Menu
12:19محكمة الاحتلال ترفض الإفراج عن الأخرس
12:13المالكي : دعوة الرئيس بمثابة المحاولة الاخيرة لإثبات التزامنا بالسلام
12:10الاردن يعيد فتح المعابر مع فلسطين بعد اغلاق استمر لأشهر
12:07الخارطة الوبائية لـ"كورونا" بالقطاع
12:05"إسرائيل": التطبيع مع السودان ضربة لحماس وايران
12:02"اسرائيل " علينا الاستعداد لما بعد ترامب
12:01الاحتلال يقتحم البيرة ويخطر بإخلاء مقر مركزية الإسعاف والطوارئ
11:59"الاقتصاد" بغزة تجتمع بأصحاب شركات مستوردي فرش الغاز
11:51«الديمقراطية»: سيقف قادة الاحتلال خلف قضبان العدالة الدولية
11:51الوعى الاستثنائى فى فكر  د.فتحى الشقاقى
11:47قيادي بحماس يتحدث عن "أهمية رسالة السنوار لرموز المجتمع"
11:45مستوطنون يقتحمون قبر يوسف بنابلس
11:40مقتل سيدة ورجل بالرصاص في باقة الغربية واللد
11:28الإمارات تسرق "خمر الجولان" السوري وتنصر "إسرائيل" ضد BDS
11:26صحيفة: تفاهمات بين القاهرة وحماس حول آلية جديدة لعمل معبر رفح

إخوان البنا وإخوان اليوم (2) … بقلم د. كمال الهلباوي

إخوان البنا وإخوان اليوم (2)

 بقلم د. كمال الهلباوي

بعد المقال الأول عن إخوان البنا، جاءتني عدة رسائل على الفيس بوك، منها ما يسب ويشتم ويتوعد، وأنا أقول لأصحابها، لو إستخدموا العقل لفهموا الكلام، ولو عندهم رأي لعبروا عنه، ونأوا بأنفسهم عن السب، لأنه ليس من الأخلاق الحميدة. ونواصل هنا بعض أقوال أو نقول من كتاب: الملهم الموهوب حسن البنا، للأستاذ عمر التلمساني، توضح جوانب أخرى من شخصيته وأدائه الدعوي وعلاقته بالآخرين.

