Menu
12:19محكمة الاحتلال ترفض الإفراج عن الأخرس
12:13المالكي : دعوة الرئيس بمثابة المحاولة الاخيرة لإثبات التزامنا بالسلام
12:10الاردن يعيد فتح المعابر مع فلسطين بعد اغلاق استمر لأشهر
12:07الخارطة الوبائية لـ"كورونا" بالقطاع
12:05"إسرائيل": التطبيع مع السودان ضربة لحماس وايران
12:02"اسرائيل " علينا الاستعداد لما بعد ترامب
12:01الاحتلال يقتحم البيرة ويخطر بإخلاء مقر مركزية الإسعاف والطوارئ
11:59"الاقتصاد" بغزة تجتمع بأصحاب شركات مستوردي فرش الغاز
11:51«الديمقراطية»: سيقف قادة الاحتلال خلف قضبان العدالة الدولية
11:51الوعى الاستثنائى فى فكر  د.فتحى الشقاقى
11:47قيادي بحماس يتحدث عن "أهمية رسالة السنوار لرموز المجتمع"
11:45مستوطنون يقتحمون قبر يوسف بنابلس
11:40مقتل سيدة ورجل بالرصاص في باقة الغربية واللد
11:28الإمارات تسرق "خمر الجولان" السوري وتنصر "إسرائيل" ضد BDS
11:26صحيفة: تفاهمات بين القاهرة وحماس حول آلية جديدة لعمل معبر رفح

ثلاثة أحداث وثلاث عبرفهل من مُزدجر؟ بقلم: الأستاذ الدكتور ذياب عيوش

في تتبعي لمسار القضية الفلسطينية وما يجري في ضوئها من محاولات للتوافق بين أبناء شعبنا الواحد، فصائل وأفراد ، برزت في الذاكرة ثلاثة أحداث متنوعة يمتزج فيها التاريخ السياسي والاجتماعي والثقافي ليصنع لأصحاب القضايا المصيرية، من أمثالنا ، ما نقف عنده ونتأمله ونستخلص منه العبر والدروس الثمينة، في الوقت الذي يدفعنا فيه إلى التحلّي بالجرأة المطلوبة للتعبير عما ينبغي عمله ، وما لا ينبغي عمله، بعد أن طال الشوق لإعادة الوحدة الوطنية وإعادة الهيبة إلى شعبنا العظيم. الشعب الذي ضرب أروع الأمثلة في الصبر والصمود والتضحية بأغلى ما يملك، فداء للأرض والعرض والتحرر وتقرير المصير. فقد كنا ولا نزال أصحاب قضية، وأصحاب مشروع وطني ، بقدر ما نختزن في جوارحنا من  مبادئ نصونها بحبات قلوبنا، وأهداف لا نتنازل عنها، انطلاقا من فهمنا لطبيعة صراع البقاء الذي نواجهه منذ تكالبت علينا قوى الشر وفرضت علينا وضعا سياسيا واقتصاديا لا يقبله أي إنسان شهم. أتذكّر الأحداث الثلاثة وأنا أرى انحسار مشروعنا الوطني، الذي يبدو  للكثيرين اليوم ذا لون رمادي، بعد أن كان زاهيا كأشعة الشمس في وضح النهار. ومن المؤكد أن انسداد آفاق السياسية الخارجية، وتعثّر مسيرة التوافق الفلسطيني الداخلي ،لأسباب يعلمها الجميع، وأهمها إصرار بعض المتنفّذين على تطويع الكل الفلسطيني لقبول مسلّمات ومتاهات اتفاق أوسلو، بعد أن عرف القاصي والداني أنه كذبة كبرى أفرزت سلطة وهمية لشعب لا يقبل بأقل من دولة سيادية على أرضه، أرض الآباء والأجداد. فذلك الاتفاق لم يترك شاردة ولا واردة ،من معوقات تحررنا واستقلالنا وسيادتنا وتنمية مواردنا المادية والبشرية على أرضنا، إلا ووضعها وشدد عليها حتى أصغر الصغائر.
