يواصل الصحفي الفلسطيني محمد القيق الأسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي إضرابه المفتوح عن الطعام، مسطراً بأمعائه الخاوية منذ أكثر من 40 يوماً ملحمة جديدة في الصمود والإصرار على كسر إرادة الاحتلال البغيض، مبرقاً من خلال صموده برسائل لكل الجهات الصامتة على انتهاك حقوقه كصحفي تكفل له القوانين والمواثيق الدولية العمل بحرية وبعيداً عن أشكال الضغط والإرهاب، مقيماً عليها الحجة، فها هو الاحتلال كعادته يتنكر لكل الأعراف والمواثيق ساعياً لتكبيل الكلمة الحرة، وكتم الصوت النابض بالحقيقة، وحجب صورة المعاناة والألم الفلسطيني دون أن يواجه بأي ضغوط تثنيه عن ذلك.
إن الأنباء المتتالية عن تدهور الوضع الصحي للصحفي محمد القيق بعد نقله إلى مستشفى السجن تدق ناقوس الخطر، وتمثل دعوة مفتوحة لكل الأطراف والجهات المعنية بحماية الصحفيين سواء المحلية منها أو الدولية لضرورة التحرك قبل فوات الأوان، لاسيما أن الاحتلال يمتلك سجلاً حافلاً في التنكر لحقوق الإنسان، ولديه رصيد زاخر في انتهاك حقوق الأسرى في سجونه المعتمة، فضلاً عن تاريخه الأسود في قمع الصحفيين واستهداف المؤسسات الإعلامية الفلسطينية، مجسداً بذلك قيمه المتناقضة مع الإنسانية، والمنسجمة مع الطبيعة العدوانية لمن تربوا على موائد الدم، وتاريخهم حافل بالمجازر وجرائم الإبادة.
ولعل أبسط الواجبات أن تنبري وسائل الإعلام المحلية وفرسان الإعلام الفلسطيني لمؤازرة زميلهم الأسير من خلال تسليط الضوء بشكل دائم على إضرابه المفتوح عن الطعام، ونقل قضيته كشاهد على همجية الاحتلال في التعامل مع آلاف الأسرى القابعين خلف زنازين الاحتلال البغيض، فضلاً عن استثمار شبكات التواصل الاجتماعي في تنظيم حملة مناصرة ومؤازرة له، فذلك أضعف الإيمان، دون أن يلغي ذلك ضرورة المشاركة في أي فعاليات تضامنية تنظمها المؤسسات والأطر الإعلامية ذات العلاقة، والتي ينبغي عليها التباري في ذلك، باعتبار نصرة الصحفي الفلسطيني والدفاع عنه أوجب واجباتها، ومبرر أساس لوجودها.
إن اعتقال قوات الاحتلال الإسرائيلي للصحفي القيق يعكس توجسها الدائم من الإعلام والإعلاميين الفلسطينيين الذين يواصلون دورهم الريادي في فضح جرائم الاحتلال، وتعبئة الشارع الفلسطيني نحو قضاياه الوطنية، مبتعدين بذلك عن مساعي الاحتلال ومن يدور في فلكه لحرف البوصلة عن انتفاضة القدس المشتعلة منذ أكثر من 100 يوم في الضفة الغربية والقدس المحتلة، متحملين جراء ذلك اعتداءات الاحتلال المتواصلة بحقهم، وإجراءات عرقلة عملهم ومنعهم من قبل السلطة الفلسطينية التي تخشى أن تخرج الأوضاع عن سيطرتها، وتمضي في طريق التنسيق الأمني مع الاحتلال، ضاربة بعرض الحائط المشروع الوطني في الصميم، والمصلحة الوطنية في مقتل.
كما أن إضراب الصحفي القيق المتواصل في سجون الاحتلال يضع مجدداً مصداقية الاتحاد الدولي للصحفيين والمنظمات الحقوقية الدولية على المحك، فصمتها غير مبرر، وتقاعسها عن متابعة وضعه الصحي المتدهور يمثل وصمة عار جديدة في جبينها، تضاف لسجل حافل بالعجز أمام جرائم الاحتلال بحق الإعلام والإعلاميين الفلسطينيين، إذ يكفي الإشارة لاستشهاد 17 صحفياً فلسطينياً خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة دون أن نلمس أي تحركات على صعيد لجم جيش الاحتلال عن عدوانه واستهدافه غير المبرر للمؤسسات الصحفية والإعلاميين الفلسطينيين، فضلاً عن محاكمة قادته على جرائمهم.
ومما لا شك فيه، أن الصحفي القيق بإضرابه المفتوح عن الطعام يعكس عزيمة وإصرار فرسان الإعلام الفلسطيني على فضح الاحتلال بكلماتهم وصورهم بل بأمعائهم الخاوية وأطرافهم المبتورة وأشلائهم المتناثرة في ميادين المواجهة، مع جيش وكيان غاصب تدثر بأعتى أنواع الأسلحة، وتجرد من أبسط القيم الإنسانية، وولغ في انتهاك الحريات الإعلامية وقمع الصحفيين، متوهماً أن المزيد من الإرهاب والقمع للصحفيين الفلسطينيين يمكن أن يثنيهم عن دورهم الوطني وواجبهم المهني، وأنى له ذلك.