Menu
12:19محكمة الاحتلال ترفض الإفراج عن الأخرس
12:13المالكي : دعوة الرئيس بمثابة المحاولة الاخيرة لإثبات التزامنا بالسلام
12:10الاردن يعيد فتح المعابر مع فلسطين بعد اغلاق استمر لأشهر
12:07الخارطة الوبائية لـ"كورونا" بالقطاع
12:05"إسرائيل": التطبيع مع السودان ضربة لحماس وايران
12:02"اسرائيل " علينا الاستعداد لما بعد ترامب
12:01الاحتلال يقتحم البيرة ويخطر بإخلاء مقر مركزية الإسعاف والطوارئ
11:59"الاقتصاد" بغزة تجتمع بأصحاب شركات مستوردي فرش الغاز
11:51«الديمقراطية»: سيقف قادة الاحتلال خلف قضبان العدالة الدولية
11:51الوعى الاستثنائى فى فكر  د.فتحى الشقاقى
11:47قيادي بحماس يتحدث عن "أهمية رسالة السنوار لرموز المجتمع"
11:45مستوطنون يقتحمون قبر يوسف بنابلس
11:40مقتل سيدة ورجل بالرصاص في باقة الغربية واللد
11:28الإمارات تسرق "خمر الجولان" السوري وتنصر "إسرائيل" ضد BDS
11:26صحيفة: تفاهمات بين القاهرة وحماس حول آلية جديدة لعمل معبر رفح

عيسى قراقع يكتب الشهيدة ربيحة ذياب وعدٌ على حجر

تحت شجرة لوز، وفي مسقط رأسها في قرية دورا القرع، دفنت الشهيدة ربيحة ذياب، تدلت أغصانها الدانية المثمرة فوق جسدها، وتمددت على التراب خضراء خضراء، وبين قبر أمها وشقيقها نامت بهدوء تلتحف الرضى أرضاً وسماء.

ها نحن نجتمع في الجنازة، من أين أتينا؟ نحن أولادها الثكالى، نسأل تلك الشمس الحامية إلى أين تقودنا خطانا؟ ما أكبر هذا الموت، وما أوحش تلك المقبرة، هي أميرة يجمعنا عرسها في الدنيا والآخرة...

أبكيها في الثاني والعشرين من شهر نيسان، أبكي من المحيط إلى الخليج، أبكيها في كل التواريخ التي حزَّت شراييني، وفي كل التواريخ التي أرضعتني حليباً وفكراً وناراً، أبكيها في رام الله وبيت لحم والخليل، أبكيها في القدس ويافا وغزة ونابلس وجنين، أبكيها في الكتب والساحات وبين حجارة الأطفال، أبكيها في الصليب والهلال وبين أركان الصلاة، انتظري، قادمٌ إليك من ألف باب وباب، انتظري....

ربيحة المرأة الفدائية التي لم تحفظ أشياءها في متحف، أشياؤها تتشظى فينا يوماً يوماً، في بيت أسير ينسف، في عرس شهيد يزف هذا المساء، تتناسخ من صوت في صوت في صوت، خطاها فلسطين، ورحيلها النبوي لم يلقوا القبض عليه حتى الآن...

قلت لهذا النهار تمهل حتى يكتمل الغيم، واستأذنت من ملاك الموت ان يتأخر، واستأذنت من ربيحة ان تتنفس وتتنفس اكثر واكثر ، وان تنهض من التابوت رحمة بنا، ثوب هذا الموت ضيق عليها وعلينا.

أرادت في تلك الظهيرة أن تناديني، ولما لم تجد صوتها  تناثر جسمها السماوي بين النار والطين، وشاءت أن تشاهدني وتعرفني، وشاءت أن تمس يدي، التفتت، رأت كل أولادها وبناتها، ابتسمت لنا وللحياة.

في مخيم الدهيشة، تجلس ربيحة ذياب مع فاطمة الجعفري (أم أحمد)، ذكريات التوتة والمصطبة والقهوة الساخنة، يسقط السياج عن المخيم ويهرب "الحاخام لينفغر" أمام غضب الأولاد اللاجئين، عرس الشهيد الأسير على الجعفري يمر بين الأزقة، وربيحة تزغرد في شوارع الناس الغاضبين.

يسألنا الدكتور ذياب عيوش أين ربيحة؟ مقعدها الدراسي فارغ، قلنا له: عندما تغيب ربيحة، إما أن تكون في مظاهرة، أو تحت الإقامة الجبرية، أو في غياهب السجون، يسود الصمت غرفة الصف، ثم تشتعل ساحة الجامعة.

أين عاطف أبو عكر، وبشير نافع وزكية شموط،وعفيفة بنورة، ونهى عبد الله وسميحة خليل وحسنية داود ونهاية محمد؟ تسأل ربيحة ذلك الغياب، تسير على قدميها من جبل إلى جبل حتى تصل القدس، ومن مطارد إلى مطارد حتى تتفتح السنبلة، حقيبتها محشوة بالكتب والرصاص والبيانات والرسائل الملفوفة، كوفية سمراء على الكتفين، ووجه عنيد يتقدم الرجال..

توحش المحقق الإسرائيلي المدعو "أبو نهاد" في سجن المسكوبية، استنفر وزمجر وفقد أعصابه أمام امرأة حامل ترفض التجاوب معه ومع دولته الظالمة، ويقال أن هذا المحقق قدم استقالته من جهاز المخابرات الإسرائيلي بعد أن فشل في انتزاع اعترافات من ربيحة ذياب، وكتب في مذكراته أنه رأى امرأة هي جيش من النساء.

في سجن الرملة للنساء (نفي ترتسيا) طيرٌ آخر يحلق في فضاء الأسيرات، إضراب عن الطعام، الجوع لا الركوع، وكتب المحامي وليد الفاهوم أنه رأى بأم عينيه امرأة تسمى ربيحة ذياب، تقود الأمواج من أجل كرامة وحقوق الأسيرات، هناك بدأ المخاض وتحرك البحر وهبت الرياح..

الشهيدة ربيحة ذياب، وعدٌ على حجر، وردة على حجر، قالت نعم نستطيع أن نجمع الماء قطرة قطرة ليكون النهر، ونعم نستطيع أن يكون الوعد زوبعة في الوريد، ونعم نستطيع أن نحول الموت إلى عمر جديد، نعم نستطيع...

ربيحة ذياب تبادلت الأدوار بين الموت والحياة، وعندما كان موت بهرتنا بإلحاحها في محاولة النيابة عنا في الرحيل إلى الغد، وعندما كانت حياة، ظلت مسكونة بالحرية إلى درجة العشق، فالوطن على ضفافها مهدد ومهان، وقد أعلنت ربيحة وصول رحلة الوعد الجماعية إلى أرض الأمنيات، خيولها الجامحة تصهل الآن في هذه الأجيال..

الشهيدة ربيحة ذياب ، وعد على حجر، وردة على حجر، الخميرة في عجينة الانتفاضة الاولى، صوت منظمة التحرير الفلسطينية والقرار المستقل، امرأة الكفاح الوطني والاجتماعي والانساني، رواية مفتوحة على كل اتجاهات القلب، من سجن الفارعة حتى سجن النقب، لا تريد ان تظهر الا في ثوب امرأة، لتمضي حياتها كلها في ولادة دائمة.

شموع كثيرة أضاءتها أصابع ربيحة لكل المدافعين عن حرية المرأة والوعي والأرض، وبين الخوف من الاحتلال الذي لم يرحل بعد، وبين الخوف من العشيرة والتقاليد البائسة التي تذبح البنات، دافعت بإصرار عن الكرامة والحب والجمال والمساواة ولغة الحلم، انهال المطر على جفاف أيامنا في مداد الكون، لتصبح فلسطين ذاكرة امرأة في هذا الكون...

أنحني إجلالاً لغصون وجهك الصخري، ويا أيتها التقية، سأروي لأولادك وأحفادك حكاية الوردة تحت التعذيب، وليالي الزنازين الباردة، وبقدر ما تشتهين سأزرع أشتال الزيتون كثيراً في الجبال والسهول، وفي أجساد المقتولين الأطفال المعدومين والغائبين المعتقلين.

الشهيدة ربيحة ذياب، وعدٌ على حجر، وردة على حجر، وفي هذا الربيع كانت الصوت الأخير، مدركة أن شمعة واحدة لا تضيئ كل هذا الليل، فأطلقت صيحة اللهب من أصابعها المشتعلة، ها هو البرق ينزلق على جراح المسيح..

كيف قدرت ان تحمل ارضنا تلك المقبرة، هنا امراة اشعلت ماء المحيطات كمثل كبريت احمر.