تعانق الوفاء للوطن من أبنائه بخروجهم عن صمتهم، وقدم السحاب المطر لنجاته وبدأت غيمة ظلام الانقسام تنقشع، ولبدت الثعابين في جحورها وتجردت من قشورها من هول الجحافل الجماهيرية، فإيقاع الفلسطينيين في طبلة شرقية مجرد انذرات بدأت بقطع أوتار عود رسمته شخوص بَريِّة تدعي أنها وطنية، سيأتي يوم تندم في أنها لم تقضمه بأسنانها لأنه أخرج ألحان غير بريئة نجست قضية مر عليها قرن، عرفها العالم وآمن بها، بيد أن معاونة أعدائها من بنو جلدتها، على حصرها وتقزيمها وكأنها كومة قش لا بد من لملمتها، هذه كلمات تصف شخوص فرضوا الانقسام الفلسطيني الذي صنع في إسرائيل وحلفائها، وتاجر به هؤلاء الشخوص وإدعوا الأمانة على وطن، فأنشأوا قضية مصالحة معقدة بل معلقة تتقاذفها رياح قذرة، ففي النهار يبعثون بأمال لتحقيقها خشية فقدان ما بقي من حب مزروع لهم، فمن قصر عربي إلى آخر يتباحث هؤلاء عن أمير أو رئيس يلمهم ويجمعهم ويصلحهم، لا بل يطعمهم ويملأ بطونهم، وينتهي المشوار بأن المصالحة مرت من هنا وفشلها سببه لم نشبع بعد فهل من مغيث، ومن تداعيات هذا الفشل يخيم الليل فيطرح أبرياء صنفوا مناصرين لطرف منهم في الزنازين ويشبحوا في سقوفها، وكل طرف يحصد ويملأ هذه الزنازين للضغط على الآخر.
يظنون أن فلسطينيي القضية غافلون عن مساوئهم ونواياهم، لكن تركوهم في مرحلة تطلبت حتى يطوف البحر بهم كالقمامة، فأمواج التغيير قريبا ستقذفها خارجه، لقد بدأت هذه الشخوص تتمايل مع هذه الأمواج وتعرف وجهتها، والراية مهما كان لونها سيسحقها شباب راية واحدة، معهم الله ولديهم النفس الكبير ونفخه بات قريب، لن تدغدغهم شعارات المصالحة الوطنية طويلاً، فالتاريخ يشهد بأن إخوة النضال والسلاح في العالم على اختلاف مشاربهم الفكرية تباينوا كثيرا في الآلية والتكتيك لكن كانت وجهتهم واحدة وعدوهم واحد وهدفهم واحد، بينما زعاماتنا النضالية المبجلة لم تتفق في الآلية ولا التكتيك ولا الهدف بل حيدوا العدو بشراسة خلافاتهم واختزلوا هم شعبهم في تحقيق الوحدة.
رموز لبست ثوب الوطنية والمقاومة، رموز تهوى وتعشق نفوذاً ومالاً تجمعه باسم عوائل الشهداء والجرحى والأسرى، رموز عيونها فاقعة على شاشات التلفزة لتسطر أمجادها وتبقى، رموز تصدح ليل نهار وكأن شعبها من اختار، رموز أورثت صفاتها هذه للأسف لأنصاف المثقفين، الذين نسخوا الفكرة وحفظوا الكلمة وباتوا يؤدون الدور بنجاح، معظمهم ركبوا الأمواج وأثقلت بحملهم لكنها ستلقيهم في نهاية المطاف مع أسلافهم في الدرب.
كفاكم عبثاً بكرامة هذا الشعب قبل أن تفوتكم الفرصة، لقد بلغ حلف أيمانكم عنان السماء، وأبليت بلاءً حسناً في صنع اللقاءات دون جدوى، بادروا بمساندة ومساعدة الشباب الجديد والجيل القادر على وحدة المصير وتحمل الصعاب وتجميع الكلمة، اخلعوا ما بأرجلكم من كلمات، قبل أن تنهال النعال على رؤوسكم، ولا تضيعوا وقتكم في صناعة كذبة كبرى اسمها ملف المصالحة، فالأولى أن تنصرفوا بلا رجعة.
إذا كان تنفيذ المصالحة ثقل عليكم تحقيقه في الساحة الداخلية، فهل تعتقدون أن استمرار تصدير وتفييز المصالحة إلى الخارج العربي سيكون حلاً أفضل؟، إذا كنتم أنتم من صنعتم الانقسام فهل سيسمح لكم من تضرروا واستفادوا بعودة الأمور إلى سابقها؟، هل تحقيق المصالحة على الأرض يبدأ بوضع لجان تلو اللجان، ألم يكن الأجدر الإعلان عن حكومة وطنية موحدة أياً كان لونها تخفف من حالة الاحتقان الشعبي، وتبني ما هدمتهموه خلال انقسامكم، وتحت مظلة هذه الحكومة يجري حل خلافاتكم، ثم يختار الشعب قادته الجدد؟، كلما أفلستم تذهبون إلى إقامة حفلات بعنوان المصالحة على الطريق، لقد كَّل الشعب منكم، ألم تكلوا من أكاذيبكم؟، هل تعتقدون أن الفلسطيني الحر سيقنع ببرامجكم وشعاراتكم الغائبة عن الأرض؟، فلا قدس تحررت ولا لاجئين عادوا ولا أسرى حرروا، دعوا الشعب يختار فهو من يملك الوحدة الحقيقية والخيار.