Menu
14:08لهذا السبب .. "حزب الله" يعلن الاستنفار و يستدعي عددا من عناصره
14:06تنويه مهم صادر عن الجامعة الاسلامية بخصوص فيروس "كورونا"
14:05مالية رام الله تعلن موعد ونسبة صرف رواتب الموظفين
13:38وزارة الصحة: 8 وفيات و450 إصابة بفيروس كورونا و612 حالة تعافٍ
13:14الأسرى يغلقون سجن "جلبوع" بعد اقتحامه والتنكيل بهم
13:13أحكام على مدانين في قضايا قتل منفصلة بغزة
13:10قطاع المعلمين بأونروا: صعوبات تواجه التعليم الإلكتروني ولا بديل عن "الوجاهي"
13:08الأوقاف ترفض الاساءة للرسول عليه السلام
12:48مصادر صحفية: تكشف عن موعد صرف المنحة القطرية
12:49منظومة دفاع جوي في قطاع غزة؟
12:46(يديعوت أحرونوت): طائرة إسرائيلية هبطت أمس بمطار الدوحة وعادت اليوم لتل أبيب
12:43الحكم المؤبد على مدانين في خانيونس ودير البلح بتهمة القتل
12:40عشرات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى
12:39إغلاق محكمة الاستئناف الشرعية بنابلس بعد إصابة قاض بكورونا
12:37مليارات الدولارات من السعودية والامارات تمطر على الاردن فجأة !!

متسولة تسرق الاطفال ... وتتاجر بهم بالشارع

أرض كنعان/ انتهى من قراءة التقرير الجنائي بسرعة للمره الثانية . تململ المقدم (م) في معقده بالسيارة خلف عجلة القيادة. اختلس النظر الى ساعته ، فرأى أنه قضى اكثر من ساعتين وهو جالس في السيارة . تذكر مديره المباشر وهو يلقي اليه بالتعليمات في صرامة : (دير بالك ... افتح عينك زين ... انه رجل خطير جدا  يجيد الاختفاء .. وواجبك ان تراقبه .. ان ترصد تحركاته المربية .. هو محتال خطير .. يحسب حساب كل خطوة يخطوها .. لا تدعه يغيب عن عينيك .. واحذر من ان يفلت منك).
كان يعشق مهنة الشرطة ، وبالتحديد العمل في مجال التحقيق ، لكن الشيء الوحيد الذي لا يحبه مراقبة الناس ، برغم ان رجل الشرطة لا يستغني في عمله عن المراقبة كوسيلة مهمة لجمع المعلومات ومطاردة المجرمين . لا يعرف لماذا لا يحب دور (الصياد )الذي يتابع الفريسة عن بعد . احيانا يسأل نفسه وهو يراقب احداً الاشخاص (ترى هل يشعر هذا الإنسان ان حركاته محسوبه عليه ؟ هل كان يستمر في ارتكاب الخطأ لو علم ان احداً يراقبه ؟) وبرغم ذلك كان المقدم يجيد المراقبة بالضبط مثلما أنه يكره صوت اطلاق الرصاص لكنه دائمأ الاول في ميدان الرماية !
 افكار عديدة كانت تراوده وهو جالس في السيارة . عينه على باب الدار التي دخل اليها الرجل الخطير ، وعينه الاخرى على سيارته التي تركها امام باب الدار . فجأة همس في نفسه ، (صدق لو كذب ! ) مشهد عجيب كان يجري على الرصيف المقابل . طفل صغير يجري لاهثاً خائفاً على الرصيف ، وخلفه امراة ترتدي ملابس سوداء وتمسك بيدها عصا غليظة ، امسكت المرأة ، وكانت سمراء دميمة بالطفل الذي يبكي محاولاً الهرب ، واخذت تجره من ملابسه ، لكن الطفل ظل يقاومها . فانهالت عليه ضرباً بالعصا . لم يطق المقدم(م) ما كان يحدث ففتح باب السيارة بسرعة واسرع الى المراة محاولا تخليص الطفل منها . لكنها صرخت فيه :
- اتركه .. اريد اربيه .. اريد اعلمه !..
