ماذا وراء إعادة أحكام المؤبد للمحررين من صفقة ( وفاء الأحرار)؟ تفيد مصادر الأسرى أن سبعة من القدس، وستة من الضفة، قد تمّ إعادة إليهم حكم المؤبد، وتقدر المصادر عدد من أعيد إعتقالهم من المحررين بلغوا ستين محررا.
لا توجد مبررات حقيقية للاعتقال، حيث لم يقم أحد من المعتقلين بأية أعمال مقاومة يعاقب عليها قانون الاحتلال ، ومع ذلك اعتقلوا جميعا على الشبهة في أحسن الأحوال، والأصح أنهم اعتقلوا لأن ثمة نية مبيتة لدى حكومة نيتنياهو لاعتقالهم بعد إتمام صفقة التبادل. قرار الاعتقال فيما أرجح كان موجودا في عقل نيتنياهو واستراتيجيته يوم أن أعطى موافقته على صفقة التبادل مضطرا.
كانت الظروف الإقليمية يوم إتمام صفقة التبادل ضاغطة على حكومة نيتنياهو لإبرامها على النحو الذي تمت به، فقد كانت مصر تحت حكم الإخوان، وكانت إسرائيل تخشى على شاليط من مصير رون أراد، ومن ثمة اضطرت حكومة نيتنياهو إلى إخفاء مخططها بنقض ما اتفقت عليه مع الآخرين، وهذ خلق موروث فيهم، فكلما عاهدوا عهدا نقضه فريق منهم، وهذا دأبهم في الماضي وفي الحاضر.
ما جرى من اعتقال للمحررين هو نتاج هذه الأخلاق، والثقافة ،والتصرفات، الموروثة، وهو ليس نتاج مواقف أمنية مستحدثة، فلا توجد علاقة بين المحررين في نابلس، و طولكرم، ورام الله، وبين ما وقع في الخليل من مقتل المستوطنين الثلاثة، ولا يمكن أن يتواطأ ستون محررا في عملية مقاومة قام بها مجاهدان، دون أن يستشيرا أحدا، لا في الخليل، ولا في غير الخليل.
إن إعادة اعتقال المحررين من القدس وإعادة أحكام المؤبد لهم، له مبرر آخر يتعلق بمدينة القدس، حيث تقوم استراتيجية الاحتلال على قاعدة تفريغ القدس من سكانها، ولهذا التفريغ إجراءات عديدة، وإعادة إعتقال هؤلاء المحررين هو جزء من عملية التفريغ.
في تجربة السلطة مع اسرائيل قصص لا تعد ولا تحصى تحكي تنصل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من الاتفاقات التي وقعتها، بعد أن تكون قد أخذت منها ما تريد. وفي ذلك درس أو دروس، لمن يخوضون صراعا مع الاحتلال. ومن هذه الدروس أن أوراق الاتفاقيات لا تحمي وحدها الحقوق، ولا بدّ من الاعتماد على النفس لحماية الحقوق، والبناء على الأسوأ عند عقد اتفاقات تبادل أخرى؟!
لقد رعت مصر اتفاق تبادل الأسرى بين الطرفين، ولكن مصر التي رعت الاتفاق ليست مصر اليوم، التي تتعاون مع اسرائيل ضد حماس، ومن ثمة فمصر الراعية هي الجهة الوحيدة التي تملك أدوات الضغط ، ولكن مصر ترفض ربما نقاش القضية مع حماس، وربما ترفض التدخل في هذه المسألة. والأمر لا يتعلق بمصر وحدها، فأميركا رعت اتفاقيات بين السلطة وإسرائيل، وقد تنصلت حكومة نيتنياهو من التزاماتها المستحقة بحسب ما وقعت عليه، وشكت السلطة لأميركا، ولكن الإدارة الأميركية لم تفعل شيئا. ومن هنا كانت فكرة الاعتماد على النفس، والبناء على البدائل، هي أهم دروس اعتقال المحررين.