دمشق ـ أرض كنعان/: ليست بلدة داريا كغيرها من البلدات المناوئة للحكومة السورية، موقعها الاستراتيجي على كَتِف العاصمة من جهة، وكونها معقل لوجستي وبشري لتغذية بقية بلدات ريف دمشق المتمردة من جهة أخرى عاملان يجعلانها في مكانة مختلفة كلياً عن باقي المدن السورية المنتفضة.
سبق لقوات للجيش السوري أن دخلت دارياً عدة مرات فكانت تلك البلدة ساحة اشتباك عسكري وسياسي وإعلامي بارزة، آخر دخول للجيش إلى داريا كان قبل شهرين، هذه المرة ثمة قرار لدى القيادة العسكرية بأن لا تُعاود داريا مقاومة النظام بالمطلق، وبالتالي اعتُمدت فيها استراتيجية مختلفة على مستوى نوعية العمليات القتالية من جهة وطريقة الانتشار والتمركز من جهة أخرى.
يكشف مصدر عسكري سوري ان قوات الجيش السوري اقتحمت داريا من محورين متقابلين الأول شرقي من جهة الطريق الدولي الواصل بين درعا ودمشق عند نقطة حي القدم والثاني غربي من جهة بلدة المعضمية إضافة لدخول وحدات قليلة شمالاً من جهة المتحلق الوقع على أطراف دمشق.
ويوضح المصدر ذاته أن الجيش استخدم لأول مرة في معاركه أسلحة متوسطة جديدة كانت فعالة ومجدية حسب قوله كمدافع الـ B10 والـB11 وهي مدافع يمكنها الدخول إلى ساحة الاشتباك مباشرة وتحقق غزارة نيرانية كثيفة ومركزة، وكان دورها حاسماً في ترجيح ميزان القوة لصالح الجيش السوري النظامي.
تتصل داريا غرباً ببلدة المعضمية وقد شكلت عامل إسناد عسكري خلال الهجمات التي شنها مقاتلو المعارضة على مطار المزة العسكري أحد أقوى مطارات الجيش السوري، وتتصل داريا شرقاً بأحياء القدم وعسالي فكانت تمد مقاتلي تلك الأحياء بما يلزم من وسائل القتال والتمرد، وفي المقابل فإن البساتين الشمالية لبلدة داريا والقريبة من المتحلق الجنوبي شكلت عنصراً بارزاً على مستوى الععم العسكري والبشري لمسلحي أحياء بساتين الرازي وكفرسوسة والميدان خلال ما كان يُعرف بـ "معركة دمشق الكبرى" التي أعقبت عملية تفجير مبنى الأمن القومي وسط العاصمة، لذلك فإن سيطرة الجيش السوري على تلك البلدة يُعد أمراً استراتيجياً لعمليات أخرى في بلدات وأحياء أخرى.
في داريا استطاع الجيش السوري تصفية قائد لواء أحفاد الرسول الملقب بـ "أبي
علي" إثر استهداف مقره بقذائف صاروخية أُطلقت ليلاً على جنوبي داريا، كان ذلك
خرقاً قوياً لصالح السلطات السورية لكون لواء أحفاد الرسول الأنشط قتالياً على
مستوى محيط العاصمة دمشق وهو اللواء المعارض الذي قاتل بشراسة الجيش السوري في بلدة التل شمالي دمشق.
يقول المصدر العسكري ذاته أن الجيش السوري يوشك السيطرة على ما تبقى من داريا وتحديداً الجزء الجنوبي الغربي منها ما يعني أن المعارضة المسلحة توشك على خسارة جسيمة تتمثل بفقدان واحد من أبرز معاقلها بريف دمشق.
لا تفارق لغة العسكرة الواقع السوري منذ أشهرٍ طويلة، هي سمة المشهد اليومي
المليء باشتباكات وعمليات عسكرية وهجمات متبادلة دون توقف، وبينما يزج الجيش السوري بأعدادٍ غفيرة من قواته لضرب مليشيات المعارضة المسلحة تتشكل النواة الأولى لقوات الدفاع الوطني ككيان عسكري رديف للجيش النظامي .. كيان يعمل بتوجيهات قيادة هذا الجيش.