وفي هذا السياق، يدفعي حب الوطن وإحساسي بالخطر المدروس والمخطط علينا أن أروي ما أشرت إليه من أحداث، لعلها تلفت انتباه كل من هو غيور على قضيتنا المركزية، ومدرك لأهمية وحدتنا الوطنية إلى ما تضمنته  الأحداث المذكورة وأمثالها من عبر، فتنبهه إلى خطر المسار الفلسطيني الحالي الذي لن يقود إلى نهاية حميدة، إذا ما بقينا على حالنا من المناكفة الفارغة، والخصام، واللهاث وراء المفاوضات العبثية، التي لم نجن منها سوى المزيد من الحصار والاستيطان، وإذلال المواطن، وسرقة الأملاك، والتفرد في تحديد مصير شعبنا بعيدا عن الديمقراطية ، في الوقت الذي نرى فيه الأرض تبتلع، والقدس تتهوّد، والاستيطان الاستعماري الاحلالي يتزايد ، والأقصى على وشك الانهيار.
الحدث الأول، يحكي قصة نفر من اليونانيين ،الذين كانوا يتراهنون في مدينة القسطنطينية ، العاصمة اليونانية آنذاك، على معرفة "عدد الملائكة الذين يمكن أن يقفوا معا على رأس دبوس"، في الوقت الذي كانت فيه قوات السلطان العثماني محمد الثاني تحاصر المدينة، و كانت مدافعه تدق الحصون على رؤوسهم، دون أن يتنبهوا للخطر المحدق بهم جميعهم ، فيدفعهم إلى التوقف عن ذلك اللهو والعبث ، فلم يفيقوا من لهوهم وعبثهم إلا بعد أن وجدوا حصونهم وقد دمّرت، ومدينتهم وقد سقطت بيد الفاتح إلى غير رجعة.
أما الحدث الثاني، فيرتبط بانتفاضة شعبنا الفلسطيني المباركة عام سبعة وثمانين وتسعمائة وألف، حين انطلقت كل الأطياف السياسية وهي تردد بهتافاتها الثورية عبارة  واحدة  هي : " لا للاحتلال " و " نعم للحرية والاستقلال"، ،فكبّرت لها الحناجر في مآذن الجوامع، وعززتها رنات الأجراس في الكنائس ، فاتجهت المقاومة الرشيدة باتجاه واحد، لتضع حدا للتناقضات الثانوية وتحقق هدفا واحدا يسعى إليه الجميع ، على اختلاف مشاربهم وألوانهم السياسية والفكرية وان اختلفت آلياتهم وأدواتهم، وهو الرغبة في إنهاء الاحتلال وتحريك الضمير العالمي، والقوى السياسية الدولية، لنصرة شعب موحّد ومحتل ومظلوم.وفي هذا السياق أتذكر أن التعددية في الانتفاضة كانت واضحة في الشعارات والهتافات ، وآليات العمل، بل حتى في ألوان الحبر الذي كانت تكتب فيه الشعارات على الجدران فكان الجميع يعرفون هويتها السياسية من ألوانها وهتافاتها ونوع شعاراتها. كانت البيانات ضد الاحتلال تصدر عن القيادة الموحدة الممثلة لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وعن حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وعن حركة الجهاد الإسلامي . وعلى الرغم من هذه التعددية في الفصائل والشعارات والهتافات وحتى الألوان  والمضامين ، إلا أنها لم تكن ، بفعل قادتها وجماهيرها، تعبّر عن انقسام حول الهدف وإنما تعكس آراء وأفكار متعددة ومتكاملة ،جمّعت الشعب برمته حولها باتجاه واحد هو اتجاه التحريك والمقاومة و التحرير، دون أن يسخر فلسطيني من فلسطيني آخر ، ودون أن يقف فلسطيني في وجه فلسطيني آخر، احتراما للمعارضة والتعددية الفكرية، بعيدا عن احتكار المواقف والأنانية. كانت الهمم عالية، وكان القادة في منتهى الحكمة والبصيرة، والمسئولية ، فوجهوا بوصلة الصراع إلى الخارج، فنجحت الانتفاضة.
