إختلاف بتول عن المحيط الذي ولدت فيه واضح. فهي لم ترث عينين خضراوين واسعتين كغيرها من فتايات الريف الذي قدمت منه، لكنها ربت في مقلتيها شغفاً وبريقاً يصنع تميزهما. "في مجتمعي لا يهتمون بتعليم الفتيات"، تقول بتول وتكمل مسجلةً اعتراضها: "بس أنا كنت حب كون غير عن كل هالعالم".
حرصت الفتاة ألا تضيِّع مراهقتها في الإستماع الى دروس عن دور نمطي عليها اتمامه. واظبت، بدلاً من ذلك، على إتمام دراستها. هي اليوم في السابعة عشر من عمرها تقريباً، تلميذة لا يمكنها إجراء إمتحان البكالوريا بعد لجوئها القسري إلى لبنان.
تقول بتول لـ"المدن" انها كانت تنوي تقديم "بكالوريا حرة"، وانها درست كثيراً لتنال معدلاً يخولها دخول كلية الإعلام. غير أن الحرب عاكست أحلامها، فـ"قُصف البيت"، وإضطرت العائلة الى المغادرة، لا سيما أن والدها مفقود منذ مدة. لكن يبقى حلمها، مع ذلك، "أن أكون صحافية".
تزايد شغف بتول بالعمل الصحافي خلال الأحداث في سوريا. كانت ترى كيف "تدخل الصحافيات الى بيوت الناس، وكيف يخاطرن بحياتهن لنقل الصور والأحداث". راودت بتول أحلام وطموحات أخرى، لكن "حب الصحافة بقي يرافقني"، كما تقول. دافع واحد مشترك يحرك طموحاتها، وهو حبها للإطلاع على "أحوال العالم وقصصهم وأوجاعهم وأفراحهم ومشاركتهم كل شيء". حاولت الفتاة أن تحصل على علامات تكفيها لدخول فرع البكالوريا العلمي، لعلها تتأهل في وقت لاحق للإنتساب الى كلية الطب. تقول إنها لم تفلح في ذلك، فعادت الى تحقيق "الحلم الأساسي". اجتهدت في دراستها للبكالوريا الأدبية بهدف الحصول على علامات تخولها دخول كلية الإعلام. هذه المرة "رحلتُ خارج سوريا"، ولم تعد قادرة على إستكمال تعليمها.
تحرك بتول يدها اليسرى بإشارات تعبر عن إنفعالاتها وهي تتكلم عن حلمها. فيما تضم عباءتها باليد اليمنى الى خصرها في حركة تبدو عفوية ومعتادة. تقفل أصابعها وتعاود فتحها، وكأنها تقبض على هذا الحلم كلما حاول الفرار. تفعل الفتاة ذلك، وهي على قدر من الإدراك أن الأحلام لا تفقد، الأماكن والناس هم الذين يفقدون. تردف قائلةً: "نحن لا نضمن لأنفسنا العودة الى الديار أصلاً".
ورغم شعورها أن فسحة الحلم باتت ضيقة في حياتها، فإنها قررت أن ترافق "المدن" في جولتها في المخيم. وهكذا، تأخذ الفتاة المبادرة في طرح الأسئلة الدقيقة على العائلات. تتصرف كأنها تعرف جيداً المآسي التي يعاني منها سكان مخيم بلال الساروط في برالياس، وتعرف بناءاً عليه ما الذي يجب أن تسأل عنه. "كم تكفيكم الحصة الغذائية؟ ما هو محتواها؟"، تسأل مع تفاصيل أخرى. كما يظهر ذكاء الفتاة جلياً عندما تواجه تدفق عدد من النساء اللواتي يعانين العوز، يطلبن إعادتهنّ الى لوائح المستفيدين من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. تواجه الفتاة الموقف من خلال تقديم الإيضاحات الوافية: "لا شأن للصحافة بتقديم المساعدات، تكلموا عن مأساتكم ليصل صوتكم إلى العالم".
إرتياد الجامعة كان الخلاص الذي تبحث عنه بتول، وليس "اللجوء". كانت تحلم أن "تعيش في عالم مختلف". عن الجامعة تقول إنها "المكان الذي يمكن أن أفعل فيه ما أريده أنا". أما عن الحلم، فكان "أن أكون أنا نفسي، أنا بتول، يصير إلي إسم".
- See more at: http://www.almodon.com/society/a3894c7e-fe5c-4a87-9c09-40e83b3afbfb#sthash.5ADqLIte.dpuf