ارض كنعان -قطاع غزّة-"خمسة أيام في السجن ويومين خارجه، كأنه دوام حكومي!" تحكي مريم قصّة أسرتها مع الفقر، كلمات وجمل متفاوتة، تعبس تارة وتضحك تارة أخرى مقهورة، إنها ضحكة القهر - تقول -.
مريم التي رفضت الكشف عن اسمها كاملاً بدواعي "خصوصية الحالة" هي أم لثلاثة من البنات وولدين وزوجة لتاجر – سابق ومديون –، بدأت أمورهم المادية تتراجع منذ بدء الحصار الإسرائيلي على قطاع غزّة قبل 13 عاماً، بعد أن كان وضعهم "فوق ريح" وهذا وصف يستدل به الناس في غزّة للتأكيد على الراحة المادية، إلا أنه أصبح في القاع بين سنوات الحصار والدمار.
تضيف "كان لدينا مصنع صغير لإنتاج ألعاب للأطفال، نعيل أسرتنا ومجموعة أسر غيرها يعمل أربابها في المصنع، بدأ العمل يتراجع مع فرض الحصار، حتى بلغت ذروته مع استهداف المصنع من قبل الاحتلال، ثم أزمة الرواتب والخصومات التي طالت موظفي السلطة الفلسطينية في غزّة".
وتتابع أن زوجها كان قد تعرّض لضربة قاسية خلال عدوان العام 2014، قصف فيها المصنع بقذائف المدفعيات ثم تلفت كلّ معداته، تم تعويضه بمبلغ بسيط لم يمكنه من إيفاء استحقاقات الماكينات والمواد الخام اللازمة للتصنيع ولا أجور العاملين المتضررين أيضاً.
بحسب وزارة التنمية الاجتماعية بغزة، قالت قبل أيام إن نسبة انعدام الأمن الغذائي في صفوف سكان قطاع غزة بلغت 70%، كما أن نسبة الفقر والبطالة وصلت خلال العام 2019 إلى ما يقرب من 75%، في حين و33,8% تحت خط الفقر المدقع، 65,6% من الأسر الفقيرة هم من اللاجئين.
وأشارت الوزارة إلى أن 37% من الأسر المستفيدة من البرنامج الوطني الفلسطيني للحماية الاجتماعية تُعيلها نساء، فيما بلغ عدد الأسر المستفيدة من برنامج التحويلات النقدية نحو 70 ألف أسرة، منها نحو 26 ألف أسرة تُعيلها نساء.
وذكر أن 15% من ربات الأسر المستفيدات من البرنامج الوطني للحماية الاجتماعية هن أرامل، و24,7% من أفراد الأسر الفقيرة هم من الأطفال.
ومنذ أن دمّر مصنع زوج مريم، حاولت الأسرة النهوض بأنفسها بمحل تجاري لكنها لم تفلح بسبب ظروف البلاد غير المستقرة وازدياد نسب الفقر والبطالة، خصوصاً مع بدء فرض الخصومات على رواتب موظفي السلطة الفلسطينية الذين كان يقف اقتصاد القطاع عليهم نظراً لانتظام رواتبهم وأنهم يشكلون نسبة لا تقل عن 70% من السكّان.
"نأخذ الحيطان ساتراً لوضعنا، زوجي مسجون بسبب تراكم الديون، صرت أعمل أنا في المنزل، أطهو الطعام وأسوقه للناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أوفر مصروفنا الشهري، وأغفو وأنا أفكر لو لم يكن هنالك احتلال وحصار وفقر وبطالة وانقسام، كيف سيكون يومي!" حكت مريم وبكت.
وتفيد بيانات البرنامج الوطني الفلسطيني للحماية الاجتماعية لشهر يوليو -2019 أن عدد الأسر المستفيدة من خدمات البرنامج بلغ 70645 أسرة، بتمثيل يصل إلى 20% من سكان قطاع غزة يقعون تحت خط الفقر المدقع وفق معادلة فحص وسائل المعيشة (PMTF) المستخدمة بالوزارة، علمًا بأن نحو 12000 أسرة مسجلة على قوائم الانتظار حتى تاريخه.
في منزل آخر حكاية أخرى، يرويها صقر كامل الذي يعمل موظفاً مع وقف التنفيذ! هكذا سمح لنا بتسميته، يقول "كنت سعيداً في عملي الذي لم أفرح به كثيراً كموظف في مطار غزة الدولي، حتى تدميره من الاحتلال الإسرائيلي، ثم تدمير القطاع كلّه بعد سنوات وازدياد الكارثة بنشوب الانقسام الفلسطيني الذي أرغمنا على الاستنكاف عن العمل وإلا تقطع رواتبنا!".
افتتح المطار في عام 1998 بعد مفاوضات طويلة مع إسرائيل، لكن المطار توقف عن العمل في ديسمبر 2001 بعد أن ألحق الجيش الإسرائيلي به دماراً فادحاً. فقد دمر الجيش الإسرائيلي محطة الرادار والمدرج لكن ساحة المطار لم تتعرض لدمار بالغ. وقامت البلدوزرات الإسرائيلي بتمزيق المدرج إلى أجزاء في يناير 2002. وفي أثناء حرب لبنان في صيف 2006 قصفت إسرائيل وخربت المبنى الأساسي في المطار.
هو أب لثلاثة من البنات بينهن اثنتين بالجامعة، ولأربعة من الأولاد جميعهم طلاب في المدارس، مديون لمحلات تجارية ولأقارب وأصحاب، بعد قروض سحبها لمعالجة طفله الذي كان يعاني من مرض عضوي، ثم تفاقمت الأزمة مع الخصومات التي ابتلعت أكثر من ٥٠٪ من راتبه حتى بات يحصل على فتات لا يتجاوز الـ 100 شيكل / 30 دولاراً أحياناً.
يضيف "الحاجة دفعتنا للذل، ذل الاستدانة من البقالات والدكاكين وذل الاستدانة من الأقارب، وذل انتظار الكوبونات الغذائية وذل البحث عن الهجرة التي حتى في هذه نذوق الويل من الاحتلال الذي يحكم حصاره ويشدده حتى لا نفكر في العودة مرة أخرى!".
ولا يستثني صقر أزمات البلاد الداخلية بما فيه الانقسام الذي دفع كلا طرفيه بالتفكير بأنفسهم، قياداتهم وكوادرهم، وأما نحن الفقراء فليس لنا إلا الريح التي تعصف بنا حيث أردوا هم أن نكون! – وفق تعبيره -.
وكانت وزارة التنمية الاجتماعية بغزّة ذكرت أيضاً أن 56,5%من أرباب الأسر الفقيرة يعانون من مرض مزمن واحد على الأقل، قرابة 39914 رب أسرة فقيرة، كما أن نحو 70,8% من الأسر الفقيرة فيها مريض مزمن واحد على الأقل، 12,8% من أرباب الأسر الفقيرة هم من الأشخاص ذوي الإعاقة.