أما الحدث الثالث، فيتصل بحكمة تعلمناها في زيارة تاريخية في العام الماضي، قمت بها مع مجموعة من الأخوة والأخوات في المجلس الثوري لحركة فتح وعدد من أمناء سر الأقاليم، إلى الصين الشعبية الصديقة ، درسنا فيها تجربة هذا البلد العملاق،الذي تبنّى فيه الحزب الشيوعي الحاكم سياسة "الانفتاح والإصلاح" منذ جاءت قيادته الإصلاحية إلى الحكم عام ثمانية وسبعين وتسعمائة وألف. فقد حققت بحكمة قيادتها وتوحّد شعبها،أعلى معدلات النمو الاقتصادي في العالم أجمع.وخلال زيارتنا لمختلف المحافظات الصينية، تعرّفنا على معتقل صيني سابق،كان قد اعتقل فيه قادة الثورة الصينية الكبار، مثل ماو تسي تنغ، وشوئن لاي،    و لقي فيه ألاف الثوّار حتفهم ،على يد الحكومة "الرجعية" التي ثاروا من أجل تغييرها. وزبدة ما تعلّمناه من القادة الصينيين على أرض هذا المعتقل ، أنه عندما احتل الجيش الياباني جزءا من أراضي الصين إبان الحرب العالمية، ورأى كل من الثوار ، و" الحكومة الرجعية" الحاكمة للصين والمطاردة للثوار الصينيين، أن اليابان ستحتل الصين كلها، إن بقيت الصراعات الداخلية بين الثوار والحكومة على حالها، أيقظهم الوعي الوطني والحضاري، فتوقفوا عن الصراع الداخلي، وتعاهدوا على العمل معا لطرد اليابانيين المحتلين كأولوية لا يُعلى عليها ، فكان لهم ما أرادوا. لم يتنازل الثوار عن هدفهم لإصلاح الوضع التالف تحت الحكومة الرجعية، ولم تقعدهم الرغبة في إسقاط الحكومة أو الرغبة في  الاستيلاء على الحكم عن قضيتهم الأم في وجه العدو الياباني المشترك. وبالمقابل، لم تطلب الحكومة المذكورة من الثوار نسيان أهدافهم الثورية الإستراتيجية على الصعيد الوطني، ولم تعط الصراع على السلطة أولوية على حساب تحرير الأرض .وهكذا توحّد الطرفان فوقف معهما الشعب الصيني كله ،وتم صد العدوان الخارجي الذي لم يكن سهلا عندما كان الشعب ممزقا ومنقسما . هكذا تكون عظمة القادة وعظمة الشعوب ، وهذا هو المعيار الذي نقيس فيه خصائص القادة الحقيقيين.
هذه ، إذن، ثلاثة أحداث تشير إلى ثلاث عبر؛ العبرة الأولى، هي أن التلهّي بالصغائر وانشغال الناس بها بعيدا عن القضية المركزية تؤدي إلى ضياع الأرض والمُلك والوطن. والعبرة الثانية، تبين كيف ينبغي توظيف الخلافات الثانوية لصالح التناقض الرئيس، وكيف يساعد فتح باب الصراع الخارجي على وحدة الشعب والانتصار، حتى في غياب الأسلحة النارية والاكتفاء بالإرادة الصلبة والكلمة الشجاعة، والحجر الصغير. أما العبرة الثالثة، فتوضّح كيف تكون الحكمة لدى أصحاب الهمم العالية والقيادة الحكيمة عندما يتنازلون عن مصالحهم الشخصية والحزبية الجزئية من أجل سلامة الكل . فهل نكون من هؤلاء فندرك أين مكمن الخطر علينا جميعنا كفلسطينيين؟ إن عدم إدراكنا لما ترمز إليه هذه الأحداث والعبر، وعدم معرفتنا بخطورة ما تمسّكنا به من مسار سياسي عبثي ، يُبعدانا عن جادة الصواب، ونصبح مادة مطواعة للتطبيع والمهادنة ومن ورائها النقد والتجريح،وعندئذ لا ينفعنا الصراخ ولا العويل:
                     فليس يصحُ في الإفهام شيء        إذا احتاج النهار إلى دليل