Menu
21:22تفاصيل جديدة عن منفّذ هجوم نيس بفرنسا
21:20الأوقاف بغزة تغلق مسجدين في محافظتي غزة ورفح
21:19حماس تُعلن تضامنها مع تركيا بعد الزلزال الذي تعرضت له مدينة "إزمير"
18:37وفاة شاب غرقًا في خانيونس
18:26حشد تطالب شركة جوال بتخفيض أسعار الخدمات للمشتركين
18:11زلزال قوي يضرب ولاية إزمير التركية
18:10الحركة الإسلامية بالقدس تدعو لإحياء الفجر العظيم ورفض أوامر الهدم
18:07اشتية: على أوروبا ملء الفراغ الذي تركته أميركا بتحيزها لإسرائيل
18:00بالصور: حماس تدعو للانضمام إلى حملة مقاطعة البضائع الفرنسية
17:58خلافات لبنانية إسرائيلية بشأن ترسيم الحدود البحرية
17:57لا إصابات في صفوف الجالية الفلسطينية بتركيا جراء زلزال إزمير
17:55إصابة شاب بالرصاص المعدني والعشرات بالاختناق في مسيرة كفر قدوم الأسبوعية
17:54الاحتلال يعتدي على المواطنين قرب باب العامود
17:53وفاة شاب غرقا في بحر خانيونس
17:52الخضري: خسائر غير مسبوقة طالت الاقتصاد الفلسطيني بسبب الاحتلال و"كورونا"

زوبعة حماس و"تفاوضها" مع (إسرائيل)

أثارت تصريحات عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية، حماس، موسى أبو مرزوق، في مقابلة تلفزيونية في العاشر من سبتمبر/أيلول الجاري، أن حركته قد "تضطرُّ" إلى إجراء مفاوضات مباشرة مع (إسرائيل)، إن استمر الحصار الخانق على قطاع غزة، أثارت تساؤلات عديدة حول ما إذا كانت حماس في وارد إعادة النظر في موقفها الرافض أي حوار، أو مفاوضات مباشرة مع (إسرائيل).

وقد سارع المكتب السياسي للحركة، في اليوم التالي، إلى إصدار بيان مقتضب، أكد أن المفاوضات المباشرة مع العدو الصهيوني ليست من سياسة حماس، "وليست مطروحة في مداولاتها، وهذه هي السياسة المعتمدة في الحركة".

أما حركة فتح، خصم حماس السياسي، فقد اعتبرت على لسان الناطق باسمها في الضفة الغربية، أحمد عساف، أن التفاوض مع (إسرائيل) خارج "إطار الشرعية الفلسطينية" من أشكال "الخيانة". واتهم حماس بأنها تجري مفاوضات سرية، مباشرة، وغير مباشرة، مع (إسرائيل) "حول قضايا إنسانية، وأخرى سياسية، لا تحقق أهدافنا، وتنتقص من ثوابتنا الوطنية مع (إسرائيل). وأضاف: "الشعب الفلسطيني سئم استخدام حماس الدين بهذه الطريقة الانتهازية، فتارة يفتون بأن المفاوضات حرام شرعاً، وتارة أنها حلال، ويفتون بتكفير وقتل من يفاوض، ويحللون لأنفسهم التفاوض بعيداً عن الشرعية الوطنية الفلسطينية".

ما سبق يمثل الخبر مجرداً، من دون سياقاته، متبوعاً بردي فعل حماس وفتح عليه. لكن، ما حقيقة تصريحات أبو مرزوق نفسها؟ وما سياقاتها؟ وهل تستحق فعلاً أن توصف في الإعلام بأنها "سابقة"، قد تلمح إلى تغيير بنيوي في مقاربة حركة حماس للعلاقة مع (إسرائيل)؟

وقد جاءت تصريحات أبو مرزوق في سياق مقابلة تلفزيونية، أجرتها فضائية "القدس" معه مساء الأربعاء (10/9). وقال فيها إن حماس قد تضطر إلى مفاوضة (إسرائيل) مباشرة، ذلك أنه "من الناحية الشرعية، لا غبار على مفاوضة (إسرائيل)، مضيفاً "كما فاوضنا (إسرائيل) بالسلاح نفاوضها بالكلام"، غير أنه استدرك بالتأكيد على أن سياسة الحركة الحالية هي "عدم مفاوضة (إسرائيل)، غير أن على الآخرين الإدراك بأن هذه المسألة غير محرمة".

