Menu
12:19محكمة الاحتلال ترفض الإفراج عن الأخرس
12:13المالكي : دعوة الرئيس بمثابة المحاولة الاخيرة لإثبات التزامنا بالسلام
12:10الاردن يعيد فتح المعابر مع فلسطين بعد اغلاق استمر لأشهر
12:07الخارطة الوبائية لـ"كورونا" بالقطاع
12:05"إسرائيل": التطبيع مع السودان ضربة لحماس وايران
12:02"اسرائيل " علينا الاستعداد لما بعد ترامب
12:01الاحتلال يقتحم البيرة ويخطر بإخلاء مقر مركزية الإسعاف والطوارئ
11:59"الاقتصاد" بغزة تجتمع بأصحاب شركات مستوردي فرش الغاز
11:51«الديمقراطية»: سيقف قادة الاحتلال خلف قضبان العدالة الدولية
11:51الوعى الاستثنائى فى فكر  د.فتحى الشقاقى
11:47قيادي بحماس يتحدث عن "أهمية رسالة السنوار لرموز المجتمع"
11:45مستوطنون يقتحمون قبر يوسف بنابلس
11:40مقتل سيدة ورجل بالرصاص في باقة الغربية واللد
11:28الإمارات تسرق "خمر الجولان" السوري وتنصر "إسرائيل" ضد BDS
11:26صحيفة: تفاهمات بين القاهرة وحماس حول آلية جديدة لعمل معبر رفح

كمال الخطيب يكتب : قبل أن تغرق السفينة

يومًا بعد يوم تزداد الأصوات والأقلام التي تتحدث وتكتب متشائمة من مستقبل المشروع الصهيوني، وأن شمس هذا المشروع بدأت تميل إلى الغروب، هؤلاء ليسوا عربًا ولا مسلمين ولا حتى أوروبيين من المراقبين والباحثين، وإنما هم من الإسرائيليين، كُتابًا ومفكرين وسياسيين، وراح ينضم إليهم قادة أمنيون ورجال استخبارات. 
لكأني بهؤلاء -وهم يصرخون ويحذرون شعبهم- لا يريدون أن يكتب التاريخ عنهم أنهم كانوا أغبياء أو عميان، ولم يتنبّهوا للكارثة قبل وقوعها، فإنا نسمعهم ونقرأ ما يكتبون بوضوح وبصراحة؛ عن مستقبل قاتم وظروف مأساوية للمشروع الصهيوني.

بالدور إلى سفينة النجاة:

كان هذا عنوان المقالة التي كتبها الصحافي المشهور "يارون لوندون" في صحيفة (يديعوت أحرونوت) الأربعاء الأخير 2015/2/25، وتحدث فيه عن تزايد أعداد الإسرائيليين الذين يسعون للحصول على جوازات سفر أجنبية وعلى فتح حسابات ونقل أموالهم إلى بنوك أجنبية.. وكل ذلك بسبب عدم ثقتهم بمستقبل المؤسسة الإسرائيلية، حتى أنه يذكر أن عدد هؤلاء قد وصل إلى 6000 إسرائيلي في فرع أحد البنوك السويسرية فقط، من بينهم أناس مشهورون وقياديون في مجالات مختلفة، حيث أن هؤلاء غير واثقين من استقرار وأمن المؤسسة الإسرائيلية، فإنهم يبادرون إلى تحضير سفينة نجاة لهم. يقول "يارون لندن"، في محاولة لإرسال رسالة تطمين وتشجيع للإسرائيليين: (لن أكون من الأوائل الذين سيقفزون من سفينة إسرائيل التي تغرق، لأنني أخجل من أولئك الذين سيبقون خلفي من الذين ليس لديهم جواز سفر آخر ولا مدخرات مالية موجودة في الخارج).