قال لها : وهل اتركك تضربينه بهذه العصا الغليضة !
قالت بصوت عال : ابني .. وانا حرة فيه .. انت شعليك !
كان الولد الصغير رغم قذارة الملابس الممزقة الذي كان يرتديها قد رفع عينيه الواسعتين في براءه الى المقدم(م) واسرع يختفي خلفه محتمياً به . تجمع المارة على الحديث الذي دار بين المقدم والمرأة الدميمة .. وتعالت آراؤهم فمنهم من قال : يجب تأديب هؤلاء الاطفال المشاكسن . وآخر قال : لابد انها امراة مجنونة حتى تضرب هذا الطفل المسكين . وقال احدهم للمقدم : انت هذا شغلك .. اتركها تؤدب ابنها الملعون .
لكن المارة ذهلوا وهم يشاهدون المقدم  يتركهم فجأة ويجري الى الرصيف الاخر. كان قد قرر ان يعرف قصة المراة التي تضرب طفلها المزعوم بالعصا ، وفي نفس الوقت خشي ان يهرب المتهم الذي كان يراقبه .. وعندما وصل الى الرصيف الاخر الذي تقف بجوار ه سيارة المتهم، وفي حركة خاطفة عبث في اطارات عجلة السيارة فخرج منها الهواء ورقدت السيارة في الحال على العجلات الفارغة بجانب الرصيف .. واسرع المقدم مره اخرى الى المراة والطفل ليصطحبها  في سيارته الى مركز شرطة الصالحية ..
 بمجرد ان وصل الى المركز حتى طلب من مساعده ان يسرع الى الدار الذي كان يراقبه حتى لا يفلت المتهم . وهو مطمئن الى انه لن يكون قد افلت خاصة بعد ان عبث بإطارات السيارة حتى يضمن تأخيره . وبدأ يسأل المراة عن علاقتها بالطفل . اخذت تتمتم بانه طفلها . وروت حكاية غريبة عن زوجها الذي توفي بحادث تفجيري وترك لها الطفل دون مورد تنفق منه عليه ، وان اعصابها ثائره لذلك .
لم يصدق المقدم هذه القصة الواهية . فقلب الام مهما كانت ظروفها لا يطاوعها على ان تضرب طفلها بهذه العصا الغليظة . ثم ان الطفل المسكين لا يشبه المرأة على الاطلاق . ان عينيها سوداوتين ماكرتين  جاحظتين وعيني الطفل في لون بحيرة زرقاء ، المراة شعرها اشعث  اسود مجعد ، والطفل شعره ناعم يميل الى اللون الاصفر .
طلب المقدم ملفات النسوة الخطرات ذوات السوابق واخذ يبحث فيها عن اية صورة تشبه المرأة وفي نفس الوقت طلب من ضباط اخرين الاتصال بمراكز الشرطة الأخرى للاستفسار عن اية اخبار لطفل يحمل نفس اوصاف الطفل المسكين..
ومرت ساعات ولم يجد في الملفات ما يشير الى ان المراة لها سوابق .  وحان موعد انصرافه في نهاية الدوام .. فترك المراة والطفل في النظارة وبحراسة رجال الشرطة وذهب الى منزله . وعندما وضعت زوجته طعام الغذاء امامه نظر الى الطعام ساهما .. مد  يده ليأكل لكنه توقف فجاة وأسرع الى الموبايل ليتصل بالمركز .. رد عليه احد الضباط .. قال له .. اخي .. اشتري طعاماً للطفل .. وللمرأة ايضاً ..