ولم يترك أبو مرزوق تصريحاته تلك معلقة، من دون سياق يؤطرها، ويوفر لها غطاءً سياسياً يبررها، فالمسألة مرتبطة، بالدرجة الأولى، بتلكؤ السلطة الفلسطينية في المضي في ملف "المصالحة الوطنية"، والتي تَفْتَرِضُ منها (أي السلطة)، حسب اتفاق الشاطئ بين حركتي حماس وفتح في إبريل/نيسان الماضي، استلام زمام الأمور في القطاع عبر "حكومة التوافق الوطني". غير أن السلطة الفلسطينية تحجم، اليوم، عن فعل ذلك، مُتذرعة بتشكيل حماس "حكومة ظِلٍّ" في القطاع، وتطالبها بقبول سيطرتها التامة على غزة، بما في ذلك سلاح المقاومة، وهو أمر لا زال يحول دون فتح معابر القطاع المحاصر منذ قرابة ثماني سنين، فضلاً عن إعادة إعماره بعد كارثة العدوان الإسرائيلي عليه في يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين. هذا السياق يؤكده أبو مرزوق بقوله: "أمام هذا الحال، وإذا بقي على ما هو عليه في الوقت الحاضر، فبمنتهى الصراحة، أصبحت هذه الفكرة شبه مطلب شعبي، عند كل الناس في قطاع غزة". مضيفاً: "حركة حماس قد تجد نفسها مضطرة لهذا السلوك، عندما يصبح وقع الحقوق الطبيعية لأهل غزة ثقيلاً على السلطة وحكومة التوافق إلى هذا الحدّ وهذه الدرجة".

إذن، لم تأت تصريحات أبو مرزوق منعزلة من سياق يسوغها، فالهدنة التي توصلَّ إليها الوفد الفلسطيني الموحد، أواخر الشهر الماضي، مع (إسرائيل) لإيقاف عدوان الأخيرة الوحشي على قطاع غزة، والذي دام خمسين يوماً، دخلت أسبوعها الرابع الآن، ولمَّا تَفِ (إسرائيل) بعد بالتزامها بفتح المعابر، أو على الأقل زيادة فاعليتها. والأنكى أن يترافق ذلك مع لوم السلطة الفلسطينية لحماس على العدوان، ووضعها، كما سبقت الإشارة، شروطاً تعجيزية لتسلم زمام الأمور في القطاع، وهو شرط أساس لتخفيف الحصار أو رفعه، وبدء الإعمار وإدخال مواد البناء.

وفي ظل وجود نظام معاد لحماس في مصر اليوم، وأخذاً في الاعتبار الحالة المزرية لقطاع غزة، إنسانياً وعمرانياً، بسبب العدوان الإسرائيلي، قال أبو مرزوق إن حركته التي تدير قطاع غزة عملياً، قد "تضطر" إلى إجراء مفاوضات مباشرة مع (إسرائيل)، إن كان ذلك سيسهم في تحسين أوضاع القطاع المنكوب وسكانه المفجوعين، غير أننا نعلم، الآن، أن حماس تحفظت على هذه التصريحات، كما أشرنا.

يقودنا هذا إلى مسألة أخرى، تتعلق بسؤال بشأن ما إذا كانت تصريحات أبو مرزوق تعد "سابقة" في خطاب حركة حماس السياسي.