هكذا هي الصورة إذن، بلا رتوش ولا مبالغة. إنها صورة التشاؤم والخوف تكاد تصل إلى حد اليأس من مستقبل المشروع الصهيوني، عبر الزيادة المطّردة لأعداد الإسرائيليين الذين يسعون إلى الحصول على جواز سفر من دولة أجنبية أخرى تمكنه في الظروف الصعبة من الانتقال إلى السكن والإقامة فيها، حيث يسبق ذلك نقل الأموال والمدخرات والأرصدة إلى تلك الدولة أو غيرها، وهذا معناه عدم ثقته بالاستثمار في المؤسسة الإسرائيلية، ما يشكل ظروفًا اقتصادية صعبة قادمة.
إن "يارون لندن" نفسه سبق وكتب في مذكراته التي صدرت في نهاية العام الماضي قائلا: (إنني أُعدُّ نفسي لمحادثة مع حفيدي لأشرح له أن مستقبل بقائنا في هذه الدولة لا تزيد عن 50%. ولمن يُغضبهم قولي هذا فإنني أقول لهم إن نسبة 50% تعدّ جيدة)؛ يقصد أن النسبة الحقيقية هي أقل من ذلك. 
إنهم كبار القادة والكُتاب والأمنيين الذين يعرفون الحقيقة أكثر من غيرهم، حيث قال "شفطاي شفيط"؛ رئيس الموساد السابق في موقع صحيفة "هآرتس": (إنني قلق جدًا على مستقبل المشروع الصهيوني). وقال "كارمي غيلون"؛ رئيس الشاباك السابق، لموقع "يديعوت أحرونوت": (إن استمرار السياسة المتطرفة ضد المسجد الأقصى ستقود إلى حرب يأجوج ومأجوج ضد كل الشعب اليهودي، وستقود إلى خراب إسرائيل). وقال "يوفال ديسكين"؛ رئيس جهاز الشاباك السابق لصحيفة "هآرتس": (سأتعاون مع أي حزب لإسقاط نتنياهو لأنه يشكل خطرًا على مستقبل الدولة). وكان آخرهم "مئير داغان"؛ رئيس الموساد السابق، في تصريحات نشرتها له صحيفتا "هآرتس" و"يديعوت" يوم الجمعة الأخير 2015/2/28 والذي قال: (إنني أشعر بخطر على استمرار الحلم الصهيوني). وقال: (أنا ربيت هنا أبنائي وأحفادي، ولأنني مؤمن بالمشروع الصهيوني وأرى الخطر على إمكانية بقائه واستمراره فإنني سأتكلم)، يقصد بذلك مشاركته غدًا السبت في المظاهرة في تل أبيب للمطالبة بتغيير "نتنياهو" في الانتخابات القادمة.
هكذا إذن يكتب ويتحدث بُناة مجد المؤسسة الإسرائيلية السياسي والأمني، من الذين يدركون تمامًا أن أوهام المشروع الصهيوني توشك أن تتبدد وتتلاشى، وأن سراب ووهم القوة والعودة إلى أرض الآباء والأجداد على حساب مآسي الغير يوشك أن ينفضح. إنهم يُعدّون العدة ويقفون طوابير أمام السفارات للحصول على جوازات سفر أجنبية، بل إنهم يعدون العدة للقفز من سفينة المؤسسة الإسرائيلية، التي توشك أن تغرق، ويبحثون عن قارب نجاة لهم.

"نتنياهو"- الطفيلي والعرس

منذ أكثر من شهرين والإعلام الإسرائيلي، بل والحلبة السياسية الأمريكية والإسرائيلية، منشغلة بزيارة نتنياهو إلى واشنطن، والتي استهلها يوم الأحد الأخير، هذه الزيارة التي لها ظروف وملابسات محرجة ومخجلة وغير عادية وغير معمول بها في العرف الدبلوماسي وفي العلاقات بين الدول. 
إنهم حلفاء المؤسسة الإسرائيلية من الحزب الجمهوري والذين أكثرهم من (الإنجيليين الأصوليين) قد دعوا "نتنياهو" -حسب قوله- لإلقاء خطاب في الكونغرس لبيان وشرح مخاطر الاتفاق الذي سيبرمه الرئيس "أوباما" مع إيران حول الملف النووي. ولأن الرئيس "أوباما" هو من الحزب الديمقراطي، فإن "نتنياهو" يتجاهل أنه هو رئيس أمريكا، وأن الدعوة يجب أن تكون منه، وفق كل الأعراف الدبلوماسية المعمول بها، فظل مصرًّا على السفر إلى أمريكا رغم كل المواقف والرسائل الناقدة، بل والهجوم الكاسح الذي تعرض إليه من "أوباما" نفسه ومن نائبه "بايدن" ووزير خارجيته "جون كيري" وغيرهم، من الذين قالوا إنهم سيقاطعون زيارته ولن يكونوا في استقباله. 
رغم كل هذا فإن "نتنياهو" ظل مصرًّا على زيارته وخطابه، وكأنه أحرص على الولايات المتحدة وأمنها ومصالحها، عبر اتفاقها مع إيران حول مشروعها النووي.
إن قصة "نتنياهو" هذه تذكرني بقصة ذلك "الطفيلي"، وهو الشخص الانتهازي الاتكالي الهامشي الذي يقتات على فتات الآخرين؛ مثل الحشرة التي تقتات على دماء الحيوانات، أو النبتة التي "تتعشبق" على غيرها من النباتات.

