Menu
23:12برشلونة يُعلن عن رئيسه المؤقت ومجلس الإدارة
23:10تفاصيل رسالة الرئيس عباس للأمين العام للأمم المتحدة
23:09الخارجية: 11 إصابة جديدة بفيروس كورونا بصفوف جالياتنا
20:42الحية يكشف تفاصيل زيارة وفد حماس للقاهرة
20:25كهرباء غزة تصدر تعليمات ونصائح مهمة للمواطنين استعدادا لفصل الشتاء
20:24بيان من النيابة العامة حول الحملات الالكترونية
20:21قائد جديد لشعبة التخطيط في الجيش الإسرائيلي
20:20الاحمد: ننتظر رد حماس منذ بداية أكتوبر.. ولا اجتماع للأمناء العامين قبل إصدار مرسوم الانتخابات
20:18ابو حسنة: استئاف العملية التعليمية لطلبة المرحلة الاعدادية بمدارس الاونروا بغزة بدءا من الاثنين المقبل
20:14صحيفة اسرائيلية: كهرباء غزة و"التنسيق الخفي" بين إسرائيل ومصر وقطر والفلسطينيين..!
20:13السلطة الفلسطينية تنوي مقاضاة إسرائيل لترخيصها شركات اتصال بالضفة
20:12بري: ليس وارداً بأن تفضي مفاوضات الترسيم للتطبيع.. والحكومة اللبنانية سترى النور قريباً
20:10الأوقاف بغزة تغلق ثلاثة مساجد بخانيونس بسبب ظهور إصابات بفيروس كورونا
20:09بعد مشاركته في لقاءات القاهرة.. حماس: عودة القيادي الحية إلى غزة ودخوله للحجر الصحي
14:08لهذا السبب .. "حزب الله" يعلن الاستنفار و يستدعي عددا من عناصره

سعيد اليعقوبي يكتب : فكرة المقاومة ومفهوما النصر والهزيمة

في التاريخ دائماً ما هو قادرٌ على تفسير الواقع أو على تكرار نفسه، فعلى سبيل المثال، هناك مقولةٌ في وصف الحرب الفيتنامية أستخدمُها قياساً على الواقع: "الفيتنامييون لم ينتصروا في أيّ معركةٍ ولكنّهم فازوا في الحرب" وهي كذلك فعلاً. 14 عاماً من التدخل الأمريكي بمئات الآلاف من الجنود لدعم حكومةِ الجنوب في انقسامها عن الشّمال، وسنواتٍ طويلةٍ كذلك من القصف المكثف لفيتنام الشّمال، انتهت بخروجِ الأمريكان بكامل جنودهم وعتادهم من هذه الحرب دون تحقيق أهدافهم.

ورغم أنّ خسائر الأمريكان لا تُقارن مع خسائر الفيتناميين، والذين سقط منهم مئاتُ الآلاف، عدا عن الدمار الهائل الذي لحق بأرضهم ومدنهم، إلا أنّ هذه الحرب قد انتهت بما أراد الفيتناميون من توحيد شمالهم بجنوبهم بعد مقاومةٍ عنيفة في عشرات المعارك التي لم ينتصروا في أيّ منها، ولكنهم فازوا نهاية الأمر .. بالحرب!

الشاهد، أن التاريخ يروى بأنّ كافة شعوب العالم المحتلة على مداره قاومت احتلالها بقوة السلاح ولو في نهاية الأمر، باستثناء حالاتٍ قليلة أشهرُها المقاومة السلمية التي انتهجها غاندي في مجابهة الاحتلال البريطاني. ولكن على أيّ حال، ليس من الطبيعي هنا ولا المنطقي أيضاً، أن تكون مقاومةُ الشعب المحتل أكبر وأقوى مقارنةً مع القدرات العسكرية للدولة المحتلة، ولا حتى على نفس مستواها.

ولو كانت هكذا لما وقع الاحتلالُ في أصله، بل هي دائماً وأبداً مقاومة متواضعة، في تسلحها وامكانياتها مقارنةً مع تسلح قوات الاحتلال وامكانياته. وليس مطلوباً من هذه المقاومة أن تنتصر في كل معاركها مع العدو، وإنّما المهم أولاً في كونها تُقاتل وتردع الاحتلال بقدر المستطاع، وثانياً في اثبات استمرار حالة الرفض الشعبي لهذا الاحتلال وسعيهِ إلى إنهائه بكافة الوسائل الممكنة.

ولم يُثبت التاريخ أيضاً إلا أنّ لكل احتلالٍ نهاية، وفي النظر إلى هذه النهايات ترى جيداً أن خسائر المُحتل لا تقارن مع خسائر الدولة التي احتلها حتى نهاية هذا الاحتلال، فمثلاً، خسائر ألمانيا البشرية في الحرب العالمية الثانية لا تتجاوزُ ثلث خسائر دول الحلفاء كافةً مع نهاية الحرب والنتيجة كانت لصالح الحلفاء، وكذلك خسائرُ الشعب الجزائري ومقاومته في ثورتهِ التحريرية ضد الاحتلال الفرنسي للبلاد أكبر بكثير جداً من خسائر هذا الاحتلال، والنتيجة كانت لصالح الجزائر في تحرره واستقلال أمره، وبالتالي، لا يصح بأيّ حالٍ من الأحوال، أن تُلام المقاومة على وقوع هذه الخسائر، ولا يُمكن اعتبارها مسبباً في وقوع الخسائر أيضاً.

إذن، فإنّ الاقتناع بمفهومِ المقاومة لا يتوقفُ أبداً على مقدار الخسائر المتوقعة من ممارستها، سواء كانت بشرية أو اقتصادية أو غيرها، فالمهم هو النظر على المدى البعيد إلى النتائج المترتبة على هذه المعارك المتوالية من مقاومة العدو، وأعتقدُ بأنّ هذا الاقتناع لا بد أن يكون مُتأصلاً في عقل كل فردٍ منا مهما كانت درجةُ تأثره من الحرب!

أيضاً، فإنّ مفاهيم "الانتصار والهزيمة" لا أرى فيها إلا مفاهيم عائمة يستطيع أيّ طرف من المتصارعين أن يتبناها بالشكل الذي يريده، خاصةً عندما نتحدث عن احتلالٍ وشعبٍ يقاوم الاحتلال، أي عن سنواتٍ من الصراع الطويل الممتلئ بالمعارك، لا عن حربٍ بين دولتين يمكن التوصل مع نهايتها إلى اجاباتٍ واضحة لا جدال فيها على الكثير من الأسئلة من ضمنها "من انتصر؟! ".

مثلاً المقاومة قد انتصرت نتيجة قدرتها على التصدي للتوغل العسكري في عدة مناطقٍ على حدود القطاع وايقاع كم كبير من الخسائر في قوات العدو ومن ثم انسحاب هذه القوات فيما بعد دون تحقيق نتائج عسكرية واقعية، واسرائيل قد انتصرت في تحقيق نوعٍ ما من قوة الردع "هكذا يقولون"، الشعب قد انتصر في هذا النوع الفريد من الصمود والالتفاف حول المقاومة وفي اسقاط أهداف العدو في حربه، واسرائيل كذلك انتصرت في كونها قد نجحت في تشكيل تحالفٍ سياسيٍ إقليميٍ فريدٍ من نوعه قبل وخلال وبعد هذه الحرب، وغيرها من الأمثلة.

الجميع يستطيعُ إذن أن يتلاعب في هذه المفاهيم بالشكل الذي يريده، ومن الزاويةِ التي ينظرُ من خلالها إلى مجريات الأمور، وكذلك حسب مهارته وقدرته على تكريس المنظومة الاعلامية لهذا الهدف، مع التأكيد على نقطتين، الأولى أنّ هناك نتائج واضحة وبيّنة من نتائج الحرب تكونُ في صالح أحد الطرفين، ولا يستطيعُ أحد أن يتلاعب بها أو ينكرها مهما كان، ولكنّها تبقى نتائج موزعة بين الطرف الأول والثاني، بمعنى عدم قدرتنا على استخدامها لحسم الأمر وإعلان "المنتصر والمهزوم" ، والثانية هي تأكيدي على القناعة الشخصية التي أمتلكها بما هو في صالحنا وصالح المقاومة، وأنني إن اضطررت إلي استخدام هذا النوع من المصطلحات فلن أستخدم الثاني بالتأكيد "المهزوم" !

على أيّ حال، لا يُهم أن نقرأ مقالاً اسرائيلياً يوضحُ فيه كاتبه كيف أنّهم انتصروا في هذا الحرب، ولا أن نسمع تصريحاً احتفالياً من طرفنا بأنّنا قد انتصرنا عليهم، وكم هي درجة الاقتناع الشعبي بهذا التصريح، أو بذاك المقال، ما يُهم فعلاً مما حصل هو أنّنا قد قاومنا هذا العدوان الهمجي بكرامةِ منقطة النظير، ما يُهم فعلاً هو أنّ المقاومة لازالت في حالة تطوير جدي لكلّ قدراتها العسكرية انطلاقاً من رغبتنا في استمرار مجابهةِ العدو بكافة الوسائل الممكنة وقد أثبتت ذلك، وأنّ العدو لم ينجح في اسقاط سلاحها أو نزعه.

ما يُهم فعلاً هو أنّنا لم نستسلم مع أول قذيفةٍ سقطت وأول شهيدٍ ارتقى معها، ولم نرمِ سلاحنا، ونكتفى بالصراخ "أنقذنا أيها العالم"، وحتى 51 يوماً من الحرب، ما يهم فعلاً هو أنّ الحرب رغم استمرارها لكل هذه المدة، إلا أنّ معانى الصمود والتضحية والمقاومة تجلت فيها بشكلٍ فريدٍ، إعجازيّ، وسابقٍ من نوعه، ما يهم أيضاً، أنّ دولة الاحتلال تألمت في هذه الحرب كما تألمنا، وعاشت ظروفها وأجوائها واعتباراتها كما عشنا، وكانت الحربُ على أرضها التي هي أرضنا كما كانت عندنا، ودبت الخلافات بينهم علناً جهاراً على عكسنا، وانتفض شعبها ضد حكومته بينما التفّ الناسُ حول مقاومتنا.

نحن شعبٌ محتل، أي أنّنا سنخوض معارك كثيرة، وسنخسرُ الكثير، سيهدمون ونبني، سيقتلون ونقتل، سيسقطُ منا الكثير، ولكنّي متأكدٌ بأقصى درجات اليقين أنّ هناك أناسٌ منا سيصلون في النهاية لما سعينا له منذُ البداية، ولن يسقطوا!