يقول الأستاذ التلمساني: ‘هذا هو حسن البنا يكتب بخط يده في رسالة العقائد: إني سلفي العقيدة بمعناها الصحيح، لا بمعناها التعصبي التشنجي، وفي نفس الوقت لم يهاجم أحداً من الخلف بكلمة تؤذيه من قريب أو بعيد، كما يفعل غيره في مثل هذه المواقف متعصبا لرأيه، وكأنما الانتصار للرأي لا يأتي بنتيجة إلا إذا شتمنا معارضينا وحملنا عليهم. بل يزيد أستاذ الجيل على هذا الإنصاف الرائع، إنه حاول التقريب بين وجهتي النظر بأسلوبه الدقيق المحكم المهذب. هذا هو سلوكه في النقاش والتربية والتعليم والجدال، يسمو دائما فوق الشخصيات، بل ويعطيها حقها في حرية الرأي. إذا انتقد لا يجرح، وإذا عارض لا يؤذي وإذا ناقش لا يبغي’.
أما عن شجاعته ومروءته وحبه للآخرين وللخير وللدعوة، فتبينه هذه القصــــة الطريفة التي يرويها الأستاذ التلمساني:
‘أخبرني قاض انتقل إلى رحمة الله، لما عرف أنني من الإخوان المسلمين، أن معرفته بحسن البنا وتقديره له، ترجع إلى موقف طريف. يقول القاضي كنت في بلدتي، وفي عودتي إلى القاهرة في وقت متأخر في سيارتي معي زوجتي فرغ البنزين من السيارة، فتوقفت على الطريق الزراعي في مكان لم أر على مقربة منه قرية ولا ضيعة. وكان الظلام حالكا ورهبة السطو تسيطر على مشاعري، وكلما مرت سيارة أشرت إليها بالوقوف، ولكن أية سيارة لم تستجب. وكانوا معذورين فالوقت متأخر والمكان منقطع عن العمران وهوية الذي يستوقف السيارة غير معروفة. والحذر في مثل هذا الموقف أولى وأجدر. وأخذت السيارات تمر واحدة بعد الأخرى على فترات منتظمة تدعو إلى القلق. وأخذت الدقائق تمر كذلك في بطء يثقل وقعه على الأعصاب، وبعد أن انتصف الليل وأيقنت أنني سأبيت أنا وزوجتي حيث كنا حتى الصباح، وبعد أن يئست من استجابة أي سيارة لإشارتي. قلت فلتكن الإشارة الأخيرة لأي سيارة تأتي، حصل ما تمنيت فوقفت سيارة. ونزل منها رجل يرتدي الزي الأفرنكي، ملتح، توحي ملامحه بالاطمئنان الكامل. وتحقق الأمل وتقدم مني في أدب محييا، وسألني هل هناك ما أستطيع أن أفعله، قلت: البنزين انتهى. وكانت السيارة في ذلك الحين ما تزال تستعمل البوق (النفير) فخلع الكاوتش الذي في بوق سيارته وبدأ يملأ منها ويفرغه في تانك سيارتي، حتى قدرت أن هذا يكفي وظننت أنه وقد قدم هذه المكرمة، وفي هذا الموقف الحرج سيتركني وينطلق بسيارته، ولكنه قال متلطفا أن أسير أولا، لعل في سيارتي شئ غير فراغ البنزين. وكان يقوم بهذا العمل كله بنفسه ورفيقه في سيارته يرقب الموقف كالصقر الحذر، وقبل أن ينصرف سألته من أنت؟
فقال حسن البنا من الإخوان المسلمين. فعرفت أنه مرشد الجماعة، ومن وقتها عرفت الرجل وما توفرت فيه من صفات توحي بالثقة الكاملة فيه. وتجذب كل قلب نافر. وكان إذا عاتب يبدأ في المؤاخذة بأسلوب العتاب المحبب إلى النفوس. كان إذا إستنجد أسرع الاستجابة دون تباطؤ.
كان حسن البنا يتحدث في جميع المؤتمرات والندوات لا يمنعه من ذلك مانع ولا يحول دون ذلك حائل، ولا يحتاج معه حراسة، بل كان من يسير معه يشعر إلى جواره بالاطمئنان والأمان مهما كانت الأماكن التي يسيرون فيها أو المهام التي يريدون حلاً لها. يعبر الأستاذ التلمساني عن ذلك بموقف طريف للغاية حيث يقول:
ودعي مرة إلى حفل بمناسبة المولد في بولاق، وكان هذا الحي يشتهر في ذلك الوقت بالفتوات والأقوياء، فكان حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الحفل يدور كله حول الرسول عليه الصلاة والسلام يوم أن جَحَشَ أبا جهل على بئر زمزم، وهما في ميعة الصبا، وعن ركانة، أقوى أقوياء الجزيرة العربية، الذي لم يؤمن إلا بعد أن صرعه رسول الله صلي عليه وسلم ثلاث مرات، وعن مسابقته لأبي بكر وعمر وسبقه إياهما، ومن هذا الحديث المحبب إلى قلوب أولئك الفتوات كان يبينه لهم كيف أن تلك القوة الجسدية الهائلة. لم تأت إلا نتيجة للتمتع بقوة روحانية خارقة والتزام كامل لأوامر الله واجتناب نواهيه. وبلغ من إعجاب احد الفتوات في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الناحية، أن صاح معبرا عن إعجابه بمدى تفكيره قائلا (اللهم صلي على أجدع نبي). وانتهي الحفل بأن بايع الكثيرون منهم فضيلة الإمام، على الانضواء تحت لواء جماعة الإخوان المسلمين، والإقلاع عن استعمال قوتهم في المشاجرات والاعتدال على الناس وأن يوجهوا هذه القوة التي من الله بها عليهم. إلى الخير ونصرة الإسلام وكان على رأس هؤلاء الفتوات المرحوم إبراهيم كروم، أشهر فتوات بولاق والسبتية في ذلك الحين’.
هكذا نرى الفارق الهائل بين حسن البنا وأساليب دعوته التي حبّبت الناس إليه. وأنا أقول لو ان البنا رحمه الله تعالى كان موجوداً اليوم مع البلطجية لدعاهم للقيم واستخدام القوة في موضعها، ولكان استجاب لدعوته منهم الكثيرون. وهناك قصة أخرى جميلة وطريفة وفارقة بين العهدين. يقول الأستاذ التلمساني:
‘عرض على الهيئة التأسيسية فصل خمسة من أعضائها وصدر القرار بالفصل، فقال الأستاذ الهضيبي رضوان الله عليه، أنهم لم يفصلوا لطعن في دينهم، فقد يكونوا خيراً منا. ولكن للجماعة نظم وقوانين يجب أن تراعي وأن تنفذ، وقد خالفوها ففصلوا حتى يأخذ الصف استقراره واستقامته، حرصت على ذكر هذه الواقعة المعروفة ليعلم من لم يكن يعلم، إنه لا المرشد السابق ولا اللاحق، قررا أن ألإخوان المسلمين هم الجماعة المسلمة وأن من يقول بذلك أو يدعو إليه إما أن يكون غير ملم بهذه الحقائق، وها قد ذكرت فليقلع، حتى لا يعرض صفوف الجماعة. الخلافات فيها أكبر الخطر على وحدة الصف وإنما ولا داعي لما وراءها، لأن بعض من يقول بذلك أعزة علينا قريبون من قلوبنا ومن دعاتنا الذين نفخر بهم في صفوفنا، وما أظنهم حملهم على هذا إلا تعلق وافر بالجماعة حبا وإعزازا وتمكينا ورفعا لها فوق هامة الجميع وجزاهم الله خيرا وغفر لي ولهم’.
أما عن الأخلاق داخل الصف الإخواني فكانت نموذجية، ولابد أن ينعكس ذلك على الأداء مع غير الإخوان أيضاً. الفوارق في الواجبات قائمة، ولكن الفوارق في الحقوق غير موجودة، والأخلاق تحكم الجميع. وهنا يقول الأستاذ التلمساني:
‘كل هذه الفوارق ذابت عند الإخوان، وأصبحوا المجتمع المثالي الذي يتمناه كل مسلم. لقد مر بي في هذه الجماعة سبع وأربعون عاما وما سمعت من الإخوان أخا يشتم أخاه أو يسبه، ولكني رأيت نقاشا يبلغ من الحدة مدى، تظن ما بعده إلا الاشتباك، ولكن دون أن تسمع كلمة نابية واحدة، تؤذي سمعك. أو تحوج أحدهما إلى إعتذار. وقبل أن ينفض المجلس يكون كل شئ قد انتهى إلى التصافح والابتسام. إن كنت قد عشت في مثل هذا المجتمع فما أسعدك، وإلا فمن الخير لك أن تبحث عن مجتمع تجد فيه هذه الروعة وهذا الجلال .. مجتمع الحب والصفاء مجتمع الإخوان المسلمين’.
يتحدث الأستاذ عمر التلمساني عن أعجوبة فعلاً، حيث أنه بعد أن قضى في الإخوان عمراً طويلاً لم يسمع كلمة نابية واحدة، رغم النقاش والحدة فيه أحيانا. صحيح أنه مجتمع مثالي يحب الناس جميعاً والوطن، ويحبه الناس والوطن. هل هذا المجتمع قائم اليوم؟ وهل النظرة إلى الآخر لازالت مثالية؟ وهل ما يحدث في الشارع يعكس هذه الأخلاق والفهم للدين؟ لعلنا نتعلم من القيم والأخلاق، كنا في الإخوان أو خارج الإخوان تنظيماً.
وهناك نقطة اخرى مهمة تتعلق بمفهوم الوطنية والقومية التي يضيق بها بعض الاسلاميين اليوم ويعتبرونها من مفاهيم الجاهلية. يقول الأستاذ التلمساني عن معنى الوطنـــية في مفهوم حسن البنا: إنه أستاذ الجيل، لا ينتقد شيئا حتى يكون الكل على استعداد كامل لأوجه الإصلاح لما ينتقد إذ يقدم البديل، فهو إذا أنكر الوطنية الإقليمية في المجتمع الإسلامي التي تنتهي إلى التعصب والتعالي، فإنه يربطك بوطنك على فهم من إسلامك.
فيقول ‘إذا أردت من معني الوطنية فكرة المجتمع والتآخي والتعاون والنظام والهدوء الذي يلتقي من أجله الجماعة من الناس فهذا خير، وبهذا التصور يحرر الإسلام من مادية الأرض ويجعلها فكرة شعورية سامية. بمثل هذا الفهم في الوطنية، فيلفهم الفاهمون. لو أن الناس فهموا هذا الفهم لما كانت هذه الحروب الدامية في كل مكان. إن الإسلام لا يهدف إلى توسع ولا إلى استعمار ولا إلى دولة متسلطة ولكنه يقصد إلى بناء أمم تحس بحق غيرها في الوجود، كما تطلب ذلك لنفسها. امة تعين غيرها من الأمم الضعيفة لتقوى، ولا تضعفها لتقضي عليها. أمة لا تمنع خيرها عن غيرها، ولا تستأثر بمنافع الأرض لتعيش وحدها ولو فني غيرها’.
كما يقول الامام البنا في رسالة: دعوتنا عن الوطنية:
‘إن كان دعاة الوطنية يريدون بها حب هذه الأرض وألفتها والحنين إليها والانعطاف نحوها، فذلك أمر مركوز في فطر النفوس من جهة، مأمور به في الإسلام من جهة أخرى’ وهذه هي وطنية الحنين.
‘وإن كانوا يريدون أن من الواجب العمل بكل جهد في تحرير البلد من الغاصبين وتوفير اســـتقلاله له، وغرس مبــــادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه، فنحن معهم في ذلك أيضاً، وقد شدد الإسلام في ذلك أبلغ التشديد’ وهذه هي وطنية الحرية والعزة.
‘وإن كانوا يريدون بالوطنية تقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد وإرشادهم إلى طريق استخدام هذه التقوية في مصالحهم، فذلك نوافقهم فيه أيضاً ويراه الإسلام فريضة لازمة’ وهذه هي وطنية المجتمع المترابط.
‘وإن كانوا يريدون بالوطنية فتح البلاد وسيادة الأرض فقد فرض ذلك الإسلام، ووجه الفاتحين إلى أفضل استعمار وأبرك فتح’ وهذه هي وطنية الفتح.
ولم يكن حسن البنا مع ما يمكن أن نسميه اليوم وطنية الحزبية، بمعنى تقسيم الأمة إلى طوائف تتناحر وتتغاضن وتتراشق بالسباب وتترامى بالتهم ويكيد بعضها لبعض’.
كاتب مصري