يحكى أن طفيليًا سمع جماعة يتحدثون عن طعام دعُوا إليه عند صديق، فتتبعهم، ودون دعوة ولا إذنٍ دخل عليهم وجلس، وقال: ما تأكلون؟! فأجابوه متضجرين من وجوده متأففين من حضوره: "نأكل السُم"، فمد يده إلى الطعام وهو يقول: (الحياة حرام بعدكم)، وراح يأكل معهم.
إن أمريكا حليفة المؤسسة الإسرائيلية، بل إن المؤسسة الإسرائيلية هي البنت المدللة لأمريكا بكافة قياداتها من الديمقراطيين أو الجمهوريين، حيث الكل يعلم أن اقتصاد المؤسسة الإسرائيلية وقوتها العسكرية وأمنها مرتبط بحبل السرة بالاقتصاد والتسليح الأمريكي، إضافة إلى الدعم السياسي المنحاز، بل والسافر.
كان الأوْلى بـ"نتنياهو" أن يفعل فعل ذلك الطفيلي ويقبل بصيغة الاتفاق الذي تنوي أمريكا التوقيع عليها مع إيران، لأنه يعلم أن أمريكا أحرص على المؤسسة الإسرائيلية منه، وحتى لو كان هذا الاتفاق سُمًا، ولكن "نتنياهو" المتكبر المتعجرف يريد أمريكا بقرة حلوبًا ليس أكثر.
إننا لم نسمع عن صورة من صور العنجهية مثل تلك التي نراها من "نتنياهو"، إنه الذي يذهب إلى أمريكا بدون دعوة من الرئيس الأمريكي، والذي أعلن أنه لن يستقبله، بل إنه الذي سيخطب في أعضاء الكونغرس ليقنعهم بالتصويت ضد مشروع الاتفاق الأمريكي الإيراني في صفعة واضحة ومباشرة ووقحة للرئيس أوباما.

ومع أن كل المراقبين وأصحاب الرأي يتحدثون عن خطوة غير مسبوقة، وأنها ستكون ذات تأثير سلبي على مستقبل العلاقات الإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية، وأن "نتنياهو" يعلم أن أمريكا ستحرز اتفاقًا يحقق مصالح أمريكا وحلفائها، إلا أنه يريد استغلال هذا الخطاب لصالح رفع رصيده أمام الناخبين الإسرائيليين، بخاصة وأن هذه الزيارة وهذا الخطاب يسبق يوم الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية بأسبوعين، والتي ستكون يوم 2015/3/17.
إنه "نتنياهو" الذي يتصرف بحماقة وبعنجهية، إنه الذي في داخله يسخر من هذا الأمريكي الأسود، الذي عليه أن يعرف أن واجبه ليس إلا الدعم بالمال وبالسلاح، وأما مصالح "شعب الله المختار" وتحقيقها فهي ليست مهمة الأغيار، وفي التالي فلسان حاله يقول: من هذا الذي يمنعني من السفر إلى أمريكا وإلقاء خطاب في الكونغرس، رضي "أوباما" أو لم يرض، وليذهب "أوباما" إلى الجحيم!!!

اليهود بين نارين:

ما أن سمع "نتنياهو" بحادث مقتل اليهود الأربعة في المتجر اليهودي في باريس الشهر الماضي حتى وجه نداء إلى يهود فرنسا بالهجرة إلى المؤسسة الإسرائيلية، لأنه لم يعد في نظره مكان آمن لهم إلا المؤسسة الإسرائيلية. 
وبعدها بأسبوعين، ولما وقع حادث الاعتداء على كنيس يهودي في الدنمارك وجه نتنياهو نداءً آخر إلى يهود الدنمارك يدعوهم فيه إلى ترك البلاد والهجرة إلى المؤسسة الإسرائيلية، لأنهم سيجدون فيها الأمن والأمان. 
الغريب والملفت -وفق التقارير- أن قادة يهود فرنسا والدنمارك لم يستجيبوا لهذا النداء، بل عارضوه ورفضوه، في صفعة مباشرة لـ"نتنياهو". 
يعلم الجميع أن ملامح اللاسامية قد بدأت تعود إلى أوروبا، عبر جماعات وأحزاب وحركات يمينية عنصرية تعادي اليهود وتعادي المسلمين وتعادي المهاجرين إلى أوروبا، وأن هذه الحركات والأحزاب ومواقفها بدأت تعيد إلى الأذهان الممارسات التي وقعت ضد اليهود في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية. 
نعم! إن هذا الواقع الصعب حاضرٌ في أذهان ومشاعر يهود فرنسا والدنمارك وكل أوروبا، وهم متخوفون من المستقبل، ومن أن نار العنصرية قد تطالهم، لكنهم في المقابل وعبر قراءة ومعرفة بالواقع الإسرائيلي فإنهم يدركون أكثر مدى صعوبة هذا الواقع والمخاطر التي تتهدد مستقبل المشروع الصهيوني في المؤسسة الإسرائيلية. 
إنهم يقارنون ما هم فيه وعليه من تزايد مظاهر العنصرية بما هو عليه الحال من تزايد المخاطر على مستقبل وجود المؤسسة الإسرائيلية، فاختاروا نار العنصرية على جحيم الكارثة التي تتهدد بقاء المؤسسة الإسرائيلية. 
ولقد سبق يهود فرنسا والدنمارك يهودُ ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي عند تفككه مطلع تسعينيات القرن الماضي، فإنه ورغم الجهود غير العادية التي بذلتها المؤسسة الإسرائيلية عبر الوكالة اليهودية وأذرعها لإقناع يهود الاتحاد السوفييتي بالهجرة إليها؛ إلا أنها لم تنجح إلا في إقناع 25% منهم -وعددهم مليون- بينما هاجر الباقون -وهم قريبًا من ثلاثة ملايين- إلى أوروبا وأمريكا، وأن أعدادًا أخرى ما زالت هناك. إن هؤلاء على يقين بمخاطر الهجرة إلى أوروبا رغم القوانين التي تحارب العنصرية واللاسامية، إلا أنهم فضلوا ذلك على الهجرة إلى المؤسسة الإسرائيلية لعلمهم أن مستقبلها محفوف بالمخاطر، لأنها قامت غصبًا وقهرًا وعلى حساب شعب آخر، وهذه معادلة لن تستمر وواقع لن يدوم، حتى إن أحد يهود أمريكا قد شبه وجود المؤسسة الإسرائيلية وعمرها "بالقصة القصيرة".
بل كيف ليهود فرنسا والدنمارك أن يصدقوا ادعاء "نتنياهو" أن المؤسسة الإسرائيلية بلد الأمن والأمان والطمأنينة أمنيًا واقتصاديًا واجتماعيًا؛ بينما هم يقرأون ويعرفون حكاية الطوابير الطويلة من اليهود على أبواب سفارات فرنسا والدنمارك وكندا وأستراليا وغيرها، سعيًا للحصول على جواز سفر من هذه الدول للانتقال إليها؟ 
كيف سيصدق هؤلاء أن يهودًا يهاجرون من المؤسسة الإسرائيلية خوفًا وقلقًا من المستقبل، بينما "نتنياهو" يدعوهم للهجرة إليها ليجدوا فيها الطمأنينة والراحة والمستقبل الواعد؟
بين يدي الانتخابات الإسرائيلية القريبة، والتي يُجمع الجميع أنها كانت وليدة حزازات ومناكفات شخصية بين مركبات الحكومة الأخيرة (نتنياهو ليبرمان لبيدبينتليفني) ولم تكن وليدة الخلاف حول إستراتيجيات سياسة هذه الحكومة، ومع ذلك لن تكون الحكومة القادمة أحسن حظًّا من سابقتها، مع أن اليمين هو من سيشكل الحكومة القادمة. 
إن الواقع الإسرائيلي لن يعرف الاستقرار؛ لا السياسي وقناعتيلا الأمني ولا الاجتماعي، لأن هذا الحال قد بُني على أوهام عبر استغلال ظرف عالمي وقع في أربعينيات القرن الماضي، ولكنها الظروف التي يُجمع المراقبون أنها لن تستمر، بل راحت تتغير.

وإن ما يجري من زلازل سياسية واجتماعية وفكرية في المنطقة يشير إلى تغير حتمي ستشهده المنطقة.
أما أنا فعلى ثقة بأن هذا التغير لن يكون إلا في صالح الإسلام، مهما عظم الثمن وهو عظيم، فمن بين هذه الأمواج العاتية والعواصف الهوجاء سنرى سفينة تتهادى تتجه إلى شاطئ السلامة، إنها سفينة المشروع الإسلامي ودولة الخلافة الإسلامية الراشدة تعمّ الأرض، كما قال صلى الله عليه وسلم، وليست الدولة الإسلامية في العراق والشام، بينما نرى سفينة أخرى تضربها الأمواج والعواصف غير قادرة على النجاة، بل إنها ستتحطم وتتفكك وتغرق؛ إنها سفينة المشروع الصهيوني. فأولى بالعقلاء الذين يركبونها أن يبحثوا عن أسباب النجاة والسلامة، هؤلاء هم من وصفهم "يارون لندن" بأنهم قد فعلوها لما قال (بالدور إلى سفينة النجاة).

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالديّ بالمغفرة
(والله غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون)