القيادي من طرف المنظمة خوفا على منصبهم من أن يعتليه من أرادوا المقاومة خيارا في مواجهة التمادي والعنجهية الإسرائيلية، ليتوجوا ما حققه مريدو خيار المقاومة بالرجوع لسلك السلام الفاشل للأسف.
وبدأ مؤتمر مدريد ووفد واشنطن وقنوات أوسلو السرية، لينطلق عام 1993، معلنا نهاية المواجهة وحل الدولتين والرضا ب 22% من الأرض ناهيك عن مهمة حفظ الأمن الإسرائيلي حتى لو استدعى الامر مزيدا من السلب والنهب، فالالتزام من طرفنا حديدي ومن طرفهم غازي.
وهكذا دواليك غصنا في غمار اتفاق هزلي أراد منه موقعوه أن يحققوا شيئا ولو على حساب الأرض والضمير والحقوق، لينتهي بنا المطاف في هذا العام ما بين مفارقة كررتها كثير في المقال ما بين من أراد إبقاء خيار المقاومة أولا وحافظ على أرض غزة وطرد المحتل منها، وما بين من أراد خيار المفاوضات والسلام أولا ولا ثاني له وما حققه من ضياع وسطو ونهب للأرض بالضفة الغربية المحتلة.
وعلى إثر الإصرار والتصميم انطلق ترامب معلنا خطة السلام كما يصفها أو صفقة القرن، فيكرر عباس خياره الفاشل كخطوة لمواجهة الغطرسة الصهيوأمريكية، فمتى رفعنا غصن السلام في مواجهة العدوان حتما سنفقد الأرض والانسان.