لا ادري"..تكاد تكون هذه العبارة موضع إجماع لدى المسؤولين الفلسطينيين والغربيين على سواء في ردهم على سؤال أسباب امتناع الدول الثرية العربية عن تقديم المساعدة المالية للسلطة الفلسطينية التي تعاني أزمة مالية شديدة تكاد تقوض قدرتها على القيام بمهامها الرئيسية تجاه السكان الفلسطينيين في مناطق السلطة.
وليس التلكؤ العربي في تقديم الدعم المالي وليد أشهر قليلة ماضية فقط وإنما بدأ عمليا منذ أكثر من سنة وذلك في وقت التزمت فيه دول الاتحاد الأوروبي، التي تعاني الكثير منها من أزمات مالية شديدة، بدفع ما عليها من التزامات مالية تجاه السلطة الفلسطينية .
إمتناع العديد من الدول العربية الثرية، التي تظهر أرقامها المالية وجود فائض مالي بعشرات وأحيانا مئات مليارات الدولارات، دفع عدد من دول الاتحاد الأوروبي للإعلان صراحة أنها لن تقوم بملء الفراغ الذي يتركه العرب خاصة وأن هذه الدول الأوروبية تعاني من أزمات مالية وتدفع في حين أن هناك دول عربية فيها فائض مالي ولا تدفع.
ولم تقدم الدول العربية الثرية حتى الآن ما يبرر امتناعها عن تقديم المساعدة المالية للسلطة الفلسطينية رغم التحذيرات المتتالية من رأس هرم السلطة الفلسطينية إلى الموظفين انفيهم الذين بات الكثيرون منهم غير قادرين حتى على الوصول إلى أماكن عملهم.
وقد كان بعض العرب يبررون عدم تقديم الدعم المالي بعدم وجود مصالحة فلسطينية وانعدام الأفق السياسي ، ولكن حتى في ظل مؤشرات على تقدم في المصالحة الفلسطينية وتحميل العرب المسؤولية عن انغلاق الأفق السياسي إلى الحكومة الإسرائيلية فإن الكثير من الدول العربية لم تقدم الدعم المالي.
ودفع هذا البرود من قبل بعض الدول العربية بالرئيس محمود عباس إلى طلب شبكة أمان مالية عربية تساند التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة للحصول على صفة دول مراقب غير عضو.
وكان العرب وافقوا بدءا من القمة العربية في بغداد ومرورا بعدد من اجتماعات لجنة مبادرة السلام العربية على توفير شبكة آمان مالية بقيمة 100 مليون دولار شهريا طالما امتنعت إسرائيل عن تحويل عائدات الضرائب إلى السلطة الفلسطينية والمقدرة بنحو 100 مليون دولار شهريا.
ولكن ورغم التأكيد على هذا القرار الذي بالكاد يوفر بعض المتطلبات المالية الفلسطينية إذ تتطلب السلطة الفلسطينية مبلغ 240 مليون دولار شهريا، فان الدول العربية لم تنفذ قرارها.
وسيسعى رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض إلى شرح الوضع المالي الصعب للسلطة الفلسطينية أمام وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم اليوم الأحد في جامعة الدول العربية وسيطلب منهم المبادرة فورا إلى تنفيذ القرار.
والى حين اتضاح مدى الاستجابة العربية للمناشدات الفلسطينية المتتالية بتقديم الدعم المالي فان مسؤول غربي قال ل : إن هناك عدد من القضايا التي قد تكون أدت إلى هذا التلكؤ العربي في تقديم المساعدة المالية ومنها انشغال الدول العربية الثرية بما يجري في دول الربيع العربي وما يتم ضخه من أموال هائلة في هذه الدول وبالتالي فان فلسطين ليست اولوية ، وأيضا اعتقاد العرب بأن وجود السلطة الفلسطينية هو مصلحة دولية وبالتالي فانه لن يتم السماح بانهيارها.
وقد قال مسؤولون فلسطينيون أن الولايات المتحدة هي التي دفعت الدول العربية الثرية لعدم تقديم الدعم المالي للسلطة الفلسطينية من اجل إجبارها على العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل.
ولكن الإدارة الأمريكية أعلنت مرارا أنها لا تمانع دعم السلطة الفلسطينية ماليا وأنها تشجع على تقديم الدعم وان سبب عدم تحويل أموال المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية هو ليس عدم رغبة الإدارة الأمريكية وإنما امتناع الكونغرس الأمريكي ، لمعارضة بعض الأعضاء، عن تحويل هذا الدعم المقدر بنحو 450 مليون دولار حتى الآن.
ويسود الاعتقاد بأن عدم إعلان إسرائيل نيتها عدم تحويل عائدات الضرائب إلى السلطة عن شهر كانون الأول الماضي إنما يشير إلى أنها تنوي تحويل هذه العائدات إلى السلطة بعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة يوم 22 الجاري.
ويعتقد مسؤولون غربيون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يخشى انهيار السلطة الفلسطينية وهو ما دل عليه قيامه قبل عدة أشهر بتحويل مسبق لمستحقات مالية فلسطينية، ولذلك فانه سيحول الأموال حال انتهاء الانتخابات الإسرائيلية وتشكيله الحكومة الجديدة على الأرجح مطلع شباط المقبل.
ويقول مسؤولون فلسطينيون انه ليس من الواضح إذا ما كانت أوروبا ستبكر تحويل أموال الدعم إلى السلطة الفلسطينية هذا العام لمحاولة تجاوز الأزمة المالية الحالية ولكن في كل الأحوال فان أوروبا لن تزيد مساعداتها للسلطة بسبب أزماتها المالية.