في الواقع، أثيرت مسألة التفاوض مع (إسرائيل)، غير مرة، داخل أطر حماس ومؤسساتها، وكثيراً ما جنح قادتها إلى المرونة في هذا الملف، بل إن بعض من تحفظوا على تصريحات أبو مرزوق من قياديي حماس، كانوا هم أنفسهم قد عبروا عن المعاني نفسها من قبل، محمود الزهار مثلاً، قال في مؤتمر صحافي في غزة في (23/1/2006): "المفاوضات ليست حراماً، ولكن الجريمة السياسية هي عندما نجلس مع الإسرائيليين، ونخرج بابتسامات عريضة، ونقول للفلسطينيين إن هناك تقدماً، والحقيقة غير ذلك"، وأضاف "المفاوضات وسيلة، وإذا كان لدى (إسرائيل) ما يمكن أن تقدمه في موضوع وقف الاعتداءات.. في موضوع الانسحاب.. في موضوع إطلاق سراح المعتقلين.. فهنا يمكن إيجاد ألف وسيلة".

أيضاً، حين فازت حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، مطلع عام 2006، وفي إطار سعيها إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية حينئذ، قدمت في مارس/آذار 2006، برنامجاً سياسيا للفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية، للتوافق عليه ضمن إطار الحكومة المرتقبة، تحدث عن التهدئة وشروطها والحل المرحلي... إلخ.

وفيما يتعلق بالموقف من التفاوض، ذكر أن حماس لا ترفض المفاوضات وسيلة، لكنها ترفض المفاوضات بصيغتها السابقة، ذلك أنها لم تحقق الحد الأدنى من مطالب الشعب الفلسطيني، وأنه لو عرض شيء يحقق مصلحة الشعب الفلسطيني، ففي حينها يمكن النظر فيه. وهو الموقف نفسه الذي سيؤكده غير مرة قادة حماس، مثل رئيس المكتب السياسي، خالد مشعل، والزهار، والنائب عن حماس، الشيخ محمد أبو طير.

نخلص مما سبق أن تصريحات أبو مرزوق ليست جديدة على حركة حماس، وليس فيها أي تنازل عن ثوابت الحركة، ولا تحتاج كل هذه الضجة المثارة حولها، فهي واقعية ضمن سياق واقعي حتماً. وحماس لم تكن يوماً ضد المفاوضات آلية لحل الصراع، وإنما هي ضد شروط هذا التفاوض، وما سيترتب عليه من نتائج، خصوصاً فيما يتعلق بالاعتراف بـ(إسرائيل)، والذي ترفضه الحركة كلياً. فالمفاوضات، بحد ذاتها، ليست محرمة إسلامياً في فكر حماس، وإنما الحرمة تكون فيما ينتج عنها من تفريط وتنازلات، كما ترى هيَ، وهذا هو موقفها، انطلاقاً حتى من "الميثاق" نفسه (مع التحفظ على مسألة أن "الميثاق" يمثل حماس، اليوم، وهذه مسألة أخرى)، ومروراً بتطورها السياسي.

أما بشأن ردة فعل حركة فتح المبالغ فيها على تصريحات أبو مرزوق، ووصمها بـ"الخيانة"، إن اتفقنا معها، ستشمل الجميع، وفي مقدمتهم فتح نفسها. فإذا كانت المفاوضات خارج "إطار الشرعية الفلسطينية" تدخل في باب "الخيانة"، فإن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية أول من تمارسها، فالمؤسسات القيادية الفلسطينية كلها تعاني أزمة شرعية. ومن ثمَّ، لا يكون الحل بالتصريحات الحزبية المتوترة، بقدر ما أن ثمة حاجة ملحة، اليوم، لبناء موقف وطني فلسطيني على أساس مشروع سياسي، يمثل الحدود الدنيا التي يمكن التوافق عليها وطنياً، تحمله قيادة فلسطينية تحظى بشرعية، ولا تكون موضوعاً للتدخلات الإقليمية، ورهينة للتعنت الإسرائيلي والعجز الأميركي. نعم، الشعب الفلسطيني يستحق قيادة أفضل، ذات شرعية حقيقية، لا تعاقب جزءاً من شعبها بالحصار وإبقاء الدمار، في سياق مماحكات فصائلية وسياسية.