سجل العاهل الأردني عبد الله بن الحسين آخر مواقف النفاق والعواطف الرخيصة المزدوجة في سجلات الزعماء العرب، الذين كانوا منذ زمن بعيد: كلاب للأجانب هم ولكن على أبناء جلدتهم أسود.
لم يذرف هذا العاهل الزنكلوني دمعة واحدة على ضحايا مسلسل التفجيرات الدامية، التي استهدفت أبناء العراق منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا، وراح ضحيتها عشرات الآلاف من النساء والأطفال، ولم يتألم مرة واحدة حزناً وحسرة على أبناء غزة الذين حصدتهم بلدوزرات الموت والدمار، لكنه بكى بحرقة على قبر الزعيم التركي (الماسوني) المتهتك (مشعول الصفحة) مصطفى أتاتورك، وأجهش بالبكاء على ضحايا صحيفة شارلي في التفجير الباريسي العابر، وكاد يغمى عليه بدموعه المنهمرة بغزارة.
لقد توجه معظم الزعماء العرب، ومعهم هذا القزم الصغير، للوقوف مع زعماء أوربا في تظاهرتهم العاهرة المناوئة للإرهاب الذي أصابهم بشظية واحدة من تلك الشظايا الطائشة التي تتساقط فوق رؤوسنا ليل نهار.
دماؤنا رخيصة، ودماؤهم غالية ولا تُقدر بثمن. لقد شهد شعبنا أبشع المجازر من دون أن يشيعهم أحد، وتعرض العراق كله لأشرس الهجمات من دون أن يحميه أحد، ونزلت فوق رؤوسنا المصائب والنكبات من دون أن يتقيها أحد. لكنهم انتفضوا عن بكرة أبيهم لمواساة (نتنياهو)، ومواكبته في مسيرة التشييع الباريسية، ثم تبادلوا الأنخاب مع الذين قتلوا العراقيين بالجملة، وانتهكوا الحقوق الفلسطينية جملة وتفصيلا.
ألا يتساءل الأوربيون عن سر هذه الحمم التي انهالت على العراق بأدوات أطلسية أمريكية إسرائيلية ظالمة ؟. ألا يخجل الزعماء العرب من هذه الازدواجية المتأرجحة في بندول النفاق السياسي ؟.
هؤلاء الزعماء العرب هم سبب هذا الانحطاط وهذه الدونية، وهم سبب البلاء والتخلف، وهم السبب المباشر لكل البلاوي التي مرت بنا في السابق، والتي نعيش تفاصيلها المرعبة هذه الأيام. الأمر الذي يستدعي وقوفنا بحزم بوجه هذه الزمرة المنافقة من الانبطاحيين والمتخاذلين والمتواطئين مع أعدائنا.
نحن يا جماعة الخير أمة تفتقر إلى زعامة تاريخية تذود بالدفاع عن شعوبنا المنكوبة، وعن قضايانا المعلقة ومصالحنا المعطلة منذ زمن بعيد. أن من يشاهد تجمع الملوك والرؤساء العرب في مجلس العزاء الباريسي، ويراقب نحيب العاهل الأردني وبكائه بحرقة من دون انقطاع، لابد أن يصاب بالجنون والإحباط من هذه الأشكال الحنقبازية، التي فرضتها علينا ظروفنا السياسية القاهرة، وحذفتها علينا الأقدار في غفلة من غفلات هذا الزمن العربي الضائع.