في الدوام المسائي ظل المقدم يبحث ويجمع المعلومات من مراكز الشرطة حول اصل الاخبار المسجل بفقدان الاطفال ، وقد انحصرت في اربع برقيات فقط كلها عن اطفال لهم اوصاف  تقارب اوصاف وملامح الطفل . وهكذا وجد المقدم نفسه يرسل اربعة من ضباطه الى العناوين الاربعة وسرعان ما حضر صاحب الاخبار الاول ليقول عندما شاهد الطفل بانه ليس ولده . اما الثاني فقد انهار وبكى وقال ان طفله اختفى فابلغ عن غيابه ، لكن بعد ايام ابلغته الشرطة بالعثور على جثة ولده في مشرحة الطب العدلي في باب المعظم على اثر اصابته بطلق ناري طائش . اما صاحب الاخبار الثالث فقد رفض ان يحضر ، لانه لا يعبأ  باختفاء او بالعثور عليه فعنده ما يكيفيه من الاولاد والهموم .
"اخي .. اخي .." ارتفعت الصرخة  الملتاعة خارج غرفة المقدم .. ترك الاوراق التحقيقية التي كان يفحصها واسرع يغادر الغرفة عندما سمع صوت الهرج والمرج خارج غر فته .. وقف ينظر في ذهول الى الطفل الصغير الذي احتضنه طفل آخر لا يزيد عمره عن الثانية عشرة وراح ويقبله ويهزه من كتفيه. كان الطفل الصغير يبكي بمرارة بينما وقف خلفهما رجل عريض المنكبين يحمل علامات الطيبة في وجهه . كانت دموعه تسيل بهدوء . هكذا ظهر والد الطفل الذي جاء ومعه شقيقه الكبير ، وروى كيف اختفى ابنه ( محمد) وهو يلعب في الشارع وكيف ابلغ الشرطة ويئس من البحث عنه في المستشفيات والطب العدلي والمراكز وكل مكان يخطر على البال .
إذن لم يعد امام المرأة الا الانهيار .. ثم الاعتراف !..
وتبين انها متسولة محترفة عثرت على الطفل بعد ان تاه ووجدته يبكي . اخذته الى منزلها فغيرت ملابسه. لم تعطه طعاماً حتى جاع وبكى ، فطلبت منه ان يخرج معها للتسول . كانت تقف معه في تقاطع الساحات والشوارع المزدحمة ليتسول بمفرده ، وكانت تراقبه لكي لا يهرب وتعد النقود التي يعطيها له المارة وسواق السيارات . وفي صباح هذا اليوم حاول الطفل الهرب اسرع يغادر المنزل.  لكنها جرت وراءه وهي تحمل العصا الغليضة تطارده ، وعندما امسكت به ظلت تضربه انتقاماً لمحاولته الهرب .
تم تسجيل دعوى ضدها بخطف الطفل واوقفت في سجن النساء في الكاظمية ..
ظل الاب يوجه عبارات الشكر والامتنان للمقدم .. وقبل ان يمضي مع طفليه نهض المقدم من مقعده وقبل الطفل الصغير وطلب منه عدم الابتعاد عن المنزل مرة اخرى ..
خرج الاب والطفلان .. ساد الهدوء في المركز .. لكن جرس التلفون قطع الصمت ..
قال مدير القسم : هل تمت مراقبة المحتال اليوم ؟
قال المقدم (م) نعم .. سارسل لسيادتك تقريراً مفصلاً بذلك في الصباح ..
سأله مدير القسم : هل قمت بنفسك بالمراقبة كما طلبت منك ؟..
قال المقدم : كلا .. المساعد (ح) هو الذي قام بالمراقبة ؟..
قال مدير القسم : ولماذا انت لم تقم بها حسب الأوامر التي وجهتك بها ؟..
نظر المقدم (م) الى القطعة الزجاجية الموضوعة على الطاولة ، كانت تحمل كلمات قليلة تقول (العدالة فوق الواجب .. والرحمة فوق العدالة ) ..
قال المقدم : انأ أسف سيدي واعتذر .. كان عندي ظرف قاسي وخاص جداً !.