قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة يوم السبت الماضي، باعتبار حركة حماس منظمةً إرهابيةً، مع ما يترتب على ذلك من آثار، هذا القرار لم يكن مستغرباً أو مفاجئاً خاصةً أنه ليس الحكم الأول فقد سبقه قرار قبل أسابيع قليلة باعتبار كتائب القسام منظمةً إرهابية، ويأتي مواكباً لحالة التحريض الإعلامي والإجراءات السياسية والتي أبرزها حصار القطاع وإغلاق معبر رفح.
هذه الأحكام ليست قضائية بأي حالٍ من الأحوال إنما هي سياسية خرجت من العقل الذي يدير الدفة في مصر، ولم يأت نتيجة التحريض الإعلامي والشحن المتواصل ضد المقاومة الفلسطينية وقطاع غزة بل مكملٌ له، فمنذ اليوم الأول لتولي الرئيس السيسي إدارة النظام المصري وهناك استهداف لحركة حماس وتضييق متواصل عليها، وتزامن ذلك مع عدة مسارات متوازية منها تشديد الحصار والتحريض الإعلامي والاستدراج الميداني والأحكام القضائية، ولهذا علينا عدم قراءة القرار بتجرد عن المشهد المصري المتكامل.
هذه القرارات مرفوضة مصرياً وعربياً بشكل واسع، فالأصل أن يتم محاكمة إسرائيل ككيان إرهابي لا العكس، ولهذا لن يؤثر هذا القرار وغيره على طبيعة العلاقة ما بين مصر والقضية الفلسطينية، خصوصاً أن الأحزاب والمؤسسات المصرية ترفضه ولا توافق عليه، وتعتبر حماس فصيلاً فلسطينياً مقاوماً، وأن حالة العداء لن تكون ضد الحركة بل يجب أن توجه للاحتلال.
التوجه للمحاكم المصرية من قبل أي طرف فلسطيني هو اعتراف بالمحكمة وشرعيتها والوقوع بهذا الفخ عبث كبير، لهذا على حماس تجاهل هذا الخيار والتركيز على جمع الشتات سياسياً، وبالتأكيد لدى حماس الكثير من الأصدقاء والمحبين في مصر يمكنهم القيام بمهمة دحض ونقض هذا القرار.
الفصائل الفلسطينية مطالبة اليوم بأكثر من موقف إعلامي عابر، لأن الأمور تزداد تعقيداً وخطورةً والجميع في مركب واحد، فالمطلوب هو رفض هذا القرار ومهاجمته وتحديه وإرسال رسائل قوية للجانب المصري أن هذا يعد انحرافاً قاتلاً للسياسة المصرية وأن تداعياته خطيرة على الدور المصري في تحديد مستقبل الملفات الهامة.
لن يعجل هذا القرار من المواجهة العسكرية، بل ربما يؤخرها فما زالت الظروف صعبة ومعقدة ولن يستثمر إلا كنوع من أنواع زيادة الضغط على حماس لابتزازها والعمل على إرباكها في ظل تناميها العسكري والسياسي، وسيسهل التنصل من القرار أمام أي تغير في المعادلة، فعدوان السيسي على غزة له تداعيات أخطر من جميع الحسابات.
أعتقد أن حركة حماس أوعى من الانجرار إلى مربع التشابك والاقتتال مع النظام المصري وستتعامل بحكمةٍ وتوازن، ولن تعطي الاحتلال فرصة التشفي بالحالة العربية أكثر، وستستمر بتركيز جهودها ضد إسرائيل دون التورط بأي مستنقعات أخرى.
ولهذا أنصح حركة حماس بالتحلي بالحكمة والهدوء والتروي وعدم الانجرار لانفعالات غير محسوبة، فهي الطرف الأقوى لأن مصر والمصريين يعشقون فلسطين وحماس والمقاومة، ومكانهم الطبيعي معها وليس ضدها، ولابد أن ينعقد حوار مفتوح وواضح مع النظام ليتم نزع فتيل التوتر والعداء، فنحن شعب واحد وقضية واحدة والبنادق العربية تتوحد ضد إسرائيل فقط مهما حدث، والقرار المصري لن يكون مقدمة لعدوان على غزة بل لفتح صفحةٍ جديدةٍ معها.