انتهى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لكن آثار العدوان ومتطلبات وقفه، تحتاج إلى مفاوضات مع الاحتلال لتنفيذ ما تعهد به أمام أطراف إقليمية بخصوص إعادة إعمار القطاع، وفك الحصار عنه، وإطلاق سراح الأسرى، وغيرها من القضايا العالقة.
وفي الوقت الذي يستعد فيه سكان مستوطنات غلاف غزّة للانتقال (مؤقتاً) إلى وسط فلسطين المحتلة وشمالها، لقضاء عيد رأس السنة العبرية، خوفاً من تجدد القتال، تقول صحيفة "يديعوت أحرونوت": إنّ الوفد الإسرائيلي، الذي يشارك في المفاوضات غير المباشرة مع الفلسطينيين في القاهرة، سيكرّر مطالبه المتمثلة بنزع سلاح المقاومة ورفض بناء ميناء غزة.
تكرار هذه المطالب التي سبق أن تم رفضها بالإجماع من قبل فصائل المقاومة قد يعني مزيداً من تضييع الوقت والمماطلة في تنفيذ بنود وقف إطلاق النار أو الهدنة المؤقتة، وهو ما دأبت (إسرائيل) عليه خلال سنوات تفاوضها مع السطلة الفلسطينية برام الله، لكن المطلوب محاصرة المحتل أمام التزاماته الدولية إزاء غزة، وعدم السماح له بالقيام بعملية مماطلة جديدة تحت أي ظرف أو مسمى كان.
تأتي المفاوضات تلبية لدعوة القاهرة للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن الوفد الإسرائيلي الرسمي للمفاوضات يتكوّن من رئيس الطاقم الأمني والسياسي في وزارة الأمن، الجنرال عاموس جلعاد، ورئيس جهاز "الشاباك"، يورام كوهين، ومنسق أعمال الاحتلال، الجنرال بولي مردخاي. وسيركز الوفد الإسرائيلي على المطالبة بنزع سلاح المقاومة وجعل غزة منزوعة السلاح، إلى جانب رفض أي مطلب فلسطيني ببناء ميناء غزة، مع الاستعداد للبحث في مسألة فتح المعابر، وتحديداً معبر رفح المصري.
كما يتوقع أن يطالب الوفد الإسرائيلي باستعادة جثتي الضابطين الإسرائيليين، أرون شاؤول وهدار جولدين. في غضون ذلك، يعمل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، على تحويل فشل العدوان على غزّة إلى مكاسب سياسية، معلناً أنّ حركة "حماس" تلقت ضربة قوية لم تتلقّها منذ تأسيسها. وعاد نتنياهو، خلال كلمة وجهها إلى الإسرائيليين بمناسبة السنة العبرية الجديدة، التي تحل في السادس والعشرين من الشهر الجاري، إلى الحديث مجدداً عن أفق سياسي دون أن يحدد ملامح هذا الأفق.
من الواضح أن استئناف جولة المفاوضات تأتي في أوضاع دولية مغايرة لفترة العدوان نفسه، بفعل تركيز الأضواء الدولية على التطورات المتسارعة في العراق وسوريا، وتشكيل التحالف الدولي ضدّ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وهو ما سارعت (إسرائيل)، في الأسابيع الماضية، إلى استغلاله جيداً، عبر محاولة التشبيه بين "داعش" و"حماس"، وهو استغلال لا يملّ منه قادة الاحتلال، إذ كرّر نتنياهو الربط بين قوى المقاومة الإقليمية، مثل "حماس" و"حزب الله" في لبنان والتنظيمات الإسلامية الجهادية، مثل "القاعدة" و"داعش".
كما تستغل سلطات الاحتلال، أيضاً، التوتر في العلاقات بين حركتي "فتح" و"حماس"، والخلاف الذي خرج إلى العلن أخيراً عبر التصريحات، التي أدلى بها عباس ضدّ حركة "حماس"، للضغط على السلطة الفلسطينية كي تمارس ، عبر الوفد الفلسطيني المشترك، ضغوطاً على المقاومة الفلسطينية لتقديم تنازلات في المفاوضات، التي تبدأ في القاهرة.
مصادر إسرائيلية تقول إن الاتفاق الثلاثي بين (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية والأمم المتحدة بشأن إعادة إعمار غزّة ينص على عدم استخدام مواد البناء من قبل "حماس" لإعادة بناء الأنفاق، وهذه ذريعة جديدة يحاول من خلالها الاحتلال التنصل من مسؤولياته والتزاماته لإعادة إعمار غزة ومدنها، وفي هذا السياق، يشارك الجنرال الإسرائيلي، بولي مردخاي، ومبعوث الأمم المتحدة، روبرت سيري، ورئيس حكومة التوافق الفلسطينية، رامي الحمد الله، في طاقم مراقبة إدخال المواد لقطاع غزة. (إسرائيل) أعلنت أنه في حال تم تهريب مواد البناء القابلة للاستخدام لحفر الأنفاق، فإنها ستقوم بإغلاق المعابر، ووقف إدخال المواد إلى القطاع، لكن ذلك يظل افتراضاً لا يمكن التثبت منه، بمعنى أنه على المقاومة الفلسطينية أن تكون واعية لأحابيل السياسة الإسرائيلية وألا تقبل بوجود شروط لا يمكن التأكد من صحتها، واستخدامها ضدها، فالتنصل الإسرائيلي الأخير من عملية إعادة إعمار غزة وشروط وقف النار التي أعقبت العدوان الأخير على القطاع، يلوح في الأفق، ويعززه موقف السلطة الفلسطينية التي تقف إلى جانب الحكومة الإسرائيلية في ممارسة الضغوط على المقاومة الفلسطينية، ما يعني أننا أمام مفاوضات شاقة وطويلة، وربما كانت دائرة مفرغة جديدة تحاول من خلالها الحكومة الإسرائيلية جر الفلسطينيين إليها.