ارتفعت الأصوات وتعالت الحناجر لرفض قرار يقال إن وزارة التربية والتعليم بغزة أصدرته بتغيير اسم مدرسة غسان كنفاني لمدرسة شهداء "مرمرة"، وأصدرت الجبهة الشعبية بيانًا هاجمت فيه وزارة التربية والتعليم وكذلك حركة حماس.
بعد التحري والتثبت اتضح عدم دقة البيان أو المعلومات المتعلقة بذلك، وأن وزارة التربية والتعليم قامت بافتتاح مدرسة جديدة مجاورة لمدرسة كنفاني، وهو أسلوب متبع من قبل الوزارة خلال افتتاح المدارس الجديدة.
الأهم أن الحادثة كشفت من جديد انشغال الفصائل الفلسطينية، وخاصة اليسارية، بقضايا هامشية وإهمال وتجاهل القضايا الوطنية الأساسية، والانشغال في قضايا آنية يمكن معالجتها بسهولة، وغياب واضح للمعايير في التعامل مع القضايا التي تثار في الساحة الفلسطينية.
ففي الوقت الذي أثيرت فيه قضايا مثل ما يعرف بـ"روتس الغلابة"، ومدرسة غسان كنفاني، تجاهلت تلك الفصائل إصدار أي موقف من ثلاث قضايا مهمة وطنيًا وإنسانيًا، ومنها قضية الشبان المختطفين بمصر، وحملة الاعتقالات ضد طلاب الجامعات في الضفة الغربية، واستمرار اعتقال العديد من الصحفيين والنشطاء.
ازدواجية المعايير بين القضايا الآنية التي تطرح، وتغييب القضايا الوطنية المهمة، والحديث هنا عن منظمة التحرير التي تحولت خلال السنوات الماضية إلى البقرة المقدسة التي يعتبر المس بها أو مهاجمتها من المحرمات التي تستوجب الطرد وكيل الاتهامات على من يحاول المطالبة بتصحيحها، باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.
وواصلت تلك الفصائل العمل ضمن اللجنة التنفيذية وحضور جلساتها وإصدار البيانات وتصدّر المشهد السياسي على الرغم من انتهاء شرعيتهم وغياب دورهم، ويتم استدعاء المنظمة في الوقت المناسب لتمرير مشاريع التسوية أو تعزيز سياسة رئاسة السلطة في مشاريع التسوية أو الاستقواء بها ضد الخصوم في الساحة الداخلية.
لم نسمع صوتًا لتلك الفصائل فيما يحدث في اللجنة التنفيذية التي يراد لها أن تصبح مجددًا سلاحًا يستخدمه رئيس السلطة في مواجهة خصومه وتمرير مشاريع التسوية مع الاحتلال والاستفراد بمنظمة التحرير بشكل مريع، بل يعمل على استدعاء المجلس الوطني لتمرير المشاريع الشخصية لصالحه وسط غياب للشرعية الحقيقية، بل لتمثيل كل الفلسطينيين في الداخل والخارج, في ظل محاولات طمس وتغييب قضية اللاجئين وحق العودة.
تصمت تلك الفصائل أمام قضية وطنية مهمة تم الاتفاق عليها، وتغيب الاتفاقيات الوطنية التي دعت لإحياء منظمة التحرير وإعادة تشكيلها وتنفيذ الاتفاقيات التي تنظم عملها.
لكن صمتت تلك الفصائل وتمسكت بإثارة قضايا هامشية سطحية ليست ذات أهمية في مصير القضية الفلسطينية تعكس حالة من الهشاشة تعاني منها تلك الفصائل ذاتها في تركيبتها الحزبية، وغياب حقيقي لقاعدتها الشعبية، ودليلها تدخل رئيس حركة فتح محمود عباس لإلغاء انتخابات داخلية في منطقة غرب خانيونس خشية فوز خصومه.
فمن لا يحتمل منافسة في أحد الأحياء في غزة لا يصمد أمام منافسة حقيقية حول الشرعية الوطنية، ويقع على عاتق تلك الفصائل أن يعلو صوتها في طرح القضايا الوطنية والتوقف عن إثارة القضايا السطحية.